د.أحمد حسين يحقق في أوضاع الأطقم الطبية: حكايات حزينة لأطباء وتمريض بمستشفيات العزل: أجساد بائسة في هوامش الحكومة
الطعام والماء والنوم، من الإحتياجات الفسيولوجية التي تحتل القاعدة في”هرم ماسلو”، وفي الدرجة الأعلى مباشرة من الهرم وضع العالم إبرهام ماسلو إحتياجات الأمان الجسدي والوظيفي والأسري والصحي، وطبقًا لنظريته إعتلت قمة الهرم الحاجة إلى تحقيق الذات..ومنذ أيام في لقاء مع الإعلامية منى الشاذلي ( الدولة ووزارة الصحة قامت بواجبها على أكمل وجه، أنا الي شوفته في مستشفى العزل دي شيء يشرف مش بس الوزارة، يشرف مصر ويشرف شخصية المعالج المصري سواء طبيب أو تمريض أو خدمات مساعدة، الناس بتشتغل من قلبها الحقيقة، أنا روحت مستشفى العزل في 15 مايو، مستشفى كويس أوي الحقيقة، بس اللي كان الحقيقة حاجة رهيبة أنا شوفتها هناك، الجزء الإنساني والتعامل بين التمريض والأطباء من أكبر مدير لأصغر عاملة نظافة في المستشفى، قلبهم علينا، ولا تتخيلي يا منى التفاني بتاعهم، الناس مبيروحوش بيوتهم، عاملة نظافة عندها 5 عيال سيباهم مشفتهمش بقالها أسبوعين)، كانت هذه العبارات نصًا من حديث المريض الذي تعافى بعد إصابته من فيروس كورونا، هو نفسه رئيس الإتحاد العالمي للصحة النفسية والطبيب النفسي الشهير بمصر وإنجلترا، تواصلت معه أطمأن على صحته، وخجلًا لم أجَرُؤ التوضيح لدكتور ناصر لوزة الجانب الخَفِيُّ في حياة هولاء الذين لمس تفانيهم وحرصهم على المرضى.
من نفس المستشفى
من مستشفى 15 مايو، يحكي لي مُمثلٌ عن عمال النظافة الذين يتبعون شركة خاصة متعاقدة مع المستشفى، ويؤكد لي أنهم أيضًا اجتمع بهم مسوؤل وزارة الصحة في بداية تجهيز المستشفى للعزل وأكد لهم أنهم ضمن الفئات اللاتي ستحصل على مكأفاة عشرين ألف جنيه مقابل أربعة عشر يومًا بمستشفى العزل، وبعد تنصل وزارة الصحة من هذا الوعد لجميع أعضاء الفريق الطبي ذهب عاملو النظافة لمدير المستشفى الذي تنصل من مسوؤليته عنهم، بعد ذلك وعدّهم مسوؤل شركة النظافة بصرف خمسة الآف تم انتقاصها إلى ثلاثة آلاف ونصف، ثم يضيف لي بنبرة يصعب أن تميّز فيها الإنكسار من الاِستِنكار (الوجبات كلها بتتوزع على المرضى والتمريض والأطباء فيها زجاجة مياه معدنية إلا إحنا بنشرب من مياة الحنفية اللي هي من خزان، ده حتى العصير اللي بتجيبه الناس تبرعات إحنا الوحيدين اللي مش بنشوفه، إحنا برضه بني آدمين يا دكتور)..أما الممرضات بنفس المستشفى فتجمعّن على الشكوى من عدم جاهزية استراحتهن والتي كانت قسمًا للعلاج الطبيعي قبل تخصيص المستشفى للعزل، فتقريبًا 25 ممرضة تتناوبن على دورة مياه واحدة بغرفة مشرفات التمريض، هذا وتصفنَّ الوجبات “متتأكلش” دلالة على سوء الطعام.
