حصاد العام.. بعد تحوله لـ”عقوبة”.. هل ينهي مشروع قانون “قاضي الحريات” الحبس الاحتياطي المطول؟
المشروع استحدث 14 مادة وأضاف 5 جديدة وحذف أخرى في مشروع لتعديل قانون الإجراءات الجنائي.. ووضع حدا أقصى لمدة الحبس
التعديلات تتضمن ندب “قاضي حريات” للنظر في طلبات أوامر الحبس أو تجديده والتظلمات.. ويمنع الحبس الاحتياطي في قضايا الرأي
قاضي الحريات ينظر الحالات الصحية للمتهمين وطلبات التواصل مع محاميه ومراقبة توافر الاشتراطات في أماكن الحبس
التعديلات المقترحة تلزم قاضي الحريات بإصدار أمر الحبس الاحتياطي مسببا وتمنحه حق الإفراج الفوري عن المحبوس بصفة غير قانونية
منع الحبس الاحتياطي للطفل الذي لم يجاوز ١٥ سنة.. ويجوز لقاضي الحريات إيداعه إحدى دور الملاحظة
لقاضي الحريات مراجعة السجون وأوضاع المسجونين وتحقيق أبسط حقوقهم من علاج أو تطعيمات أو نظر شكاواهم
أعمار ضائعة في خلف شبابيك الزنازين، تنتظر بارقة أمل للخروج إلى النور مجددا، بينما تصطدم بتجديدات مستمرة للحبس الاحتياطي، تجاوز بعضها المدد القانونية، وسط دعوات متزايدة لإيجاد حل جذري لإنهاء هذه المعاناة.
“قاضي الحريات” مقترح قدمه حزب “المحافظين” للمساهمة في ضبط الحبس الاحتياطي، عبر وجود مستشار قضائي للنظر في القضايا المختصة بهذا الشأن، مع وجود العديد من الضمانات لتحقيقات عادلة، وتوفير الرعاية المناسبة في أماكن الاحتجاز، مقدمة تدابير بديلة تتيح المزيد من الحرية للمحبوسين، دون تعارض مع نصوص القانون.
نصوص لحماية الحريات.. وتدابير بديلة
في مارس الماضي، تقدم المهندس أكمل قرطام، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المحافظين، بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 50 لسنة 1950، وقانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996.
وتتضمن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية المقترحة، ندب قاضٍ يسمى قاضي الحريات في محكمة جزئية، للنظر في طلبات أوامر الحبس الاحتياطي أو تجديده، والنظر في التظلم الذي يقدم إليه من المتهم أو وكيلة حال انتهاء مبررات وأسباب الحبس الاحتياطي، والبت في الطلبات التي تقدم إليه بشأن اتخاذ أي من التدابير البديلة للحبس الاحتياطي.
كما يختص قاضي الحريات في المشروع المقدم، بالنظر في الطلبات التي تقدم من المتهم أو وكيلة بشأن الحالة الصحية للمتهم المحبوس احتياطيا، وإصدار القرارات اللازمة لتوقيع الكشف الطبي عليه، لبيان مدى تأثير استكمال الحبس الاحتياطي على حالته الصحية، واتخاذ ما يراه بديلا عن الحبس الاحتياطي.
وتتضمن اختصاصات قاضي الحريات أيضا، النظر في الطلب المقدم من محامي المتهم للتواصل معه في أي وقت، ومراقبة أماكن الحبس الاحتياطي لضمان توافر الشروط اللازمة بها.
كما تنص التعديلات المقدمة، على أن يتم نظر طلب أمر الحبس الاحتياطي أو تجديده في حضور المتهم ومحاميه، ولا يجوز إصدار أمر الحبس الاحتياطي إلا بعد تمكين المتهم أو محاميه من الاطلاع على طلب الحبس ومبرراته الموضحة بالمذكرة المقدمة من الجهة صاحبة الاختصاص.
وتلزم التعديلات المقترحة قاضي الحريات بإصدار أمر الحبس الاحتياطي مسببا، بما يتفق مع الأسباب والمبررات الواردة في قانون الإجراءات الجنائية، كما تخول لكل من علم بوجود محبوس بصفة غير قانونية أو في محل غير مخصص للحبس أن يُخطِر فورا قاضي الحريات بذلك، الذي يتولى بدوره التحقيق في الأمر، وله أن يأمر بالإفراج الفوري عن المحبوس بصفة غير قانونية.
أما قانون الطفل، فتضمنت تعديلات الحزب عليه ألا يحبس احتياطيا الطفل الذي لم يجاوز ١٥ سنة، ويجوز لقاضي الحريات إيداعه إحدى دور الملاحظة مدة لا تزيد عن أسبوع، وتقديمه عند كل طلب، إذا كانت ظروف الدعوى تستدعي التحفظ عليه، ولا تزيد هذه المدة ما لم يأمر قاضى الحريات بمدها، كما تجيز التعديلات تسليم الطفل إلى أحد والديه أو لمن له الولاية عليه للمحافظة عليه وتقديمه عند كل طلب، ويعاقب على الإخلال بهذا الواجب بغرامة لا تجاوز ١٠٠ جنيه.
