د. أحمد حسين يكتب عن إدارة أزمة كورونا: وزيرة صحة بدرجة موظف أرشيف
ليس تنمرًا، بل وصف لمهام متعهد الأرشيف الذي وظيفته التَدوين في دفاتره للمستندات وترقيمها ثم حزمها بالدُّوبارة وترتَّيبها على الأرفف، لا يشغله كثيرًا الأتربة المتراكمة عليها عند مراجعته لتواريخها، فالمتعارف عليه دَّشتها بعد بضعة سنوات، وإن حدث حريق أو تلف للأوراق فعليه فقط اتخاذ الإجراءات الروتينية المتبعة نحو الحصر والإبلاغ ،هكذا تفعل وزارة الصحة،تحصي ما لديها من عاملين في مخزن أرشيفها الذي ضاق عليهم أو هم الذين ضاقوا به، فتستبدل تخزينهم على أرفف في مخازن بديلة..فلم يحن وقت فَرْمها بعد.
تُصدر وزيرة الصحة تعليمات يعممها مرؤوسيها على جميع المديريات والقطاعات التابعة لها،من تلك التعليمات أن يتم تعليق العمل بالعيادات الخارجية في المستشفيات عدا التخصصات العامة فقط وهي “الباطنة، الجراحة، النساء، الأطفال والعظام”، وتكليف الفرق الطبية في التخصصات المعلق فيها العمل بالإنتقال للمراكز الطبية ووحدات الرعاية الأساسية بالأرياف للعمل فيها كعيادات بديلة، وفي حالة عدم كفاية تلك الوحدات لإستيعاب العمل يتم استخدام عيادات تنظيم الأسرة وعيادات القوافل العلاجية كعيادات تخصصية متفرقة (الترجمة أن جميع أفراد الفريق الطبي سيقضي دوام العمل..الأرفف ما زالت تتسع لجميع الملفات فلم يحِن آوان فَرْمها بعد)
كان ذلك متزامنًا مع إعلان وزارة الصحة عن تسجيل للراغبين في العمل ضمن فرق الدعم الطبية..هل تحتاج للإشارة إلى أن ما سبق كان ضمن اجراءات وزارة الصحة لتنفيذ خطة الحكومة في التصدي لإنتشار فيروس كورونا، وبالطبع قد صادفت أحد منشورات التوعية بالفيروس ومنها الصادرة عن وزارة الصحة المصرية، والتي تشير جميعها أن مكمن خطورة الفيروس في سرعة إنتشاره، وطرق الوقاية منه في الأساس هي منع التجمعات وضرورة الحفاظ على مسافات بين الأشخاص لا تقل عن المتر والنصف وغسيل الأيدي،أيضًا تؤكد تلك المنشورات أنه لم يتم اكتشاف علاج حتى تاريخه من الإصابة بكورونا..بقِيَ أن استفيض في أسباب نقد تعليمات وزارة الصحة والتي في الأغلب قد فهمتها.
دول العالم أجمع بإختلاف امكانياتها وقدرات النظام الصحي بها ومن ضمنها مصر،اتخذت قرارات تفاوتت فيها درجات الحزم في تطبيقها، لكنها اجتمعت على منع التجمعات بجميع الأماكن باختلاف خدماتها ومنها المنشآت الصحية نفسها وقصر الأخيرة على خدمات الطواريء فقط، ما اجتمعت عليه أيضًا هو دعم الفريق الطبي والمحافظة عليه بشتى الطرق كخط أول و أقدر على مواجهة كورونا..فلسفة قرارات الدول هي وقف انتشار الفيروس بقدر الإمكان لكسب المزيد من الوقت للوصول إلى علاج منه إضافة إلى الحفاظ على الأرواح، كذلك الحفاظ على أكبر عدد من الفئات الأكثر عرضة للإصابة وهي أعضاء الفريق الطبي والعاملين بالمستشفيات لإستمرار المنظومة الصحية سواء في معركة الفيروس أو لتقديم الخدمات الطبية بعدها.
بتعليمات وزارة الصحة الأخيرة تيقَن أن لها فلسفة مختلفة عن بقيَّة الدول، فهي تنتقل بالتجمعات من المستشفيات بالمدن إلى المراكز الطبية و الوحدات الصحية بالأرياف..إذا عملّت مثلي في الريف المصري ستدرك ما أعني وتتخيل مدى تكدس الأهالي عندما تأتي قافلة وتُعلن مأذن الجوامع عنها أو يتناقل أخبارها أهالي القرية فيسارعون”يلا نكشف، فيه دكاترة جاية من البندر”.
كل دول العالم،حتى تلك التي تحكمها أنظمة استبدادية أو عسكرية، وَفَّرت كل سبل الدعم المعنوي والمادي للفريق الطبي، ووضعت سلامة ووقاية الفريق الطبي أولى اعتباراتها في هذه الأزمة، وَفَّرت لهم أجود وسائل الوقاية واكتفت بتشغيل العدد الكافي منهم فقط لفترة كل مناوبة، توفَيرً وإدخارً لجهد الباقي في الأيام المتعاقبة، وتقوم بتدريب الأخرين منهم في غير التخصصات المرتبطة برعاية مرضى كورونا مثل”الباطنة،العظام،الأعصاب،الجراحة وغيرها” على أعمال رعاية مرضى الفيروس تحسبًا لمراحل أخطر في إنتشاره،هذا بالقطع إلى جانب عملهم في طوارىء تخصصاتهم فقط..أما في مصر فتبعات تعليمات وزارة الصحة هي إنهاك الفريق الطبي في التنقل بين قرى الأرياف لمداواة شكاوى الصداع وتساقط الشعر وفقدان الشهية وحب الشباب والتبول اللارادي،فضلاً عن الإرتقاء بنسبة إصابة الفريق الطبي وجعلهم بؤرة لإنتشار المرض..بالتأكيد أيضًا طالعت إحدى صرخات الفريق الطبي المنتشرة على صفحات التواصل الإجتماعي من نقص أو انعدام وسائل مكافحة العدوى بالمستشفيات.
لا تندهش عزيزي المواطن عند مشاهدتك لصورة الدورة التدريبية عن مكافحة العدوى التي نظمتها مديرية الصحة بالقليوبية،في قاعة ضيقة حضر بها ما لا يقل عن 50 متدربة تلاصقوا كما يتلاصق تلاميذ المرحلة الإبتدائية في مدرسة كفر طهرمس،فقد أعقبتها وزيرة الصحة بيوم واحد بتنظيم مؤتمر صحفي بالردهة أمام مكتبها و بحضور وزير الإعلام،حضر المؤتمر ما لا يقل عن 100 صحفي و إعلامي تلاصقت أجسادهم كما “السيجارة والمبسم”، الأدهى ليس صمت نقابتي الصحفيين والإعلاميين عن تعريض أعضائها للخطر، بل مشاركة وزيرة الصحة ووزير الإعلام لهم في عدم ارتداء كمامة واقية..هل تدرك الرسالة التي تبعثها تلك المشاهد للمواطن المصري.
نداء إلى أصحاب أو صاحب القرار في مصر، استغاثة أن يُنحّي متعهدي الأرشيف من إدارة الأزمة، ولو لحين النجاة منها..فإستمرار إدارتهم قد يحتاج بعدها أهل مصر ومنها الحكومة لمتعهد” كُهْنَة .