د. إيهاب الطاهر يكتب: مشروع قانون كارثي
– أرسل إلينا أحد الزملاء مشروع قانون يتم تداول أن مسؤولي وزارة الصحة يقومون بإعداده بديلا عن قانون المنشآت الطبية الحالى، وأعلنت نقابة الأطباء أنها قد أرسلت استفسارا لوزارة الصحة عن هذا الموضوع.
– بعد دراسة المشروع المتداول ومقارنته بالقانون الحالى (رقم 51 لسنة 1981 وتعديله)، تبين وجود سلبيات خطيرة بمشروع القانون الجديد ستؤثر سلبا على الأطباء والمرضى والمنظومة الصحية.
ملخص السلبيات الواردة بمشروع القانون:
1- التغول على صلاحيات النقابة ودورها لصالح وزارة الصحة، على الرغم من أن النقابة هى الجهة المنوط بها الحفاظ على المعايير المهنية ومتابعة تطبيق لائحة آداب المهنة طبقا للدستور والقانون، فقد نص مشروع القانون على العديد من البنود المعيبة مثل:
أ- إلغاء شرط تسجيل المنشآت الطبية بالنقابة قبل الترخيص، وهو أمر هام لضمان استيفاء المعايير الأساسية للتشغيل (مادة 3).
ب- إلغاء شرط موافقة النقابة على عمل أى طبيب أجنبى بمصر، وهو أمر ضرورى لمراجعة مؤهلاته العلمية وخبراته العملية قبل الترخيص له بمزاولة المهنة بمصر (مادة 13).
ج- تجاهل ضرورة موافقة النقابة عند إعلان أى طبيب عن نفسه وهو أمر معمول به بالقوانين الحالية، وهو أمر ضرورى للتأكد من توافق الإعلان مع المؤهلات العلمية والخبرات العملية للطبيب (مادة 15).
د- إلغاء حق النقابة الأصيل فى الإطلاع على ملفات المرضى، وبالتالى غل يد النقابة عن إمكانية التحقيق والبت فى الشكاوى الواردة لها بخصوص ممارسة المهنة (مادة 18).
ه- إعداد سجلات المنشآت الطبية بالنقابة وفقا لقرار يصدر من وزير الصحة، وكأن النقابة ستصبح مثل أى إدارة تابعة للوزارة (مادة 3).
و- التأثير السلبى على موارد النقابة المالية، حيث تم تخصيص نسبة 10% فقط من الرسوم للنقابة (مادة 26).
2- فتح الباب أمام الأشخاص الطبيعيين من غير الأطباء لترخيص عيادات تخصصية أو مراكز طبية، مما قد يحولها لمجرد مشاريع استثمارية تهتم بالربح على حساب الأمور الأكثر أهمية (المواد 2 – 3).
.
3- مواجهة خطر إغلاق العديد من المنشآت الطبية القائمة حاليا، والتى لن يستطيع بعضها استكمال المعايير الجديدة نظرا لطبيعتها الهندسية (مثل المستشفيات الصغيرة)، حيث أن هناك إلزام بتوفيق الأوضاع وتجديد الترخيص كل عدة سنوات. (المواد: الثانية – 2 – 3 – 4).
.
4- السماح بإنشاء مراكز خاصة للرعاية الصحية الأولية والتطعيمات، وهذه الأمور من المفترض أن تظل تابعة لوارة الصحة، حتى لا نفتح الباب أمام إمكانية خصخصة الرعاية الصحية الأولية (مادة 2).
.
5- السماح بإنشاء مراكز خاصة للنقل الإسعافى، فى حين أنه من المفترض أن تكون الخدمات الإسعافية تابعة لوزارة الصحة، حتى لا يصبح بعضها ينظر للربح على حساب المصاب، وهذا الأمر يطرح تساؤل حول إمكانية تخلى الحكومة عن هذا الدور الهام للقطاع الخاص مستقبلا (مادة 2).
6- عدم السماح بإنشاء غرف عمليات كبرى بالمراكز الطبية، وهذا الأمر سيعيق عملها حيث أن معظمها يقوم بالفعل بإجراء عمليات كبرى (مادة 2).
7- إطلاق يد صاحب المنشأة (مركز – مستشفى) فى وضع اللائحة الداخلية المنظمة للعمل، دون أن يتم إشتراط تضمين معايير عامة كحد أدنى للحفاظ على حقوق الأطباء والعاملين (مادة 3).