وأوضح الحزب أن فلسفة هذه التعديلات تضفي مزيدا من الضمانات على الحريات الشخصية، التي كفلها الدستور، وتخضع إجراءات الحبس الاحتياطي لسلسلة من الضمانات بداية من قاضي الحريات وحتى إجراءات تجديد مدة الحبس الاحتياطي، مع وضع سقف لهذه المدة لا يتجاوز ٤٥ يوما.
ضمانات للسجناء.. وفرصة لتفادي “الاحتقان الشعبي”
المادة ١٤٣ من قانون الإجراءات الجنائية نصت على ألا تتعدى بأي حال من الأحوال مدة الحبس الاحتياطي أثناء التحقيق أو التقاضي أو كليهما في حالة الجنح مدة الستة أشهر، وألا تتعدى مدة الحبس الاحتياطي في حالة الجنايات الثمانية عشرة شهرًا، وفي حالة الجنايات المعاقبة بالسجن المؤبد أو الإعدام، فلا تتجاوز مدة الحبس بأي حال من الأحوال مدة السنتين”.
طلعت خليل، الأمين العام لحزب المحافظين، قال إن التعديلات التى أجراها الحزب فى مشروعه الخاص بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، وعلى رأسها قانون الحبس الاحتياطي، جاءت بعد استشعار حالة من الاحتقان فى المجتمع خلال الفترة الأخيرة بسبب التوسع في الحبس الاحتياطي.
وأضاف أن الحبس الاحتياطي تحول إلى عقوبة وليس مجرد إجراء احترازي تتخذه سلطة التحقيق لكى تحافظ على القضية محل التحقيق، واصفا الحبس الاحتياطى بأنه أكبر سالب للحريات ويخلق حالة من السخط والشعور بالظلم.
وأوضح، في تصريحات له: “عدلنا حوالي 19 مادة؛ أدخلنا بعض التعديلات واستحدثنا مواد جديدة، تحديدا استحدثنا حوالي 14 مادة، وأضفنا 5 مواد مكررة على المادة 42 من القانون، كما حذفنا بعض المواد التي نرى ضرورة خلو القانون منها”.
تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان المقدمة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي تحدثت عن حق السجين، كانت أيضا من دوافع إعداد مشروع القانون، بحسب خليل، الذي أكد أن قاضى الحريات متعارف عليه فى القانونين الفرنسى والألماني، ودوره النظر فى طلبات الحبس الاحتياطي، وهو قاض يتم انتدابه فى كل محكمة جزئية ودوره النظر فى طلبات الحبس الاحتياطى فقط، والتى تصدر من النيابة العامة ومن قاضى التحقيقات أو قاضى الموضوع، لضمان تحقيق العدالة.
من اختصاصات قاضى الحريات أيضا ضمان التأكد من سلامة المتهم ومعاملته معاملة آدمية داخل محبسه، وفى حالة تلقيه شكوى من متهم محبوس احتياطيا بعدم تلقيه العلاج أو سوء معاملته ينتقل قاضى الحريات إلى محبس المتهم للتأكد من معاملته بشكل يليق بإنسانيته.
ولقاضي الحريات مطلق الحرية في مراجعة السجون وأوضاع المسجونين وتحقيق أبسط حقوقهم المطلوبة من علاج أو تطعيمات أو نظر الشكاوى الخاصة بهم.
وفى حالة تجديد الحبس الاحتياطي، يحضر المتهم بصحبة المحامي المدافع عنه، لضمان تحقيق العدالة من ناحية ومن ناحية أخرى عدم إفلات أى متهم من العقوبة.
ويختص قاضي الحريات بمراقبة أماكن الحبس الاحتياطي لضمان توافر الشروط في المكان المحبوس فيه المتهم احتياطيا، والنظر في الطلبات المقدمة في شأن الحالة الصحية للمتهم المحبوس احتياطيا وإصدار القرارات اللازمة، والنظر في الطلب المقدم من المحامي للتواصل معه في أي وقت لمناقشته.
ومن التدابير البديلة للحبس الاحتياطي أنه يحق لقاضي الحريات طلب وضع أساور تتبع للمتهم بديلة عن حبسه، من خلال مذكرة يتقدم بها إلى النيابة العامة أو قاضى التحقيقات وهو أمر متبع في كثير من بلدان العالم في حالة القلق من هروب المتهم أو أي أمر يؤثر على سير التحقيقات، وهو التدبير الذي اثار كثير من اللغط حيث اعتبر متابعون الأساور نوع من العقوبة شبيهة بالحبس وتقنين للرقابة على بريء بحكم القانون، مشددين على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
وفقا للأمين العام لـ”المحافظين”، حاول المشروع معالجة الحبس المطول عبر تحديد مسببات الحبس الاحتياطى، ووضع قيود على الحبس الاحتياطي بشكل مطلق، وبناء عليه يجب أن يقدم من يطلب حبس متهم احتياطيا أن يذكر مسببات الحبس، فليس من المعقول حبس شخصا احتياطيا دون سبب، وطالما المتهم له عنوان ثابت فمن الممكن إخلاء سبيله بضمان محل سكنه.
