د. أحمد حسين يكتب: رسالة لوزير الداخلية عن تقييد طبيب في السرير.. حاسبوا المخطيء فالعدالة ضمان لنجاح الحوار الوطني
دعا رئيس الجمهورية أثناء إفطار الأسرة المصرية أواخر رمضان الماضي إلى حوار وطني بين أطياف المجتمع المختلفة ومؤسساته، وعهد رئيس الجمهورية إلى هيئة محايدة تتبعه مباشرة لتنفيذ جلسات الحوار الوطني.
دعوة استبشر بها الجميع خيرًا ورأى فيها الأمل للخروج من المشكلات ومقاومة التحديات بتكاتف جميع فئات المجتمع وأطيافه مع مؤسسات الدولة، هذا التكاتف للمشاركة في الحلول لن يكون إلا من شعب يشعر بالإنتماء لوطنه، والإنتماء لا يتحقق بالأغاني والشعارات على يافطات المنشآت، الإنتماء يكون حقيقيًا عندما ييقن المواطن أنه بالفعل شريك في هذا الوطن، عندما يشعر أن كرامته مصانة بسيادة العدالة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على الجميع شعبًا وحكومة، اختلال ميزان العدالة والكيل بمكيالات متباينة والشعور بالقهر والسلطة المطلقة هي معاول الهدم لأي دعوة للإصلاح قبل أن تبدء.
أمر إعتاده الوسط الطبي، لكن غير المعتاد في الإعتداءات على المستشفيات والعاملين بها أن تقوم أفراد إنفاذ القانون بإنتهاكه،وتتدخل طرفًا في التعدي على العاملين بالمستشفى. حوالي الخامسة مساء الخميس الماضي 12 مايو واقعة إعتداء لفظي وبدني من مرافقي طفلة مصابة على أحد الأطباء باستقبال مستشفى القاهرة الجديدة، إدارة المستشفى تبلغ الشرطة عن الواقعة وتحضر الشرطة ويدعي أيضًا المرافقون للطفلة إعتداء الطبيب عليهم، وحتى ضغوط أفراد الشرطة على الطبيب للتصالح، كلها أمور معتادة شبه أسبوعيًا وسط خلل في المنظومة الصحية يسعى الجميع لمحاولة إصلاحه.
لكن ما كنا نعتقد أنه اختفى هو تحامل أفراد الشرطة عند إصرار العاملين بالمستشفى على تحرير محضر بالواقعة، فحسب أقوال الطبيب المعتدى عليه وبعض الأطباء المتواجدين وقت الواقعة، فقد رفض أفراد الشرطة وقت حضورهم تحرير محضر عن الواقعة بإسم المستشفى كونه إعتداء على موظف أثناء تأدية عمله إضافة إلى حدوث تلفيات باثاثات المستشفى، ومحاولة أفراد الشرطة إقتياد الطبيب إلى قسم الشرطة لولا أن حال دون ذلك إصاباته التي نتجت عن الاعتداء والتي تمثلت في كسر في عظمة الأنف، وتجمع دموي بالجبهة، واشتباه ارتجاج بالمخ وكدمات اضطرت الطبيب المتخصص لحجزه بالمستشفى للعلاج.
أيضًا كل ما سبق يبدو مألوفًا لأعضاء الفريق الطبي، أما ما اختصت به تلك الواقعة، وأثار سخط الجميع هو قيام أحد الضباط بتقييد حرية المريض (الطبيب المصاب) بتقييد معصمه بالكلابشات في سرير طبي بالمستشفى المحجوز به للعلاج، وذلك مع وضع حراسة شرطية على باب الغرفة.
هذا الوضع استمر لمدة ثلاث ساعات تقريبًا إلى حين قيام نقابة الأطباء بنشر ملخص للواقعة، وصورة للطبيب مقيد بالكلابشات بسرير المستشفى، بعدها يحضر بعض أعضاء مجلس نقابة الأطباء كنت أنا أحدهم، والعديد من قيادات وزارة الصحة، على إثرها تقبل الشرطة مذكرة من إدارة المستشفى بالإبلاغ بالتعدي على المستشفى والطبيب وإحداث إصابات به وتلفيات بالمستشفى، وتذكر أيضاً مذكرة بلاغ إدارة المستشفى قيام ضابطين من قوة قسم شرطة القطامية بتقييد الطبيب المعتدى عليه (بالكلابشات) في السرير الطبي أثناء فحصه وتنفيذ العلاج للطبيب مما تسبب في تدهور الحالة النفسية للطبيب.
هذه المذكرة تحررت في حوالي الحادية عشر مساءً وسبقتها محاولات البعض مع الطبيب عدم ذكر واقعة تقييده بالسرير (كلنا بنغلط وده لسه ضابط صغير والمسامح كريم) والطبيب أصر أن الضابط أهان كرامته وانتهك مهنته وارتكب مخالفة تستحق المساءلة.
