خالد محمد جوشن يكتب: أمي
انت يا وله مبتحبنيش، والكره باين فى عينيك .
تلك الكلمة قالتها لي أمي يوما ما، ونصفها الأول على الأقل صحيح، فأنا لم أكن أحبها ولكنى لم أكن أكرهها .
كنت حياديا للغاية فى تعاملاتى مع أمي، خاصة فى العشر سنوات الأخيرة التي سبقت وفاتها .
قبل العشر سنوات الأخيرة لم يكن هناك من أشقائى أحد يعيش معنا فى بلدتنا الصغيرة ويرعى معى أمي وأبي، كان الكل مسافر إلى خارج مصر، وكنت الوحيد وزوجتى من نرعى مصالحهما .
وللحقيقة فإن والدي كان مشغولا دائما بعمله الخاص وحياته، وبالأحرى كان هاربا دائما من أمي التى اعتقد أنه لم يكن بينه وبين أمي جسور للتفاهم.
عاد أشقائي تباعا واحد تلو الآخر وتواجدوا بشكل شبه دائم وأصبحوا بقرب والدي ووالدتي بالأخص، وبدأت أنا أنسحب تدريجيا وكأن هناك هاتف داخلى يدعونى لذلك، ويقول لي دعهم يتحملون مسؤلية والديك التى تحملتها سنوات طوال .
انفجر نبع الحنان لأمى تجاه أشقائي العائدين وخصوصا الأصغر منهم، وبدأت تصرفاتها التى لم تكن تعنينى أصلا، تميل إلى التفرقة بشكل فج للغاية بينى وبين إخوتى، بل وبين أولادي وأولادهم ، فى كل شيىء تقريبا
وأصبحت تصرفاتها المغرقة فى التفريق مثار ملاحظة و أسى، حتى بين اشقائى ولكن على استحياء.
إذا جاء أحدهم للزيارة فى بلدتنا الصغيرة ، فعلينا وزوجتى الذهاب لمنزل والدي لإعداد وليمة تليق بهم، مليئة بكل ما لذ وطاب، وهو أمر لم أعهده اطلاقا عندما نزورهم أنا وزوجتي و أولادي .
بل ربما لا يكون هناك أكل اصلا، فضلا عن المن الدائم الذي أسمعه بأذني والذي يتناهى لي من القريب والبعيد.
ومما يؤسف له أنه كان لزوجة أخي الأصغر دور سيىء للغاية فى تأجيج الفرقة والخلاف بين أمي وبيني، ولا أعلم حتى تاريخة إن كان ذلك بقصد أم لا وإن كنت أرجح أنه بقصد .
ويرجح ذلك القصد، أن أمي كان لديها معلومات دقيقة ولكن مشوهة عن طبيعة المعاملات بينى وبين شقيقى الأصغر، وتميل فى أغلبها إلى التقليل من شأن جهودي وتصوير أنني المستفيد الأكبر منها، بل وربما بشكل غير مشروع .
وهكذا كانت تتسع هوة الخلاف بيني وبين أمي، حتى لم يعد هناك حوار بيننا على الإطلاق، وللأسف فأنا أتحمل جزء كبير من المسؤلية لعدم محاولتي معالجة الأمور أولا بأول، بدل من تراكم الجفاء عام بعد عام.
والعجيب والأكيد أن توثيق العلاقة بين الأم وأبنها الأصغر الذي هو أخي تم تقريبا على أشلائي واستطاع من خلال الكلام المعسول الاستيلاء على أموالها ومصوغاتها.
وانكشف الأمر فجأة ولكن بعد فوات الآوان وأمي تقريبا على فراش الموت وكانت صدمة مريعة لها، وحتى فى هذه الأثناء لم أسع لتوضيح الصورة كاملة، رغم أنها جائتنى على طبق من ذهب بإيديهم لا بيدى .
وانتقلت أمي إلى جوار بارئها ، بعد أن انكشف الأمر لها وعرفت الأمين من غيره ولكن بعد أن سبق السيف العزل، وبعد أن تحطمت تماما العلاقة بيني وبين أمي، ترى هل كرهت أمي؟
فى الحقيقة لم أكرهها، ولكنى للأسف فقدت حبي لها على الأقل فى العشر سنوات الأخيرة لها، فليرحم الله أمي وليغفر لي .