الحبس الاحتياطي الذي تطرق إليه مشروع القانون يتضمن جميع أنواع الجرائم المقدمة سواء من النيابة العامة أو من قاضي التحقيق أو قاضي الموضوع، في الوقت الذي رفض الحزب حبس أصحاب قضايا الرأي، والإفراج عن المحبوسين منهم.
اجتماعات وجلسات حوارية.. وتوافق حزبي وسياسي
الحزب بدأ في سلسلة اجتماعات ونظم 3 جلسات حوارية لمناقشة قانون الإجراءات الجنائية والتعديلات المقترحة لتحقيق العدالة المطلوبة في المحاكمات القضائية، ضمت العديد من الكيانات الحزبية والسياسية والقانونية والشخصيات العامة.
المهندس أكمل قرطام، رئيس الحزب، قال إن التعديلات التي يجريها “المحافظين” حول قانون الإجراءات الجنائية، ليس من أجل الحبس الاحتياطي فقط، ولكن وجود القاضي للحريات ضرورة.
أضاف قرطام، خلال الجلسة الختامية للحزب حول تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، أن قاضي الحريات هو المعني بالحبس الاحتياطي وتجديده والمكان الذي يتم فيه الحبس احتياطيا، حتى نطمئن من عدم انتقاص حقوق السجين.
وتابع: “من شأن وجود قاضي الحريات في الإجراءات الجنائية أنه يجعلك مطمئنا، وذلك يفجر في الشعب طاقات ومهارات في حرية الفكر والتعبير في المجتمع”.
الدكتور عمرو الشوبكى، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أكد أيضا أن مقترح حزب المحافظين بتعيين “قاضي الحريات” ضمن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية جدير بالدعم والاحترام، بالتوازي مع ضرورة المناقشة والاجتهاد لتحديد الأسباب التي قام عليها فكرة الحبس الاحتياطي.
وأوضح الشوبكي، خلال كلمته بالجلسة الختامية لحزب المحافظين حول تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، أننا وجدنا جميع أطياف المجتمع تعترض على فكرة الحبس الاحتياطي، منوها إلى أن المتضررين ليسوا فقط سياسين أو من الاحزاب ولكن نحن نريد أيضاً أن نشتبك مع الأسباب التي كانت وراء فرض الحبس الاحتياطي وذلك منذ عام ٢٠١٢ في الفترة التي كانت هناك تهديدات للدولة المصرية.
محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، شدد خلال كلمته بالجلسة الختامية لحزب المحافظين حول تعديلات القانون، على ضرورة التفكير في كيفية تمرير القانون داخل مجلس النواب حتى نضمن وصوله لجميع الأعضاء، خاصة أنه أصبح مطلبا شعبيا.
وأضاف: “أعلم أن الحكومة لديها النية في النظر إلى هذا القانون، لكن ليس لديها الرؤية في كيفية توزيعه، وهذا جهد مشكور من حزب المحافظين لطرحه هذا التعديل القوي على القانون”.
“الخطر الشديد عندما اتفق الجميع أن الحبس الاحتياطي أصبح عقوبة، وهذا يجب أن يعطينا جرس إنذار لمن يريد أن يكون القادم أفضل لمصر لأن هذا تعدي على حقوق المواطن المصري”، بحسب إيهاب الخولي، عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين، الذي تساءل: “هل بنود الدستور يتم تطبيقها بشكل جيد دون وجود مواد قانونية أخرى؟”.
مدت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي رحب بالمقترح، خلال اجتماع أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، التي أعلنت أيضا تأييدها ودعمها لمشروع القانون الذي تقدم به حزب المحافظين حول تعديلات قانون الإجراءات الجنائية والحبس الاحتياطي، وشدد الزاهد لدرب ، على ضرورة وضع حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي لا تتجاوز ستة أشهر مع ضرورة التأكيد على منع الحبس الاحتياطي في قضايا النشر وإعادة النظر في المواد الخاصة بالحبس الاحتياطي في قوانين الإرهاب، على أن يتواكب ذلك مع تطوير نظام العدالة بما يضمن التأكيد على استقلال القضاء، باعتباره الضمانة الكبرى لصيانة حقوق المواطنين، كجزء من المطالبات بتفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
الأمين العام لـ”المحافظين”، شدد على أن جميع دول العالم تطالب الآن بأهمية الحفاظ على حريات المواطن وهذا يعطي للقانون المقترح قوة، كما أنه من نقاط القوة وجود التفاف من قادة المجتمع و قيادات الأحزاب ومنظمات حقوق الإنسان ومن بعض النواب حول القانون المقترح، فهذا يعد تكتل قوي ومحرك أساسي لكي يرى هذا القانون النور.
واستكمل: “مشاكل مصر لن تحل إلا بالحوار السياسي من القيادات الهامة، وإيمانًا من الحزب بذلك فنحن دعونا الجميع للالتفاف حول قضية هامة تمس كل مواطن مصري، وفي الفترة القادمة سنناقش كيفية مرور هذا القانون خاصة، لأن المناخ الآن يساعد على تمرير مواده”