حسن بربري يكتب: عن قانون التضامن الاجتماعي الموحد.. التقشف للمواطن وحرية الإنفاق للحكومة
“محدش قالكم إحنا فقرا قوي… لا إحنا فقرا قوي”، هكذا تحدث الرئيس السيسي مخاطبًا المصريين في أحد لقاءاته. وفي حقيقة الأمر، وبعد مرور عشر سنوات من السياسات الاقتصادية غير المدروسة، منها ما ثبت فشله، تحملت فيها موازنة الدولة عبء ديون وخدمتها لصالح فئة معينة دون باقي الشعب، وصل معدل الفقر إلى ما يقارب الثلث، حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (35.5%).
يتحمل المواطن عبء تلك السياسات الاقتصادية من خلال خفض الدعم بشكل عام، ليفسح المجال للديون الخارجية والداخلية لالتقاط الجزء الأكبر من موازنة الدولة، التي تمولها أساسًا ضرائب هؤلاء “الفقرا قوي”.
هذا التوجه بلغ ذروته مع مشروع قانون التضامن الاجتماعي الموحد والدعم النقدي الذي تقدمت به الحكومة إلى مجلس النواب، والذي أحاله بدوره إلى لجنة مشتركة من حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعي، ومكتب لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية لمراجعته وإبداء الرأي فيه. واكتفت اللجنة بتعديل وضبط المصطلحات وإجراء تعديلات شكلية.
يتكون القانون من 43 مادة مقسمة على 6 أبواب، يرتكز بالأساس على إلغاء الدعم السلعي وتحويله إلى دعم نقدي. لكن في جوهره، هو عملية تقنين لبرنامج “تكافل وكرامة” الذي استهدف الفئات الأكثر فقرًا أو ما يُطلق عليه الفقر المدقع. ورغم ذلك، كان الدعم السلعي بجانب الدعم النقدي يوفر حماية للفئات الفقيرة من تقلبات أسعار المواد الغذائية الأساسية من خلال بطاقات التموين.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع التضخم، الذي أدى إلى زيادة أسعار السلع الأساسية، تعمل الحكومة على حل مشاكلها على حساب المواطن، بدلًا من زيادة دعمه. يتم تقليص هذا الدعم بإلغاء إحدى دعامتيه: الدعم السلعي المتمثل في بطاقات التموين.
التقلص المستمر للدعم السلعي
شهد الدعم السلعي تقلصًا تدريجيًا خلال السنوات العشر الماضية، بدءًا بفصل دعم الخبز عن باقي السلع الغذائية، مرورًا بحذف ملايين المستفيدين من بطاقات التموين، وتقليل المواد الغذائية المدعومة، وصولًا إلى استبدال الحصص الكمية بتخصيصات نقدية. يتم تخصيص مبلغ شهري لكل أسرة مستفيدة على البطاقة التموينية الذكية، يمكن صرفه على أي من السلع المدعومة، بدلًا من الحصص التقليدية التي كانت تشمل مواد غذائية محدودة.
تزامن هذا مع رفع الدعم غير المباشر عن الطاقة، والتعليم، والصحة، والإسكان، ليكتمل بذلك طوق الفقر حول المواطن.
دعم محدود وشروط مجحفة
رغم أن القانون أضاف فئات جديدة مستحقة للدعم النقدي، مثل أسر المحبوسين، والإناث غير المتزوجات، والمنفصلات، إلا أنه وضع شروطًا مجحفة للحصول على الدعم. كما حدد مخصصات مالية محدودة لصندوق التكافل والكرامة داخل الموازنة العامة، قد لا تكفي لتغطية جميع المستحقين.
المادة (13) من المشروع تنص على أنه في حالة تقدم أعداد كبيرة من المواطنين للحصول على الدعم وتوافر شروط الاستحقاق، تكون الأولوية وفقًا للموارد المتاحة، بحيث يُمنح الدعم بالترتيب التالي: ذوو الإعاقة، المرضى بأمراض مزمنة، المسنون، الأيتام، الأرامل، النساء بلا عائل، ثم الأسر الفقيرة.
هذا النص يعني أن من تتوافر فيهم شروط الاستحقاق قد لا يحصلون على الدعم إذا لم تكن الموارد كافية، مما يترك فئات مستحقة دون أي حماية اجتماعية، بما يتعارض مع مبادئ العدالة الاجتماعية التي نص عليها دستور 2014.
القانون والتضخم
مواد القانون 13، 14، و15 تعالج قيمة الدعم النقدي دون الإشارة إلى آليات تحديدها، أو ربطها بمعدل التضخم وارتفاع الأسعار، مما يجعل المخصصات عرضة للتآكل.
كما تفرض المادة (14) رسمًا قدره 1% من قيمة الدعم مقابل خدمة ميكنة، وتحدد المادة (15) رسومًا لتقديم طلب الحصول على الدعم بقيمة 10 جنيهات تزيد سنويًا بنسبة لا تتجاوز 10%.
غياب الحوار المجتمعي
ورغم أهمية مشروع القانون وتأثيره على حياة ملايين المصريين، لم يُطرح لنقاش مجتمعي واسع يشمل المؤسسات الحزبية والنقابية والمدنية. محاولة الحكومة تمرير القانون دون إتاحة معلومات كافية عن تفاصيله وأبعاده تزيد من صعوبة المعيشة للمواطن وتعمق حالة الغضب الناتجة عن الأزمات الاقتصادية والسياسات التي تثقل كاهله يومًا بعد يوم.