د. أحمد الخميسي: ذكرى الاتحاد السوفيتي.. سقوط دولة أم انتحار؟                         

في 26 ديسمبر عام 1991 تم إنزال علم الدولة السوفيتية الأحمر من على مبنى الكرملين ورفع بدلا منه علم روسيا.. وبذلك اختفت من على الخريطة السياسية الدولة التي كانت أكبر دولة في العالم من حيث مساحتها التي شكلت سدس مساحة الكرة الأرضية، وشكلت قطبا ثانيا مناوئا بقوة لمركز الرأسمالية العالمية.. فهل كان ذلك سقوطا لمنظومة فكرية واقتصادية أم انتحارا؟ .

سقوط الدول جرى عادة تحت ضغوط خارجية أو حروب، أو ثورة، أما الانتحار فهو اختيار الدولة من نفسها وفي إطار القانون، وهي حالة لم يعرف لها التاريخ مثيلا لكنها تمت في الاتحاد السوفيتي بقرار من القيادة المركزية وبآليات دستورية. 

وبزوال الدولة العظمى تراجع تأثير اليسار العربي والماركسيين الذين طالما تطلعوا إلى النموذج السوفيتي بصفته دليلا على صحة الطريق الذي يدعون الناس إليه، والأكثر من ذلك أن تيارات التحرر القومية قد تراجعت في ظل غياب قوة دولية مؤثرة يمكنها أن تساند حركات التحرر، كما فعل الاتحاد السوفيتي مع عبد الناصر حين أمده بالمصانع والسلاح والخبراء والدعم السياسي في المنظمات الدولية. 

وظلت تهمة العمالة تلاحق ميخائيل جورباتشوف الرئيس الثامن للاتحاد السوفيتي الذي قام بتفكيك الدولة وسلم روسيا إلى بوريس يلتسين الذي اشتهر بأنه مدمن خمور لا أكثر. ولاحقا لم يتعفف جورباتشوف وهو في أمريكا حتى القيام بإعلانات عن البيتزا ! وظلت آثار انتحار الدولة تتوالى على الصعيد العالمي بعد أن أصبحت الساحة مفتوحة بالكامل لأمريكا ومراكز الرأسمالية الأوروبية، لكن التأثير الأخطر لاختفاء النموذج الاشتراكي كان في تراجع دور اليسار العربي وأكاد أقول انحساره، وفي تراجع النظرية التي اعتمد عليها اليسار والشكوك التي أحاطت بها، بحيث أصبحت حركات التحرر والتغيير الاجتماعي أقرب إلى الانتفاضات التي تفتقد البرنامج والمرشد. 

وبهذا الصدد صدر فإن هناك كتابا للناقد المعروف تيري ايجلتون بعنوان” ما بعد النظرية ” ترجمه المترجم البارز ثائر ديب، وفيه يطرح الكاتب الشكوك العميقة بشأن النظريات التي فقدت صلاحياتها، ويتحدث ايجلتون عن ” نهاية العصر الذهبي للنظرية” في الأدب وعلم الاجتماع وأبنية الحكم والرقابة والقمع والتحرر، مما يجدد السؤال الخاص بالدولة المنتحرة : هل كانت الغلطة في النظرية ؟ أم في التطبيق؟ وأين هي؟ وهل يمكن للخط الصيني الذي يزاوج بين قطاع الدولة والقطاع الخاص أن يكون تعديلا جوهريا على النظرية؟ كلها أسئلة سنظل ننتظر الاجابات عنها، الاجابات التي عادة ما تأتي من هناك من الغرب، لكن المؤكد أن يوم 26 ديسمبر من عام 1991 كان يوما محزنا بالنسبة للكثيرين ممن علقوا الآمال على نموذج ناجح يؤكد صحة الفكرة الاشتراكية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *