د. إيهاب الطاهر يكتب: هجرة الأطباء.. وضرب الرأس بالحائط
طالعنا تحقيق صحفى بجريدة الواشنطن بوست نشرته صفحة نقابة الأطباء حول هجرة الأطباء من مصر مما أدى لنقص أعدادهم بالداخل عن المعدل المطلوب، وتحدث عدد من الأطباء عن أسباب تفكيرهم بالهجرة فذكرت طبيبة إن راتبها الشهرى بمصر يكفي بالكاد تكلفة المواصلات والإفطار، وأفاد طبيب بأن مرتبه ببريطانيا 40 ضعفا ثم استطرد قائلا إن ممارسة الطب فى مصر وكأنك تضرب رأسك فى الحائط.
ولكن بنفس التحقيق الصحفى قرأنا تصريحا منسوبا للدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمى لوزارة الصحة، يفيد بأنه يجب على شباب الأطباء تقديم تضحيات فالحكومة تحملت 99.9% من تكاليف دراستهم، وأدعو الدكتور حسام لطلب التصحيح من الجريدة إن كان ما نسب إليه ليس صحيحا.
أما إن كانت هذه التصريحات حقيقية فإن هذا أمر عجيب ومدهش، فقد تجاهلت التصريحات المنشورة أى نية لدى وزارة الصحة فى اتخاذ اجراءات حقيقية لعلاج أسباب هجرة الأطباء أو تحسين أحوالهم من أجور وحماية وبيئة عمل وغيرها، واكتفت التصريحات بالتحدث عن وجوب تضحيات الأطباء مقابل ما أنفقته الدولة عليهم بالتعليم!.
بالطبع كلنا كمصريين مدينون لبلدنا سواء قامت الدولة بدفع مصاريف تعليمنا من عدمه، فبلدنا هى بمثابة الأم التى نفديها حتى بأرواحنا سواء أعطتنا أم لا فكما قال الشاعر “بلدى وإن جارت علىً عزيزة”.
ولكن عندما نتحدث عن ديون مستحقة على فئة محددة وبقيمة محسوبة بالورقة والقلم لتبلغ 99.9% فالأمر هنا يحتاج لوقفة، فنحن بالطبع نعلم أن الدولة تتحمل جزءا ليس يسيرا من تكاليف تعليم الأطباء بالجامعات الحكومية، ولكن فى المقابل يعلم الجميع التكاليف الباهظة الأخرى التى يتكبدها أهل طالب الطب للإنفاق على دراسته فى شراء الكتب والمراجع والأدوات والمستلزمات والتدريبات الإكلينيكية وغيرها، وبالتالى فإن نسبة تحمل الدولة المذكورة بالتصريح مبالغ بها بشدة.
أما إن تحدثنا عن وجوب سداد هذا الدين أيا كانت نسبته الحقيقية فإن الطبيب بالفعل يقوم بسداده ضمنا خلال أول سنوات قليلة من عمله الحكومى لأن هذا ببساطة هو مجموع الفارق بين ما يحصل عليه من مرتب وبين ما يستحقه فعليا.
أما الأمر الأكثر غرابة فهو تكرار هذه التصريحات من حين لآخر من بعض المسئولين الذين يضعون على كاهل الأطباء واجب التضحية والاستمرار بالعمل بأجور متدنية لأن هذا واجب عليهم لسداد الدين المحسوب، ولكن للأسف يتناسى أو يتجاهل البعض أن الدولة قد تحملت أيضا الجزء الأكبر من تكاليف تعليم الوزير والخفير والقاضى والضابط ومدير البنك وغيرهم، فإذا كانت هناك ديونا محسوبة تستلزم التضحيات والعمل بأجور متدنية، فهل يجب على الجميع التضحية أم أن هذا قاصرا على الأطباء؟.
فى النهاية نعلم جميعا أن تحسين الرعاية الطبية المقدمة للمواطن وتحسين أوضاع الأطباء هما وجهين لعملة واحدة، فإن كنا نهدف فعلا لتقديم رعاية طبية تليق بالمواطن المصرى فإن مشكلات القطاع الصحى معروفة وطرق علاجها معروفة أيضا، ومهما كانت تكلفة الحلول فهى تتضائل أمام الأمن القومى الصحى، فهل هناك من يسمع أو يستجيب؟