من مستشفيات أخرى
عن مستشفى أبو خليفة بالإسماعيلية يكتب لي طبيب: (السكن غير آدمي، كنا 6 أطباء في غرفة واحدة، السرير دورين، لدرجة واحد زميلنا سقط من على السرير، والغرف ضيقة جدًا ولا يوجد بها تلفزيون، والمياه كانت تنقطع بصفة مستمرة، بس كانوا بيوزعوا علينا زجاجة مياه معدنية لتر ونصف في اليوم، الأكل كان مقبول)، أما في مستشفى ملوي بالمنيا يقول لي طبيب (السكن هنا معقول، الأكل كان سيء في البداية لكن من يومين ابتدأ يتحسن لما شغلو المطعم في المستشفى، إحنا بنشتري المياه من خارج المستشفى على حسابنا الشخصي)، وتؤكد لي طبيبة بمستشفى النجيلة بمطروح أن طعام المستشفى سيء وتقوم بشراء وجباتها على حسابها الشخصي، وفي مستشفى الشيخ زايد آل نهيان بالقاهرة يشكو لي طبيب من عدم وجود “كاتيل” ولا ثلاجة ولا تليفزيون ولا سخان بإستراحة الأطباء.
الخروج ليس كالدخول
فوصول الفريق الطبي لمستشفيات العزل كان بواسطة وسيلة مواصلات جماعية وفرّتها لهم وزارة الصحة، أما عن العودة منها بعد إنتهاء اسبوعي عملهم بالمستشفى، فتقول طبيبة ويؤكد قولها طبيب آخر ممن عملوا بمستشفى أبو خليفة بالإسماعيلية، أن الفريق الطبي عند طلبهم توفير وسيلة مواصلات للعودة أجابتهم الإدارة “ربنا معاكم” واستقلوا أكثر من وسيلة مواصلات للعودة إلى موطنهم، ومن مستشفى ملوي العام بعد أن قامت وزارة الصحة بإحضار الفريق الطبي من القاهرة بوسيلة مواصلات جماعية يوم 4 أبريل الجاري، تجاهل المسوؤلون بالوزارة و مديرية الصحة بالمنيا طلبهم توفير وسيلة مواصلات للعودة السبت القادم 18 أبريل.
الجميع يتشارك الْهَمُّ
الْحُزْنُ والقَلَقُ من الشكوى الأخطر، يعيشها الجميع من العاملين بمستشفيات العزل، وهي رفض وزارة الصحة تسليمهم نتيجة تحليل عيناتهم مكتوبة ومستند رسمي بها، منهم من تأكد إيجابية تحليل عيناتهم والتي أُخطروا بها شفاهيةً، مصابون ومحجوزون بالعزل بنفس المستشفيات التي عملوا بها معالجين للمرضى، طلبهم بإستلام مستند يثبت إصابتهم أثناء فترة العمل بالمستشفى قُوبل بالرفض القاطع..هذا الإصرار على رفض تسليمهم مستند يُثبت إصابتهم والتحذير للمصابين من الطاقم الطبي بكل مستشفى من إعلان أعدادهم، عندما تربطه بتصريح وزيرة الصحة كون 12% فقط من مصابي الفرق الطبية كانت إصابتهم من داخل المستشفيات، فهل مع هذا الربط، تستنكر على الأطباء شكوكهم المتزايدة نحو سوء نوايا الحكومة إحتساب تلك الإصابات و ما ينتج عنها من مضاعفات أو وفاة إصابات عمل تستحق وقتها التعويض!
وكشفت مصادر بالنقابة عن أنهم بصدد إرسال خطاب رسمي لرئيس الحكومة عن شكاوى وصفتها بالخطيرة من الفريق الطبى فى مستشفى العجمى النموذجى للحجر الصحى بالإسكندرية.
وقالت نقابة الأطباء في بيان لها، السبت، إنه وردت إلى النقابة عدة وقائع إهمال خطيرة مع الفريق الطبي، أحدهم طلبت منه المديرة العمل قبل التأكد من عدم إصابته بكورونا.
