خالد البلشي يكتب: طيف كيمو
منذ يومين يراودني طيفه في كل التفاصيل..
استيقظ من النوم مبكرا على صوت حركة باسل في الشقة، عطسة عادية لكنها تذكرني بمشهد في الليلة الماضية، دخلت متأخرا لأطمئن على باسل وعلي لأجد الشباك مفتوحا أغلقته غاضبا، وأنا أؤنبهم وأؤنب نفسي وقبل أن أخرج تأكدت من إحكام الغطاء حوله، بينما يضحك علي وباسل من تصرفاتي، أعود مرة أخرى لأتأكد من دبيب خطوات باسل صباحا، هل هو بخير، هل أصيب بالبرد، أنادي بكل عزم في محاولة لطمأنة نفسي، يا كيمو عامل ايه يا كيمو .. يأتي صوت باسل أنا كويس يا بابا، كان قد تعود منذ فترة أن أناديه هو وشقيقه كيمو.
يتكرر المشهد بنوع الفلاش باك مرة أخرى محاولا وضع كمال محل باسل وعلي لأحكم الغطاء حوله، لكني أعجز عن أن أمد يدي لاغلاق الشباك أو الاطمئنان عليه، أصبر نفسي بعبارتي الصباحية، صباح الخير يا كيمو فتأتيني ابتسامته التي طالما استقبلني بها في الزيارات فأقوم وقد غمرتني الطمأنينية.
أحاول خوض تفاصيل اليوم .. اكتشفت قبل يومين اثناء جلسة مع الذات أنني أحاول الاختباء خلفها، كل التفاصيل مساحات للاختباء حتى لو رأيتها التزام ودور لا يمكن التراجع أو التخلي عنه، العمل في درب، انتخابات الصحفيين، زيارات الصحف، جميعها دور لابد منه، وجميعها الآن أيضا صارت محاولات اضافية للتشاغل والانشغال، هكذا اختلطت المساحات.
مع المساء استقبل بعض الاصدقاء للتناقش حول تفاصيل اليوم، لكن كمال يفرض نفسه عليا في كل شيء، وأراه جزء من حقه، وأثناء إصراري على توصيل الصديق الأخير خارج المنزل أو للشارع أصيح مناديا على وباسل، عايز حاجة يا كمال وأنا جاي من بره، يفضحني عقلي الباطن، أسارع للهروب مع محمود كامل للخارج، في محاولة للملمة الأمر، يبادرني محمود كفاية لغاية كده، فأصر على توصيله (كده كده أنا خارج هاشتري حاجات لكمال قصدي لعلي وباسل).
اندمج كمال وعلي وباسل في ابن واحد وصار قلبي خفيفا لا يحتمل نصف ساعة تأخير، أو صوت سعال عادي يأتي من آخر غرفة في المنزل، صرت أبًا هشًا.
في الصباح بينما أخرج للتمشية يرافقني كمال في حديث جانبي قديم كنا قد تبادلناه وينصحني ماذا أفعل في تفاصيلي اليومية .. أعود للمنزل ليبادرني أحمد فوزي باتصال تليفوني كمال نازل جلسة بكره، تاني جلسة مشورة، شيء ما ضاغط، وثقل شديد يخيم على جو المنزل، أحاول دفعه لا استطيع، انفرد بنفسي في إحدى الغرف، كنت قد اعددت نفسي أن موعد التجديد الاسبوع القادم، اتشاغل بالحديث مع زملائي واصدقائي عبر الشات، أخبرهم انني مضطر لإعادة ترتيب كل مواعيدي، من حق كمال ان يكون الأول في كل شيء، بينما يسيطر على رأسي هاجس وحيد كيف أمكنني أن ارتب حياتي ومواعيدي أو أن أصيغها، دون أن أضع في اعتباري المفاجآت الخاصة بوضع كمال.
ألوذ بكمال وطيفه مرة أخرى، يأتيني صوته، (كمل زي ما أنت، ما تغيرش اختياراتك) يردف (أنا عامل حسابي أن قدامي فترة.. ما تشغلش بالك بيا، فيه هنا زيي كتيير). لكني في آخر مرة رأيته، لمحت في عينيه رغبة أن يقضي رمضان معنا وأمل ان تقصر المدة قرأتها في عينيه أو هكذا خيل لي، رغم محاولاته لطمأنتي.
أؤنب نفسي .. يا الله لماذا هذا الاستسلام لمثل هذه مشاعر، وما هذا الضعف، وماذا عن أطفال وزوجات وأبناء وأمهات لعشرات الأصدقاء والزملاء والمعارف والمظلومين طالت غيبة بعضهم لأكثر من عامين، ومر عليهم أكثر من رمضان وعيد والعديد من المناسبات وهم في محابسهم، هذا الضعف ليس من حقي بل من حقهم هم، أتذكر اتصال مسائي من زوجة زميل، ورسالة على واتس من زميل آخر وأخرى على ماسينجر كلهن يسألن سؤال واحد هانت ولا لسه؟ هل لدينا موعد قريب مع أحبابنا؟ أسئلة تلتمس إجابات لا أملكها لكنها في الوقت نفسه تبحث عن طمأنينة ومحاولة للتساند على شخص يستطيعون الحديث معه وربما يثقون فيه، بينما تسيطر عليا فكرة واحدة أن كفة العدل ربما “تنعدل” وتصبح أقرب للتوازن قليلا، لو استبدلنا أنا وكمال الأماكن، داخل السجن وخارجه، فحتى لو رأي البعض ذلك استمرارا لاختلال معايير العدالة، فأنا من منظوري أصبحت أراه أكثر قربا للعدل، حتى لو كان المعيار هو أن يدفع كل منا ثمن اختياراته، مهما كان الثمن ظالما.
صباح الخير يا كيمو .. عامل ايه .. ما تقلقش، دي مجرد فضفضة فارغة، أنا مكمل زي ما أنا، مش هابطل أحاول، دا حقك وحق كل اللي زيك.
نهارك سعيد يا رب .. ما تشغلش بالك ويارب تكون بخير يا حبيبي