خالد حمزة يكتب: التاريخ.. لاينسى جلاديه
فى شوارع وأزقة ريو.. أشهر مدن البرازيل كان الشاب راؤول يمسك بالكمان وينشد وسط زحمة من البشر كلمات ظل البرازيليون يرددونها حتى يومنا هذا .
كان يقول لهم : أتعرفون يا أصدقائى.. الروس فى الحرب العالمية الثانية . كانت لهم أغنية شهيرة تقول إذا فقد الجندى قدميه فى الحرب، فإنه مازال يستطيع معانقة أحبابه. وإذا فقد ذراعيه فانه يستطيع الرقص معهم. وإذا فقد عينيه فانه يستطيع سماع موسيقى وطنه. وإذا فقد سمعه فانه يستطيع التمتع برؤية أحبابه دون ضجة. وإذا فقد كل جزء من جسده فانه يستطيع أن يستلقى على أرض وطنه الغالية، ولكنه اذا فقد أرض وطنه فماذا باستطاعته أن يفعل ؟!
واستمرت كلمات راؤول ترن فى آذان كل من سمعوه حتى وصلت بمعانيها للشرطة التى قبضت عليه وعلى الفور وجهت إليه تهمة إثارة الناس وقلب نظام الحكم، الذى كان وقتها يطبق سطوته على كل البلاد منذ العام 1964.
قالوا أن راؤول تم حبسه فى زنزانة لايرى منها ضوء نور واحد، وقال أخرون انه قيد التحقيق وسيتم الإفراج عنه قريبا جدا، فلا جريمة ثبتت عليه اللهم الغناء بدون تصريح ! ولكن شائعة سرت فى كل مدن البرازيل التى أصبح راؤول رمزا لها، قالت انه اختار ان يهاجر بملء ارادته لـ أمريكا. وفورا أبرزت الصحف صورة له ولجواز سفره ومرافقيه من أحبابه وأصدقائه وعائلته وهم يودعونه فى المطار وتصريح قصير له يقول : اخترت الهجرة فلم يعد لى مكان فى وطني، بعد ان فقدت كل ذرة حب فيه . ومرت سنون بعد شهور وراؤول يواظب على الكتابة لأسرته وفجأة توقف ذلك كله ليفاجأوا بعودته جثة هامدة لوطنه، واستدعاء من السلطات لاستلامها وحارت أسرته فى أسباب وفاته .
قالوا : أنه أصيب بمرض خطير فى غربته ومات على الفور, انتشرت شائعات بأنه مات هما وكربا، وقال أخرون انه مات فى مشاجرة مع مهاجرين فى أمريكا، ومرت سنون حتى جاء العام 1985 حينما انتفض الشعب كله. وفتحت كل الملفات فى أجهزة المخابرات. وكانت مفاجأة راؤول فالشاب لم يغادر وطنه أبدا بل اقتادوه من المطار ليعذبوه حتى الموت قبل أن يسلموه لعائلته ميتا ؟!! ودون سؤال ولا جواب اللهم الجواب الذى حصلت عائلته عليه أخيرا وبعد زوال الظلم بأن التاريخ لايرحم جلاديه أبدا !