شكاوى أخرى مُتشابهة
سبق أن أعلنت وزارة الصحة ومسوؤلوها للأطباء في أكثر من فترة بالتأكيد على صرف مكأفاة قدرها عشرون الف جنيهًا مقابل عمل وإقامة كاملة 14 يومًا بمستشفيات العزل يعقبها نفس المدة حجر منزلي إجباري دون عمل، وبعدها صدرت توجيهات رئيس الجمهورية بصرف مكافآت أخرى، إلا أن وزارة الصحة تُذهل الجميع كالعادة وتتخلى عن التزاماتها فتختزل جميع تلك المكأفات المعلنة إلى 4900 جنيه للمخالط المباشر و2450 جنيه لعضو الفريق الطبي غير المباشر عن مدة زمنية 28 يومًا كاملة نصفها بالمستشفى والأخر بالمنزل.
بالهوامش صامتون قهرًا
المدرسون المساعدون من الهيئات المعاونة لأعضاء هيئة التدريس بكليات الطب، وكذلك الأطباء المقيمين بها، ففضلًا عن ذهاب الكثير منهم إلى مستشفيات العزل سواء بسيف الحياء أو بالتهديد بالخروج من جِنان الجامعات، فأيضًا هولاء طالتهم نفس المشاكل و لكن لا يستطيع المعظم منهم البوح بها علنًا، يكتب إلي منهم في جامعة أسيوط (تم تكليفنا من الأستاذ الدكتور رئيس الجامعة والأستاذ الدكتور أمين عام المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية بالعمل في مستشفى العزل بإسنا محافظة الأقصر في الفترة من 27 مارس حتى 10 أبريل الجاري، وقد أكد لنا قبل السفر د.مصطفى غنيمة، رئيس قطاع الرعاية العلاجية بوزارة الصحة أن كلًا من الأطباء الستة من جامعة أسيوط سيتقاضى عشرين ألف جنيه عن فترة الـ14 يوم المُكلفين بها للعمل في مستشفى إسنا، وقبل مُغادرتنا مستشفى اسنا بعد إنتهاء عملنا أخبرتنا إدارة المستشفى أن المكأفاة المالية عبارة عن 350 جنيه فقط في اليوم بالنسبة للأطباء والتمريض، وعندما أعدنا التواصل مع د.مصطفى غنيمة أنكر وعده السابق وقال حرفيًا: “أنا مقولتش 20 ألف دي مكأفاة من رئاسة الجمهورية ومحدش يقدر يقول لا لرئيس الجمهورية”، وحتى تاريخه لم نتقاضى جنيهًا واحدً)، وشارك بنفس مضمون الشكوى بعدم حصوله على أي مقابل مادي، طبيب من جامعة الأزهر عمل نفس الفترة في مستشفى العجوزة.
للحل وليست إثارة الذعر
لطمأنة الفريق الطبي واستمرار تشجيعهم للعمل أرسلت قبل النشر هذه المشكلات إلى جهات مختلفة لحلها، بدءً من الرئاسة وحتى وزارة الصحة ومرورًا بمجلسي الوزراء والنواب وهيئة الرقابة الإدارية، كما طالبنا أن يُترجم أعضاء مجلس النواب تصريحاتهم الإعلامية ورغباتهم البرلمانية بتعديل القانون 16 لسنة 2018 والخاص بصندوق مصابي وشهداء القوات المسلحة والشرطة، لضم مصابي وشهداء الفريق الطبي في المستشفيات، هذا التعديل الذي لن يستغرق أكثر من ساعات، وهذه المشاكل التي يتطلب حلّها إرادة حقيقية و شفافية في التعامل، بإخراج العاملين بالقطاع الصحي من هوامش الحكومة والعودة بهم إلى درجة الأمان في “هرم ماسلو”، وليس بالتهديد و المراوغة ،نستطيع أن نطمأن في حربنا ضد كورونا.