«خطوتان للخلف».. ورقة لحرية الفكر عن تعيين وزير دولة للإعلام: اختصاصات غائبة.. واستعادة للقبضة المركزية
المؤسسة: حرية الصحافة لن تتحسن بوجوده.. والوزير لم يطرح أي رؤية بشأن قضايا الإعلام وحجب المواقع وحبس الصحفيين
الفكر والتعبير: تعيين الوزير جاء من أجل استعادة القبضة المركزية للسلطة التنفيذية عليها
الجريدة الرسمية لم تنشر حتى الآن القرار الخاص بشأن اختصاصات وزير الدولة للإعلام
كتب – أحمد سلامة
نشرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ورقة بحثية تحت عنوان “خطوتان للخلف” حول تعيين وزير دولة لشئون الإعلام.. وهي الحقيبة الوزارية التي تولاها وزير الإعلام الأسبق، أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار بالبرلمان المصري.
وأكدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن الواقع المتردي لحالة حرية الصحافة والإعلام في مصر لن يتحسن كثيرًا باستحداث منصب (وزير دولة لشؤون الإعلام) وكذلك بيئة العمل الصحفي والإعلامي الخانقة والمقيدة.
وذكرت أن وزير الدولة للإعلام، لم يطرح، حتى الآن، أي رؤى مختلفة بشأن التعامل مع قضايا أساسية مثل حجب المواقع الصحفية والإعلامية، والتي وصل عددها، حسب آخر حصر لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، إلى 124 موقعًا، بالإضافة لمسألة الاحتكارات الواسعة التي يشهدها سوق الإعلام المرئي وسوق الصحافة في السنوات الأخيرة، وظهور كيانات تابعة لأجهزة أمنية استولت على أغلب المنافذ الصحفية والإعلامية تقريبًا، ما تسبب في غياب التعددية وضمانات المنافسة الحرة.. بالإضافة إلى أنه لم يتطرق لقضية الصحفيين المحبوسين البالغ عددهم 13 صحفيا.
وأشارت المؤسسة إلى أن الجريدة الرسمية لم تنشر حتى الآن القرار الخاص بشأن اختصاصات وزير الدولة للإعلام، ما يعني على الأرجح أن هناك إدراكًا لمخالفة هذه الاختصاصات نصوص الدستور المتعلقة بالهيئات المستقلة لتنظيم الإعلام.. فقد أقر الدستور الحالي المعدل في 2014 إلغاء وزارة الإعلام واستبدال بها مجلسًا أعلى لتنظيم الإعلام، وكذا استبدال بالهيئات المسئولة عن الصحافة القومية وإعلام الخدمة العامة هيئات جديدة تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي عن السلطة التنفيذية. وهدف الدستور إلى تحرير الإعلام المملوك للدولة ليكون في خدمة المواطن لا النظام، وألا تكون إدارته مسيسة وموجَّهة حسب رغبات وسياسات النظام الحاكم، وإنما إلى خدمة مموليها من دافعي الضرائب وحقهم في المعرفة وتبادل الأخبار.
وشددت الورقة البحثية على أن تعيين وزير دولة للإعلام يعد بمثابة عملية سياسية لإعادة ترتيب الأوراق، تقوم به السلطة فيما يخص ملف الإعلام، الذي لا يزال أحد أهم الملفات المفتوحة على طاولة الحكم منذ صيف 2013. ويبدو أن الحل الأخير الممكن لإنقاذ ما تسبَّب فيه تورط العديد من الأجهزة، الأمنية منها تحديدًا، في إدارة ملف الإعلام من تراجع في تأثيره، هو استعادة القبضة المركزية للسلطة التنفيذية عليها.
وذكرت الورقة التي أعدها الباحث مصطفى شوقي أن قرار استحداث وزارة دولة لشؤون الإعلام لم يكن مفاجئًا على أي نحو لأي مراقب للمشهد الصحفي والإعلامي المصري خلال الشهور الأخيرة، حيث تعالت مطالبات عدة بضرورة استعادة منصب وزير الإعلام لأسباب تتعلق باستمرار فوضى المشهد الصحفي والإعلامي وعدم قدرة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمعاونة الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام على ضبط تلك الفوضى، حتى يكون حلقة وصل بين البرلمان والحكومة والمجالس والهيئات المعنية بالشأن الصحفي والإعلامي، وقبل كل ذلك القيام بدوره كمتحدث باسم الدولة المصرية وتمثيلها وتمثيل رئيسها في المنصات الإعلامية محليًّا ودوليًّا.
وأشارت المؤسسة في ورقتها إلى أن مجلس الوزراء في اجتماعه الأسبوعي الأربعاء 8 يناير 2020 وافق على السياسة الإعلامية التي عرضها أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، كما وافق مجلس الوزراء، على اختصاصات وزارة الدولة للإعلام، وكلف المستشار القانوني لمجلس الوزراء، بصياغة الاختصاصات تمهيدًا لصدور القرارات التنفيذية لها عن رئيس مجلس الوزراء، حيث اشتملت تلك الاختصاصات على أدوار سياساتية وأخرى تنسيقية، إلا أن القرار الخاص بتلك الاختصاصات لم يُنشر حتى اللحظة بالجريدة الرسمية رغم مرور ما يُقارب ثلاثة أشهر على اعتمادها.
وقالت مؤسسة حرية الفكر والتعبير إنها تواصلت هاتفيًّا مع هيئة المطابع الأميرية المنوط بها نشر أعداد الجريدة الرسمية التي تحمل قرارات رئيس الوزراء إلا أن الهيئة نفت نفيًا تامًّا ورود أية قرارات تحمل رقم 210 لسنة 2020 حتى الثاني عشر من إبريل 2020.
ويؤكد الباحث مصطفى شوقي الذي اعد الدراسة، أن الحاجة إلى عودة وزير الإعلام كانت سياسية أكثر منها تنظيمية، أي البحث عن عقل مركزي يُدبِّر ويُدير المشهد، قادر على خلق التناغم بين المسارات الثلاثة المبعثرة ضعيفة الصلة بعضها ببعض. مسار القوانين واللوائح التنفيذية، مسار إعادة ترسيم السوق ومسار تنظيم المشهد الصحفي والإعلامي الذي تديره الهيئات الثلاث. عقل يضع سياسة إعلامية للدولة، ويُشرف على إعادة التوازن والحيوية إلى سوق الإعلام الخاص بعد عمليات الاحتكار التي عبثت به وجعلته غير قادر على منافسة الإعلام المناهض للدولة وفاقدًا المصداقية والمتابعة. عقل يُعيد الأمور في إدارة ملف الإعلام في مصر إلى نصابها القديم حيث تدار بشكل مركزي تحدد فلسفته وسياساته وتوجهاته السلطة السياسية والتنفيذية الحاكمة.
وتحت عنوان “الوزير الجديد في مواجهة المجلس الأعلى للإعلام” رصد الباحث التغيير في تصريحات رئيس “الأعلى للإعلام” مكرم محمد أحمد في أعقاب تعيين وزير إعلام، حيث صرح في لقاء جمعه مع الإعلامي أحمد موسى بموقفه الغاضب والرافض تجاه كل ما يجري من تغييرات على المشهد الصحفي والإعلامي، مؤكدًا رغبة السلطة التنفيذية في إعادة السيطرة على ملف الإعلام، وتعمُّد تهميش دوره ودور المجلس الأعلى أو حتى أخذ رأيهم فيما يجري من تغيير. واستنكر سحب بعض الاختصاصات من المجلس الأعلى لصالح الوزير الجديد، دون أخذ رأي المجلس. وأكد أنه لا يعلم شيئًا بشأن تشكيل الهيئات الإعلامية الذي تأخر قرابة عام ونصف، وأنه سوف يعلم عندما يُنشر الخبر بالصحف. بل إنه تجاوز ذلك وصرَّح لأول مرة بأن “حرية التعبير في مصر منقوصة” وأنه سبق ومُنِعت له إحدى المقالات من النشر في جريدة الأهرام، وأن ما يحدث اليوم من إدارة فردية وغلبة للصوت الواحد يفوق ما كان يحدث إبان فترة حكم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، في إشارة إلى الدولة الشمولية وإدارة الإعلام بشكل مركزي موجَّه.
وعن اختصاصات وزير الدولة لشئون الإعلام ذكرت الورقة أنه يمكن تقسيمها إلى حزمتين: حزمة الاختصاصات المتعلقة بالمهام السياسية للوزير الجديد، وأخرى تتعلق بالإشراف والتنظيم بما يسمح للوزير بالمساهمة في ضبط المشهد الصحفي والإعلامي.
وأضافت “على سبيل الاختصاصات السياسية يقوم الوزير بالتنسيق مع مختلف الوزارات لطرح وإبراز مجهودات الدولة ومشروعاتها القومية. ويقوم بتمثيل الدولة بالمؤتمرات والمحافل الدولية التي تتطلب وجود ممثل عن الدولة في الإعلام. ويعمل على إعداد خطط التعامل الإعلامي مع المواقف السياسية المختلفة محليًّا ودوليًّا بالتعاون مع الوزارات والأجهزة المختلفة. والتحضير لمؤتمرات رئيس الجمهورية محلييًّا ودوليًّا ومراجعة البيانات التي تصدر عن الحكومة والرئاسة قبل نشرها، إلى آخر تلك الاختصاصات”.
أما الاختصاصات التنفيذية -تقول المؤسسة في ورقتها- فتتعلق باقتراح السياسة الإعلامية للدولة بالتنسيق مع السيد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وتنفيذها بالتنسيق مع الهيئات المنظمة. والإشراف على خطط تطوير أداء وسائل الإعلام المرئية العامة والخاصة بالتعاون مع الهيئات المختصة، والعمل بالتعاون مع الجهات المختصة على تدعيم الإعلام الرسمي للدولة وإعادته إلى المنافسة، وكذلك تدعيم حرية الإعلام الخاص. بالإضافة إلى العمل بالتعاون مع الجهات المختصة على تدعيم وسائل الإعلام الإلكترونية بشكل مهني بما يتماشى مع التطور العالمي في مجال الإعلام. وكذلك الإشراف على مركز التدريب والدراسات الإعلامية للأفارقة، ونقل تبعيته إلى وزارة الدولة للإعلام.
ويضيف الباحث “على هذا النحو، تصطدم اختصاصات الوزير التنفيذية باختصاصات وأهداف المجلس الأعلى. حيث أن هناك مساحة واسعة للتداخل مع عمل المجلس الأعلى للإعلام، الذي يعمل وفق اختصاصات وأهداف وسبل لتحقيق تلك الأهداف نصَّ عليها قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018. وتبعات هذا التداخل هو ما ينتظره كثيرون الأيام القادمة. خاصةً بعد صدور اللائحة التنفيذية لقانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، والتي تأخرت أكثر من عام، حيث تعطي المجلس الأعلى مرونة أكبر في تنفيذ اختصاصاته وتحقيق أهدافه التي رسمها القانون 180 لسنة 2018. فالمجلس الأعلى ظل يعمل باللائحة القديمة لأكثر من عام رغم إلغاء العمل بأحكام القانون المنظمة له رقم 92 لسنة 2016، وهو ما حجَّم من قيامه بأدواره بشكل كبير”.