8- إطلاق السماح بإنشاء فروع للمستشفيات الأجنبية بمصر بشرط وحيد وهو استيفاءها لشروط تشغيل المستشفى الأم بالخارج، دون تحديد نسبة كحد أقصى من المنشآت الطبية الخاصة التى يجوز أن يكون مالكوها من غير المصريين حتى لا نصل ليوم نجد فيه أن معظم المستشفيات الخاصة تابعة لجهات أجنبية مما يضر بالأمن الصحى المصرى، بالإضافة لعدم وجود نص صريح بضرورة استيفاءها للشروط والضوابط المعمول بها بمصر، ويضاف لذلك أيضا عدم تحديد نسبة الحد الأقصى المسموح به لعمل الأطباء والعاملين الأجانب بهذه المستشفيات، بل والسماح بعمل هؤلاء الأطباء الأجانب حتى دون اشتراط موافقة النقابة للتأكد من المستوى العلمى والكفاءة المهنية لكل منهم، والأمر الغريب هو فتح الباب أمام وزارة الصحة نفسها فى إنشاء فروع للمستشفيات الأجنبية بمصر ( المواد 8 – 9 – 11 – 13).
9- تم اشتراط موافقة جهة العمل الحكومية على عمل الطبيبب بالمنشآت الطبية الخاصة وهذا النص جاء مطلقا بمعنى أنه يمكن منعه من العمل حتى بعيادته الخاصة إذا لم يحصل على موافقة جهة عمله الحكومية، وهذا البند يفتح الباب أمام التعسف الإدارى ضد الأطباء ليشمل عملهم الخاص وليس فقط العمل الحكومى، وهذا الأمر قد يزيد من وتيرة هجرة الأطباء للخارج (مادة 13).
10- إلزام المنشآت الخاصة بعدم المطالبة بأموال مسبقة فى الحالات الإسعافية وهذا أمر جيد، ولكن يجب تحديد الجهة التى سوف تتحمل تكاليف علاج المرضى الذين لن يستطيعوا تحمل هذه التكاليف، كما يجب تخصيص موارد مالية للإنفاق على ذلك، وإلا فلن يكون هذا البند قابلا للتطبيق العملى، ولدينا مثال على ذلك بوجود قرارات مشابهة لرئيس الوزراء ولكن لا يتم تنفيذها على الأرض نظرا لعدم تحديد الجهة التى سوف تتحمل تكاليف هذا العلاج (مادة 14).
11- عدم النص على ضرورة الحفاظ على حقوق الأطباء والعاملين عند إغلاق أى منشأة، حيث أنه تم النص على ضرورة الحفاظ على حقوق المرضى فقط (مادة 31).
12- المغالاة والتناقض فى بعض الجزاءات والعقوبات المقررة على مخالفة مواد القانون، فمن الممكن أن تكون عقوبة الطبيب المرخص له بمزاولة المهنة ولكنه يعمل بعيادة غير مرخصة، أكبر من عقوبة مُدًعى الطب الذى لا يحمل ترخيص مزاولة مهنة (المواد 28 – من 32، 39).
13- المغالاة فى رسوم التراخيص مما سيؤدى لزيادة تكاليف الإنشاء، خاصة وأنه سيكون هناك إلزام بتجديد هذا الترخيص (كل ثلاث سنوات للعيادة، وكل ست سنوات للمنشآت الطبية الأخرى) مع دفع رسوم لهذا التجديد، فعلى سبيل المثال فإن رسوم ترخيص العيادة الخاصة قد تصل إلى مبلغ 60 ألف جنيه، ورسوم ترخيص مركز طبى عام قد تصل إلى 700 ألف جنيه، ورسوم ترخيص مستشفى 50 سرير قد تصل إلى 2.5 مليون جنيه، وهذه المغالاة قد تجعل معظم المنشآت الطبية الخاصة تابعة فقط لجهات استثمارية مصرية أو أجنبية لأنها بالطبع ستمثل عائقا أمام الأطباء متوسطى الحال، وهذا الأمر قد يؤدى بالتبعية لزيادة أتعاب ومقابل تقديم الخدمة الصحية التى سيتم تحصيلها من المواطن، وقد تزيد من وتيرة هجرة الأطباء (مادة 23 – جداول الرسوم).
لذلك نعلن اعتراضنا على مشروع القانون المتداول، وندعو مجلس نقابة الأطباء لسرعة اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات من أجل إيقاف تقديم مثل هذا المشروع المعيب “حال صحته” قبل أن يصبح واقعا مريرا يضاف لمعاناة الأطباء والمرضى والمنظومة الصحية.