د. أحمد الخميسي يكتب عن “أبطال الأمل” العاديين: بطولات يومية بلا فخر ولا ادعاء (كراسات التحالف)
ينظر الكثيرون إلى نيلسون مانديلا، أو نجيب محفوظ، أو ابن رشد، ويستمدون من بطولاتهم النضالية والفكرية الأمل، أمل في الصمود، وأحيانا أمل في الانتصار.
ولقد اعتدنا أن نبحث عن البطولة بين الزعماء والثوار وقادة الفكر، لكننا قلما نرى الأمل في الحياة اليومية البسيطة، حينما تزاول البطولة كعمل يومي لا فخر فيه ولا ادعاء على حد قول يوسف إدريس.
في الحياة اليومية سنلقى بطولة الرائد مصطفى عبيد الذي استشهد في الخامس من يناير 2019، وهو يقوم بتفكيك عبوة قنبلة غرزها مجرمون على سطح مسجد “الحق” المجاور لكنيسة “العذراء مريم” بهدف تفجيرها في احتفالات أعياد الميلاد، فافتدى مصطفى عبيد بحياته وحدة الوطن، في صمت، بلا فخر ولا ادعاء، ومنحنا الأمل في أن مصر ستبقى بخير.
الأمل في حياتنا اليومية الاعتيادية سنلقاه عند الطبيبة وسام رمزي أخصائية القلب، التي كانت تركب القطار في رحلتها من أسيوط إلى الإسكندرية في منتصف يناير 2019، وفوجئت بصيحة استغاثة من أم تسأل إن كان بين الركاب طبيب، فتقدمت الدكتورة وسام إليها وحاولت إسعاف الطفل، إلا أن حالته كانت تستلزم علاجا بمستشفى، فطلبت الطبيبة من السائق أن يوقف القطار في أقرب محطة، فرفض وقال لها إن ذلك مستحيل التزاما منه بالتعليمات، لكنها أصرت حتى أوقف القطار في بنها، وهناك كانت تنتظر الطفل سيارة إسعاف حملته إلى المستشفى لتنقذ حياته، وقد كرمتها جهات كثيرة، هذه أيضا مواطنة مصرية بسيطة تمنحنا الأمل في أن بمصر خيرا كثيرا.
في مايو 2016، عرض أحمد فضل مرعي حياته للخطر حين فصل 22 عربة عن قطار بضائع، اشتعل فيه حريق بسبب ما يحمله من وقود، وجنب أحمد مرعي بذلك المدينة كارثة محققة، وإن تعرض لحروق بنسبة 40%، حين تطايرت نحوه كتل النيران المشتعلة من عربات القطار، هذه أيضا بطولة أخرى، وأمل آخر، يبزغ بين بسطاء لا نعرفهم، يزاولون البطولة كعمل يومي، بلا فخر ولا إدعاء.
منذ أيام قليلة، كان المكوجي الشاب سيد طه طلبة يعمل داخل محل في شارع حسان دياب بمنطقة البساتين، حين شاهد بلطجيا معروفا في المنطقة يتحرش بفتاة في الشارع، ويحاول احتضانها قهر أنفها، وهي تصرخ وتستغيث، فهب سيد طلبة لنجدتها، ولم مينعه أن المتحرش بلطجي خطر، فتلقى طلبة عدة طعنات توفي على إثرها، وراحت حياته ليقدم لنا أملا في أن مصر ستبقى بخير، وأن هناك أبطال كثيرون لا نعرفهم.
في صباح الثالث عشر من يناير 2019، يلمع الأمل مع اسم العميد حاتم صفوت الخشتي، مأمور قسم في أسيوط، الذي تلقى في العاشرة صباحا بلاغا باندلاع حريق في إحدى دور الحضانة بمنطقة سيتي المواجهة لجامعة أسيوط، وأن الحريق يحاصر المعلمات و100 طفل لا يستطيعون الخروج من المبنى.
قام العميد باستدعاء المطافيء بسرعة، ثم خرج على الفور بمفرده إلى أول سيارة عند باب القسم من دون أن ينتظر اكتمال قوة القسم معه، واقتحم دار الحضانة المطوقة بألسنة اللهب، وأجلى المعلمات والأطفال حتى آخر طفل، وعلى حد قوله فيما بعد: “مقدرتش أمسك نفسي عن اقتحام النار والدخان طالع وأصوات الأطفال وهم بيصرخوا الحقني”، وبعد أن أجلى الجميع سقط مغشيا عليه بسبب ألسنة اللهب والدخان الذي طوقه ونقل إلى المستشفى، حيث يعالج من الحروق.
هي بطولات يومية لا تتصدر شاشات التلفزيون، ولا يحصد أصحابها جوائز، في هذا السياق يقول يوسف إدريس: “إن المعجزات تتحقق على أيدي البسطاء، وهؤلاء هم الذين سيروى عنهم التاريخ إلى الأبد”، وستبقى مصر بخير ما دامت أرضها تطرح بدون فخر أو ادعاء بطولات: مصطفى عبيد، وسام رمزي، أحمد مرعي، سيد طلبة، حاتم الخشتي، من أولئك نستمد الأمل في كل شيء.
المقال ضمن سلسلة “كراسات التحالف” للأدبيات الإليكترونية الصادرة عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، والتي تحتوي على مقالات أدبية وسياسية بقلم الكاتب الدكتور أحمد الخميسي.
و”كراسات التحالف” هي سلسلة من الأدبيات الإلكترونية، تصدر عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي.
وتحتوي نسخة “كراسات التحالف” الحالية على بروفايلات ورسائل شكر وتقدير لعدد من السياسيين والفاعلين في المجتمع وآخرين فارقوا الحياة بعد نضالهم من أجل حياة أفضل.
وشملت الكراسات بروفايلات عن الشهيدة الراحلة شيماء الصباغ، والتي استشهدت بالقرب من ميدان التحرير في الذكرى الرابعة للثورة عام 2015 أثناء إحياء حزب التحالف الشعبي وقفة بالشموع والورود.
أيضا شملت الكراسة بروفايل عن “طبيب الغلابة” الراحل الدكتور محمد مشالي، وأيضا الدكتورة منى مينا عضو مجلس نقابة الأطباء سابقا لدورها الكبير في مواجهة فيروس كورونا والتوعية بمخاطر العدوى، والدكتور الكبير محمد غنيم.