بعد ساعات قليلة من تحرير مذكرة المستشفى التي سبقها إصرار الطبيب على الشكوى من التعدي عليه من قبل مرافقي الطفلة، وعدم إغفال واقعة تقييد الضابط له بالسرير الطبي، وتقريبًا الساعة الرابعة فجر الجمعة 13 مايو نشرت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية بالفيسبوك بيانًا نصه كالأتي: (بالفحص تبين أنه بتاريخ 12/5/2022 ورد لقسم شرطة القطامية بمديرية أمن القاهرة، بلاغًا بوجود مشاجرة داخل إحدى المستشفيات بدائرة القسم، بالإنتقال والفحص تبين حدوث مشاجرة بين كلا من طرف أول “طبيب إمتياز بالمستشفى المشار إليها” طرف ثاني “طالب جامعي”، حيث أنه أثناء تواجد الطرف الثاني بمنطقة التجمع الأول لاحظ تواجد طفلة سن 13 سنة مصابة بجرح بالقدم “إثر إصطدام سيارة مجهولة بها بمنطقة المجاورات”، حيث قام بالتواصل مع والدة الطفل التي حضرت في حينه، فقام باصطحابهما للمستشفى المشار إليها بسيارته الخاصة لإسعافها، ونظرًا لتقاعس الطبيب المعالج رغم التوسل إليه من قبل الأم للإسراع في علاج نجلتها إلا أنه قابل ذلك بالاستهجان والسخرية، مما دفع الطالب الجامعي إلى معاتبته فتطور الأمر إلى مشادة كلامية تطورت إلى تشابك بالأيدي وتبادل الاعتداء بينهما وإصابة كلًا منهما.
واتهمت والدة الطفلة الطبيب المذكور بالتحرش بها وإحداث إصابتها ورفض المستشفى علاج نجلتها أو إعطائها والطالب تقارير تفيد بإصابتهما إثر المُشادة المُشار إليها، وقامت والدة الطفلة بنقل نجلتها إلى مستشفى أخرى لعلاجها وحصلت والطالب الجامعي على التقارير الطبية تفيد إصابتهما من ذات المستشفى التي تم نقل الطفلة إليها.تم إتخاذ الإجراءات القانونية وقررت النيابة العامة حجز الأطراف على ذمة العرض ).
انتهى البيان المنشور على صفحة وزارة الداخلية، والذي أساء إلى وزارة الداخلية قبل أن يسيء لأحد أطراف الواقعة، ويجب على وزارة الداخلية الإنتصار لهيبتها ومساءلة المسوؤل عن نشر هذا البيان، فإضافة إلى التحيز الواضح لأحد الأطراف وإظهاره وكأنه ملاك ساقه الله لنجدة طفلة، وتشويه الطرف الآخر، حيث ذكر أن الشرطة انتقلت وتبينت ووصف اعتداء داخل مستشفى بين عاملين بها ومرافقي مرضى على أنها مشاجرة وكأنها حادثة طريق عام أو بين بائع خضروات ومشتري في سوق عشوائي، ومن دلائل التحيز الواضح في بيان الداخلية ضد الطبيب ذكر إتهامات والدة الطفلة للطبيب، ولم يذكر البيان في محاولة لإظهار الحيادية اتهامات الطبيب أو ما ورد في مذكرة إدارة المستشفى لمرافقي الطفلة، إضافة إلى كل ذلك فإن بيان وزارة الداخلية بعد الإنتقال والتبين نقل معلومات خاطئة أثارت تهكم العامة، فقد ذكر البيان أن الطبيب هو “طبيب امتياز” والمعروف أن طبيب الامتياز هو طبيب تحت التدريب لا يحق له مزاولة المهنة وعلاج المرضى إلا تحت إشراف طبيب يقوم بتدريبه، وطبيب الواقعة هو طبيب مقيم جراحة موظف يعمل بوزارة الصحة منذ سنوات ومرخص له بمزاولة مهنة الطب.
تقييد أحد الضباط للمريض أو المصاب أحد أفراد الواقعة وهو الطبيب بالكلابشات في السرير الطبي المقيم به بالمستشفى للعلاج، واقعة لم ينكرها أحد من ضباط الداخلية أمامي ووردت بمذكرة بلاغ إدارة المستشفى بل وأوردتها تحريات إدارة البحث التابعة لوزارة الداخلية في تقريرها.
لا أدري إن كان هذا الإجراء مألوفًا لدرجة أن مرتكبيها تغافلوا أو أنهم لا يعلموا من الأساس أنه إنتهاك حظرته كل المواثيق والمعاهدات الدولية في شأن الرعاية الصحية للمسجونين، حتى أنه من أساسيات أخلاقيات المهن الطبية المستقرة عليها عالميًا وبالأخص الأطباء، تجريم الإشتراك ولو بالنوايا في تقييد مسجون مريض بالسرير الطبي، في لائحة أداب مهنة الطب في مصر نصًا واضحًا ضمن واجبات الطبيب نحو المريض يجرم هذا الإجراء، فما بالنا أن يتم هذا الإجراء ضد مريض غير محكوم عليه بالسجن وبالمصادفة يعمل هذا المريض طبيبًا ويتم تقييده بالكلابشات في سرير طبي بالمستشفى التي يعمل بها.
سيضيف إلى وزارة الداخلية ويستدعي شكر الجميع وتقديرهم لها عند قيامها بالإعلان عن مساءلة الضابط المخطيء الذي قام بتقييد الطبيب، وكذلك مساءلة المسوؤل عن البيان..والأهم أن تطبيق العدالة حتى على أدوات تنفيذها سيدعم الشعور لدى المواطن بالإنتماء.