د.أحمد حسين يكتب عن واقعة إهانة طبيب بعين شمس لممرض: الكوميديا والمهنية.. أم الكلب والآدمية

مقطع فيديو مدته قرابة الأربع دقائق انتشر أمس على مواقع التواصل الإجتماعي وتناقلته بعض القنوات الفضائية، ينسب أبطال الفيديو إلى الفريق الطبي حيث يظهر أن طبيب يظهر إسمه بالفيديو”عمرو” وآخر يُنادى بـ”معتز” وشخص ثالث لم تتضح مهنته أو إسمه، الثلاثة يقومون بتعذيب شخص رابع يرتدي زي التمريض ويتضح أنه في العقد الخامس من عمره، يتم تعذيبه نفسيًا وبدنيًا، يُصدر”عمرو” الأوامر فيقفز الممرض قفزات متتالية ليتفادى التعرقل في حبل ممدود يحركه الإثنان الأخرين واللذان يمسكان بطرفيه، ثم ينوه “عمرو” عن صعق الممرض بالتيار الكهربائي إلا أنه يستحسن فكرة “معتز” بإرغام الممرض بالرقص في حلقة مصنوعة من مفرش سرير، الأمر الذي يرفضه الممرض متوسلًا بقوله”كفاية إهانة، كهربوني أحسن”.

إن لم تكن شاهدت عزيزي القارىء مقطع الفيديو، فأنا أغبطك لما حصن القدر سلامتك النفسية، ولك حتى لا تبحث عن مشاهدته أن أوضح لك سبب قيام الثلاثة بتعذيب الرابع، هو عقابًا له على إهانته لـ”كلب عمرو”، فقد ادعى الأخير أن الممرض أهان كلبه وأراد عمدًا تسريبه إلى “الألج” مستنكرًا ذلك بقوله “عاوز تسرب بوبي إبن الباشوات للألج ولاد الكلب بدل ما يروح الساحل”، ثم يستطرد عمرو أوامره للممرض بأن يسجد للكلب، قائلًا نصًا:”صلي للكلب قول الله أكبر وصلي، هتسجد سجدتين للكلب”، رفض الممرض السجود واكتفى بتقديم تحية تعظيم سلام للكلب، أحداث هذا الفيديو تمت في مستشفى خاص حسب ما تناقله جهات وأشخاص موثوق بها.

رد فعل مفزع

لم أنفق وقتًا في محاولة لإيجاد وصف لوقائع هذا المشهد، فقطعًا هو أمر صاعق غير مسبوق لم نقرأ مثله في روايات العنف ولم يحك عنه معتقلي السياسة نقلًا لإحتفالات التنكيل بهم، الأمر المذهل حقًا هو رد فعل الإعلام والجهات الحكومية والنقابية وكذلك المجتمع.. يتداول أعضاء مجالس نقابات الأطباء عزمهم على تحويل الطبيب للتحقيق معه في لجنة آداب المهنة، وبالفعل أصدر وزير التعليم العالي بيانًا إعلاميًا بتوجيهه لرئيس جامعة عين شمس بوقف الطبيب عضو هيئة التدريس بطل الواقع والتحقيق معه، وتضمن البيان تقديم التحية والتقدير لهيئة التمريض، أيضًا يطالب التمريض زملائهم الأطباء بعقاب هذا الطبيب ويتنصل الأطباء من تلك الفعلة المشينة.

أكثر ما أذهلني في ردود الأفعال، تعقيب أحد الإعلاميين مقدم برنامج شهير على قناة فضائية، يتفهم الإعلامي أن تكون هذه الأفعال “هزار” بين مرتكبيها طالما يرتضونها فيما بينهم ولكنه يرى الجريمة أنه تم نشرها على مواقع التواصل الإجتماعي فانتقلت الخصوصية إلى العامة، أما ما يزعج الإعلامي ويؤكد عليه ويطالب نقابة الأطباء بالتحقيق فيه هو تواجد كلب بمنشآة لتقديم الخدمة الطبية!.

كوارث غابت عن الأذهان

لم تتناول ردود الأفعال شيء مما أرى أنها بحق كوارث، لم أقرأ عن “إزدراء الأديان” في مطالبة هذا المجرم للمرض بأن يصلّي ويسجد للكلب، بينما قرأت سابقًا تحويل أطفال المنيا للمحاكمة بتهمة إزدراء الأديان في عرض مسرحي.. لم أرى مدقق بحث عن كلمة”الألج” فأكتشف أنها قرية تتبع مدينة الخانكة بمحافظة القليوبية، والتي وصف الطبيب أهلها بـ”الأوساخ ولاد الكلب” مستنكرًا أن يعيش بينهم كلبه إبن الباشوات على حد وصفه، هل لم ير الإعلامي أو المجتمع إهانة لأهالي الألج في حديث المجرم!

المختص الوحيد لم ينطق بعد

أتذكر جيدًا ثورة المحامين على الفنان عادل إمام عندما قدم نموذجًا سيئًا للمحامي في فيلمه “الأفوكانو”، وكذلك غضب الأزهر على نفس الفنان عندما عرض صورة هزلية لرجل الأزهر في مسرحية”الواد سيد الشغال”..حتى لو كانت وقائع هذا الفيديو على سبيل “الهزار” كما يضع الإعلامي أحد الإفتراضات وحتى إن لم يُنشر على العامة، فهي جريمة غير مسبوقة، وقائع تعذيب نفسي وبدني لا أرى أي منطق في أن يرضاه “الممرض الذي تم تعذيبه” سوى أنها تحت القهر.. ليست هذه الجريمة مهنية حتى تكون نقابة الأطباء صاحبة العقاب الأصيل فيها، ولا مخالفة لقواعد وآداب العمل حتى ينتظر المجتمع نتائج تحقيق الجامعة وعقابها..

هي واقعة تحتوي على عدة جرائم لم نشاهد في فجاعة تفاصيلها، جريمة إحتجاز إنسان وتعذيبه نفسيًا وبدنيًا وإزدراء الأديان وإهانة أهالي قرية الألج وسبهم، جرائم اشترك فيها عدة أشخاص لا أجد معنى لتصنيفهم ضمن فصيل أو مهنة أو حتى لبني آدم.. جرائم المعني الأول والمختص فيها هي النيابة العامة التي لم تتخذ بعد أي رد فعل، شهدنا كثيرًا تحرك جمعيات الرأفة بالحيوان في وقائع تعذيب للحيوان ورد فعل الجهات القضائية، فهل سنرى تحرك مماثل للدفاع عن آدمية وإنسانية مجتمعنا.

لا أعلم توصيف تلك الجرائم التي احتوتها الواقعة في القانون ولا أدري عقوبتها، وإن كنت أتمنى أن ينظر مشرعي القانون في إستحداث عقوبة لمثل تلك الجرائم، أن يعقاب المجرم ضمن العقوبات بمثله فعله..أن يقفز ويرقص وينحني صاحب الكلب لمن يراهم “ولاد الكلب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *