خالد محمد جوشن يكتب: وأنت ميت ولا عايش؟
اقتربا من الخيمة ، واضاف الرجل :
ولكنى لا استطيع المبيت بدون لحم ، كيف سأتعشى بدون لحم ؟
ضحك زميله البدين ، وعلق دون ان يصافح اسوف :
عليك أن تصدق، لم ينم ليلة واحدة بدون لحم منذ ولدته أمه، يقال أن أمه ولدته وفى فمه قطعة من اللحم، لحم خروف ها.. ها.. وأنا الذى عاشرته كل هذا العمر أستطيع أن أؤكد أنه يأكل نفسه إذا لم يجد ما يأكله فى الليل.. ها.. أحذرك من النوم بجواره إذا بات بدون لحم، ربما زحف نحوك وأكلك.. ها.. ها
تمتم أسوف بسذاجة
يا حفيظ، إلى هذا الحد تحب اللحم؟
قال طويل القامة وهو يطقطق بأسنانه وعيناه تلمعان ببريق غريب :
وهل فى الدنيا ألذ من اللحم؟
كل شيء يبدأ وينتهى باللحم، المرأة أيضا لحم، هل سبق وزقت لحم المرأة؟
هز أسوف رأسه بالنفى، وتألقت عيناه بالقلق، فأضاف الرجل ضاحكا:
انت مسكين اذ انت لم تأكل لحم المرأة، إنه من الذ اللحوم، باستثناء لحم الخرفان باستثناء لحم الودان .. ها .. كل اللحوم لذيذة ، هل تذوقت لحم الذ ؟
صرخ اسوف فى هلع :
لا لا .. انا لم اذق اللحم ، انا لا أكل اللحم .
لا تأكل اللحم ؟ وماذا تفعل بحياتك اذن ؟
تفكر الرجل قليلا ثم قال :
ولكن معك حق ، من لا يأكل اللحم لا بد ان يبتعد عن الناس ، ليس من العبث انك اخترت الحياة فى هذا الخلاء الخالى ، لان من لا يأكل اللحم لا يحيا ، انت لست حيا انت ميت.
تراجع اسوف خطوتين الى الوراء ،وقال وكانه ينوى الهرب :
يقولون انكم اكلتم كل خرفان الدنيا فى الشمال ، هل هذا صحيح ؟
صفحة 19، 20 رواية نزيف الحجر – ابراهيم الكونى
هو رجلا ناهز الخامسة والستين ، بالتحديد يقترب من العام الثامن والستين ، ضخم الجثة ، طويل القامة ورغم طوله البين الا ان جسده السمين بكرشه الضخم يبدوا واضحا للعيان .
تمشى معه فى الشارع فلا يكاد يلمح امرأة ، الا وينزع عنها ملابسها قطعة قطعة فورا فى عقله ، ويتخيل معاشرتها ، ويقول الواحد لو مسكها هيكلها اكل .
.لفت انتباهى ولعه الزائد بالنساء بالنسبة لسنه ، فكان ذلك المدخل لاعرف مأساته:
هو فى الخامسة والخمسين من عمره تقريبا ، طلبت منه زوجته وهى فى (مثل سنه تقريبا )الا يعاشرها جنسيا بعد الان ، وان يدعها للصلاة والعبادة ، وقالت له ان المعاشرة الجنسية صارت عبء ثقيل عليها ولا تتحمله .
وللامانه على حد قولى صاحبى السمين، فالسيدة كانت واضحة تماما معه وقررت له انها لا تمانع فى زواجه باخرى يقضى بها وطره.
ولما كان الجنس ولعه الاساسى ، فقد كاد يجن من الحرمان الذى اصابه على يد أمرأته ، و حاول فعلا الزواج باخرى الا انه لم يكن مندفعا تماما رغم رغبته الملحة دوما ، لان عيناه كانت على امرين :
الاول : مدى ما يتحمله من مصاريف ماليه وهو بخيل ، ولعل ذلك كان دافعا لصديق لنا عندما طالبه يشوف له عروسة دون ان يوفر لها شقة ومهر ، ان قال له مازحا وانت هتدخل بالمجهود يا برنس ؟
فى اشارة الى انه يجب ان يقدم تضحية مالية مناسبة للزواج بامرأة قياسا الى سنه المتقدم .
الثانى: انه كان متخوفا من رد فعل اولاده الكبار المتزوجين عندما يسألونه عن سبب زواجة ، فهو لا يجروء على مصارحتهم بما قالته امهم له .
واستمر الرجل وما زال يعانى من الحرمان الجنسى والذى حوله لمراهق يجن لرؤية اى امرأة .
قابلنى مرة فى مكتبى وباغته بالسؤال كيف حالك يا صاح ؟
قال لى ميت .. انا ميت ، وهل تعتقد ان رجلا مثلى لم يذق الجنس ولم يضاجع امرأة من اكثر من عشر سنوات مازال حيا ؟
كان زميلى فى المكتب يتسمع الحديث بيننا كعادته ويبدى عدم اهتمام ربما تمثيلى ، اشركته فى الحديث ، فقال انتم ادمغتكم فيها صراصير ، فى اشارة الى تفاهة ما نناقشة من امور الجنس من وجهة نظره .
فرد عليه صديقى السمين قائلا ياعم الحاج انت فاهم حاجة ، هو فيه احلى من اكل اللحم ، ولمس اللحم ، ودخول اللحم فى اللحم ، فى اشارة فاضحة الى المعاشرة الجنسية .
فاحمر وجه زميلى خجلا وتركنا وانصرف .
فورا وعقب الحوار وربما اثناءه ، قفز الى عقلى النص السابق فى رواية نزيف الحجر لابراهيم الكونى .
ورحت أفكر فى حال هذا البائس الميت ، فعلا هل يمكن تصور اى قيمة للحياة بدون جنس ؟
وهل يتعارض الجنس والرغبة فيه ، عن اتمام مهامنا وحياتنا العادية ؟
كيف للجسد الفانى ان يخدم العالم وهو لم يخرج من دونيته الارضيه ويلتقى بالعذوبة العلوية مع امرأة عارية فى احضانه من أن لاخر؟
هل الانسان فعلا يكون حى اذا لم يذق لحم المرأة ؟ اننى اعجب لهؤلاء الممتنعين عن الجنس ايا كان دافعهم ولا استطيع ان افهم معنى واحدا للبقاء حيا بدون جنس ما دمت قادرا عليه .
ملحوظات
اولا ابراهيم الكونى
قاص واديب ليبى مشهور احد خمسين روائى عالمى معاصر وفق مجلة لير الفرنسية
ولد بغدامس عـام1948 .أنهـى دراستـه الإبتدائية بغدامس،والإعدادية بسبها،، حـصل على الليسانس ثم الماجستير فـى العلوم الأدبيّة والنقدية من معهـد غوركى لــلأدب العــالمـي بموسكـو..1977
يجيد تسع لغات وكتب ستين كتاب حتى الآن، يقوم عمله الادبي الروائي على عدد من العناصر المحدودة، على عالم الصحراء بما فيه من ندرة وامتداد وقسوة وانفتاح على جوهر الكون والوجود. وتدور معظم رواياته على جوهر العلاقة التي تربط الإنسان بالطبيعة الصحراوية وموجوداتها وعالمها المحكوم بالحتمية والقدر الذي لا يُرد، غير مفهوم العالم عن الرواية وانها عن عالم المدينة ّ.
نشر إنتاجه الأدبي بجريدة فزان الأسبوع الثقافي – طرابلس الغرب– مجلة المرأة– ليبيا الحديثة– الكفاح العربي– – البلاد– لفجرالجديد– الحرية– الميدان– الحقيقة–
( المصدر – موقع المعرفة ) ( وكيبديا )
ثانيا
الودان.. اقدم حيوان فى الصحراء الكبرى ويطلق عليه الموفلون وهو تيس جبلى انقرض فى اوربا فى القرن السابع عشر
ثالثا
نزيف الحجر رواية للكاتب الليبى ابراهيم الكونى – دار التنوير للطباعة والنشر- طبعة ثالثة 1992 ، واحدة من اروع رواياته تمزج الانسان بالطبيعة بالحيوان