د. إيهاب الطاهر يكتب: هجرة الأطباء وتهديد الأمن الصحي
إن تزايد معدل هجرة الأطباء من مصر فى السنوات الأخيرة قد نتج عنه عجز فى أعداد مقدمى الخدمة الصحية بمصر خاصة ببعض التخصصات التى تحتاج جهدا أكبر وخطورة أعلى فى ممارستها.
فتدنى الأجور يعتبر على رأس عوامل الطرد من مصر حيث أن الطبيب الشاب لا يستطيع أن يعيش بالحد الأدنى من الحياة الكريمة ، فلا يعقل أن يكون إجمالى مرتبه لا يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه وأن تكون قيمة النوبتجية لمدة 12 ساعة متواصلة هى 45 جنيه وخلال ساعات عمله الشاقة يواجه بالعديد من الأخطار مثل التعرض المباشر للعدوى ناهيك عن الإعتداءات المتكررة وتحميله عبء نقص أى مستلزمات، وحتى أبسط قواعد الإقامة الكريمة غير موجودة بمعظم المستشفيات فلا يخفى علينا الحالة المتردية لمعظم أماكن إقامة الأطباء بالمستشفيات.
وتدنى المعاشات أيضا ضمن العوامل المهمة فكيف يعيش طبيب أفنى عمره فى العمل ثم خرج على المعاش مقابل 2500 جنيه لن يكفوه لشراء علاجه الشهرى، والجدير بالذكر أن النقابة قدمت مشروع بانشاء صندوق للمعاش التكميلى أسوة بالعديد من الجهات الأخرى، ولكنه مازال حبيس الأدراج منذ سنوات.
وبالطبع فليس التقدير المادى فقط ما يعانيه الطبيب المصرى، بل أيضا الحملات المتكررة التى نراها تنطلق خاصة كلما طالب الأطباء بحق من حقوقهم، فيتم اتهامهم بالإهمال ووضعهم كبش فداء لجميع أسباب قصور المنظومة الصحية، مما أدى تدريجيا لاستعداء وشحن المجتمع ضدهم وتسبب فى تزايد حالات الإعتداء على الأطباء دون وجود قوانين رادعة لحمايتهم أثناء عملهم، وعلى الرغم من قيام نقابة الأطباء بتقديم مشروع قانون للبرلمان بتشديد عقوبة الإعتداء على المنشآت الطبية والعاملين بها إلا أن هذا المشروع حبيس أدراج البرلمان منذ سنوات.
والعجيب أيضا أن يتم محاسبة الأطباء فى قضايا أخطاء المهنة بموجب قانون العقوبات فى سابقة لا تحدث فى أى من دول العالم التى تحرص على منظومتها الصحية، ففى دول العالم توجد قوانين خاصة للمحاسبة الطبية للتفريق بين المضاعفات المرضية وبين الخطأ الطبى وبين الإهمال الجسيم أو ما نسميه الجرائم الطبية، وقد قامت نقابة الاطباء بتقديم مشروع قانون للمسئولية الطبية يحفظ حق الطبيب وحق المواطن بطريقة علمية دون الانجرار لحملات التشهير التى لا تؤدى سوى لفقدان الثقة بعموم الأطباء بل والحط من قدر المنظومة الصحية المصرية فى عيون العالم، إلا أن مشروع القانون مازال قيد الدراسة منذ سنوات بمجلس النواب، مما جعل ممارسة العمل الطبى بمصر محفوفة بالمخاطر فكيف سيقبل الطبيب مثلا على علاج حالة معقدة نسبة شفاءها قليلة وهو يرى سيف السجن مسلطا على رقبته!؟.
وفى الوقت الذى نجد فيه تعرض الأطباء فى مصر لكل هذه المعوقات التى تجعل بيئة العمل طاردة لهم من بلدهم، فإننا فى المقابل نجد أن الدول الأخرى تعرف قدر الطبيب المصرى وأمانته وجديته فتضع له المحفزات وعوامل الجذب، من تسهيلات فى السفر إلى أجر كريم وبيئة عمل لائقة ونظام محاسبة علمية ولوائح عمل دقيقة تحفظ الحقوق والواجبات، مما جعل وتيرة هجرة الأطباء للخارج تتزايد.
ومن نافلة القول إن المشكلات التى أدت لتزايد هجرة الأطباء معروفة وحلولها أيضا معروفة وهى ببساطة تكمن فى علاج الأسباب بشكل حقيقى، وليس بدفن الرؤوس بالرمال ومحاولة البحث عن أى حلول غير منطقية، فبالطبع ليس حلا أن يفكر البعض فى زيادة عدد المقبولين بكليات الطب أولا لأننا نحتاج حوالى 14 سنة منذ دخول طالب الطب للكلية حتى يصبح طبيب متخصص وثانيا وهو الأهم أنه مهما زاد عدد الخريجين فسوف يلحقون بمن سبقهم للخارج طالما بقيت نفس المشكلات موجودة.
وفى النهاية مهما كانت تكلفة الحلول الجذرية فهى تتضائل أمام أهمية الأمن القومى الصحى للشعب.