د. أحمد الخميسي يكتب: من الأمريكان لطالبان .. يا قلبي لا تحزن
دخلت حركة طالبان إلى العاصمة الأفغانية في 15 أغسطس الحالي، وبعبارة أدق استولت طالبان على كابول معلنة سيطرتها على أفغانستان بالكامل بالتزامن مع انسحاب القوات الأمريكية الجزئي المعلن. وبذلك الصدد صرح الكاتب الأفغاني خالد حسيني بقوله :” لقد شهدت أفغانستان قدرا من التقدم خلال السنوات العشرين الماضية”، يقصد سنوات الاحتلال الأمريكي المباشر.
وبذلك يرى حسيني أن وجود الاستعمار كان أفضل لبلاده من حركة رجعية ظلامية مقنعة بالدين، لأن الاستعمار يحقق ، أو حقق بالفعل” قدرا من التقدم”.
وبتلك الرؤية يجسد الروائي الأفغاني مفهوم روجته وأشاعته نخبة مثقفة أيدت وتؤيد التدخل الاستعماري كأنما لتجديد شكل الحكم السياسي، وإدخال الديمقراطية، وعزل الطغاة ! وبداهة فإن الديمقراطية التي تتحدث عنها تلك النخبة هي ديمقراطية معزولة بالكامل عن أي مضمون اجتماعي واقتصادي للديمقراطية، ولا تزيد عن كونها ديكورا لتغطية الهيمنة الاستعمارية وعلاقات الاستغلال.
في كل الأحوال هناك عدة نقاط مبدئية ينبغي التوقف عندها بوضوح، أولها أن مشكلات كل بلد السياسية والاقتصادية هي من صميم شئون البلد المعنى، أيا كانت درجة تخلف ذلك البلد، أو تطوره، وهي مشكلات لا يحلها إلا أصحاب البلد من دون أي تدخل خارجي.
وإذا كان درجة تدهور الوعي والوضع السياسي والمنظمات في أفغانستان قد مكن طالبان من السيطرة ، فإن ذلك لا يمنح مبررا لأي قوة استعمارية للتدخل، لأنه ما من طريق سوى تطور الحركة السياسية الأفغانية إلى حد الإطاحة بطالبان، وما من طريق سوى التفاعل الداخلي الذي يشارك فيه الشعب نحو نظام حكم ديمقراطي بكل المعاني.
وقد سبق أن رأينا الثمار المرة للتدخل ” الديمقراطي ” الخارجي الأمريكي في العراق، وفي ليبيا، وهناك حيثما حلت ” الديمقراطية ” الأمريكية حل معها الخراب والدمار ولا شيء سوى ذلك. بطبيعة الحال لا يسعد أحدا أن تصل طغمة رجعية شرسة مثل طالبان إلى الحكم، لكن ذلك لا يستدعي ولا يبرر المفاضلة بين ” الوجود الاستعماري” ، و” طالبان”.
ويتحدث البعض عن بشاعة طالبان التي تضرب النساء في الشارع وتحط من وضع المرأة على أساس أن ذلك من مظاهر الإرهاب الديني، ولكنهم ينسون تماما الإذلال الأمريكي المنحط للرجال في معتقل أبي غريب، ألم يكن إرهابا ؟! أليس الامداد الأمريكي لاسرائيل بكل الأسلحة لقتل الفلسطينيين إرهابا بشعا؟.
إن المفاضلة بين ” القوى الاستعمارية” الأمريكية أوغيرها، وبين قوى رجعية داخلية مرفوضة أصلا، لسبب بسيط أن معظم القوى الرجعية ومعظم نظم الطغيان قد نشأت وعاشت برعاية أمريكية.
نحن إذن أمام وجهين للارهاب، ولا يمكن المفاضلة بينهما. يمكننا فقط أن نراهن على تطور قدرات الشعب الأفغاني ووعيه لإزاحة كابوس الرجعية الملثمة بالدين.
أما عن آفاق تطور الوضع الحالي فإنها تكاد تؤكد التحالف بين الأمريكان، و طالبان، لنهب ثروات الشعب الأفغاني، بحيث تصبح حركة ” طالبان” وكيلا للاستعمار، تدير البلاد لصالح أمريكا مقابل نصيب محدد من الأرباح.
ثروة الشعب الأفغاني هي موضع الصراع، ومن السخف تصوير الخلاف بين الأمريكيين وطالبان على أنه خلاف بين ” الحضارة والتطور” وبين ” الرجعية والتخلف”، ذلك أن كل الشعارات الأمريكية عن حقوق الإنسان، مثلها مثل كل شعارات طالبان الاسلامية، تخفي جوهرا واحدا : استغلال ثروات أفغانستان وإتاحة الممكن منها لفئة قليلة على حساب الشعب.
لم تكن أمريكا يوما معنية بالشعارات التي ترفعها الدول الأخرى، سواء أكانت تلك الشعارات إسلامية، أم شيوعية، أم ليبرالية، لم تكن القشرة الخارجية الاعلامية للنظم هي ما يشغل أمريكا، المهم هو : إلى أي مدى تسمح تلك النظم لأمريكا باستغلال ثروات البلاد، ولترفع بعد ذلك ما تشاء من شعارات.
ولا يهم أمريكا في أفغانستان أن تدعي طالبان أنها حركة اسلامية، ولا يهم أمريكا أيضا لو أن طالبان حركة إرهابية، المهم أن تقبل طالبان أن تقوم بدور الوكيل، والسمسار، وهو الأفق الوحيد المفتوح للعلاقة بين الأمريكان وطالبان، وآمل أن يتضح ذلك في الشهور القريبة، وأن يصل الطرفان لاتفاقيات بشأن استغلال ثروات أفغانستان التي – على حد تصريح لرود شونوفر- : ” تتربع على بعض أهم المعادن الاستراتيجية في العالم”.
ووفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية فإن القيمة الحقيقية لثروات أفغانستان تقدر بثلاثة تريليون دولار، تتركز خام الحديد، ومناجم الذهب، والرخام، واحتياطي البريليوم، والأحجار الكريمة. وأحيانا تكون الثروة في بلاد شعب فقير نوعا من سوء الحظ، لكن يبقى الأمل في تطور قوى الشعب الأفغاني الديمقراطية والتي تعي أن تحرير بلادها يمر بإزاحة طالبان والأمريكان معا.