حسن البربري يكتب: من جنى ثمار النمو في مصر؟ بين ثروة المليارديرات وتآكل دخل العمال
سؤال من يجني ثمار النمو الاقتصادي في مصر سؤالا اكثر الحاحا بعد ان بدأت الارقام تكشف ان الواقع يميل لصالح فئة صغيرة بينما تبقى الاغلبية خارج حسابات الازدهار الذي تتحدث عنه المؤشرات الرسمية فالبنوك والتقارير العالمية تتحدث عن ارتفاع في ثروة كبار رجال الاعمال وفي نفس الوقت تتصاعد شكاوى العمال عن عدم تطبيق الحد الادني للأجور وتزداد الاحتجاجات ويتآكل الدخل الحقيقي وتظل معدلات الفقرعند مستويات مرتفعة وهذا التناقض لا يمكن تجاهله خاصة عندما ننظر الى الارقام التي خرجت عن بنك يو بي اس السويسري والتي اشارت الى ان ثروة مليارديرات مصر ارتفعت بنحو 13.9 % لتصل الى 17.2 مليار دولار بينما توقع البنك ان تنتقل ثروات قدرها 6.4 مليار دولار من هؤلاء الى الاجيال الاصغر خلال الخمسة عشر عاما القادمة اي ان تراكم رأس المال سيظل محصورا داخل دائرة محدودة لا يدخلها الا القليل
وعندما نقارن هذه الصورة بما يعيشه المجتمع في القاعدة نجد ان الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء اعلن ان معدل الفقر في مصر في اخر مسح دخل وانفاق قبل سنوات وصل الى 29.7 %وهو ما يعني ان نحو ثلث المصريين تحت خط الفقر والواقع الذي جاء بعد ذلك من موجات تضخم وارتفاع اسعار وتراجع قيمة الدخل الحقيقي يشير الى ان وضع الفقر ازداد سؤاً وان الكثير من الاسر اصبحت على حافة الفقر وتحت حط الفقر وقد لا تسجلها الارقام الجديدة لان المسوح تتأخر لسنوات بينما السوق يتغير كل شهر وكل يوم ولكن تراوحت التقارير ومن ضمنها البنك الدولي ان معدل الفقر اصبح يتراوح بين 32-35% ,وفي ظل هذه الصورة جاءت قرارات رفع الحد الادنى للاجور لتبدو وكأنها محاولة لامتصاص الازمة فقرار رفع الحد الادنى في القطاع الخاص الى 7000 جنيه لم يغير شكل الحياة اليومية لمعظم العاملين لان التضخم كان يتحرك اسرع من اي زيادة في الاجور ولان الكثير من المنشآت لا تطبق الحد الادنى من الاساس خصوصا في القطاع غير الرسمي الذي يضم ما يقرب من نصف سوق العمل تقريبا حسب تقديرات عديدة وبالتالي تصبح الزيادات ورقية اكثر منها واقعية كما ان التوظيف غير المستقر والعمالة غير المنظمة تجعل الدخل الفعلي اقل بكثير من الرقم المعلن ومع هذه الضغوط تصاعدت الاحتجاجات العمالية في عامي 2024 و2025 بشكل ملحوظ في قطاعات الغزل والنسيج والكيماويات والاغذية بالإضافة الي عمال المرافق العامة في شركات المياه والكهرباء وشركات البترول وغيرها وكان اللافت ان محافظات الصعيد الأكثر فقرا التي عادة ما تكون اقل احتجاجا اصبحت الاكثر صوتا في بعض الفترات وهو ما يعكس حجم الاحتقان ويحمل مؤشرا واضحا ان الناس لم تعد قادرة على تحمل الفجوة بين ما ينفقونه وما يحصلون عليه وفي كثير من هذه الاحتجاجات لم يكن العاملون يطلبون رفاهية بل كانوا يطالبون بتطبيق الحد الادني للأجور المقر قانونا و لا ينفذه أصحاب المليارديرات ااقصد اصحب الاعمال او بصرف مستحقات متأخرة او زيادة بسيطة تمكنهم من العيش او تحسين ظروف السلامة التي تجاهلتها العديد من المنشآت
ثم تأتي الموازنة العامة لتكشف عن الاتجاه الذي تسير فيه الدولة فالارقام تشير الى قفزة هائلة في بند الفوائد مقابل ركود او تراجع في البنود المباشرة للمواطن مثل الدعم والاجور والاستثمارات الحكومية التي تحسن الخدمات وهذا يعني ان موارد الدولة تتجه لسداد خدمة الدين اكثر مما تتجه لخدمة المجتمع وبالتالي تصبح السياسات نفسها عاملا اساسيا في تكريس الفجوة بين الاغنياء والفقراء لان الفوائد تذهب لمن يملك المال والبنوك والسندات بينما الفقراء لا يحصلون الا على مزيد من الضغط وارتفاع التكاليف
ويوضح الجدول التالي شكل الانفاق الحكومي في اول اربعة اشهر من سنتين ماليتين متتاليتين
| البند | يوليو – أكتوبر 2024-2025 | يوليو – أكتوبر 2025-2026 | نسبة التغير % |
| أجور | 213 | 197 | -7.51 |
| شراء سلع | 50 | 56 | 12.00 |
| فوائد | 584 | 900 | 54.11 |
| دعم | 220 | 168 | -23.64 |
| مصروفات أخرى | 55 | 51 | -7.27 |
| استثمارات حكومية | 70 | 43 | -38.57 |
| إجمالي المصروفات | 1192 | 1415 | 18.74 |
هذا الجدول يكفي وحده ليشرح لماذا تصبح الفجوة اكبر كل عام فالفوائد ارتفعت من 584 الى 900 مليار جنيه بينما انخفض الدعم وانخفضت الاستثمارات الحكومية وهي العناصر التي يشعر بها المواطن بشكل مباشر وكلما ارتفعت فوائد الديون قلت قدرة الدولة على دعم الخبز او تحسين التعليم او تطوير المستشفيات او تحسين الاجور والتوظيف
في المقابل ترتفع ثروة المليارديرات بنسب تتجاوز 13 % سنويا وهذا يعني ببساطة ان النمو في مصر لا يوزع ثماره على المجتمع بل يذهب اساسا الى الطبقات التي تملك اصولا مالية واقتصادية وبالتالي يزداد الاغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرا ويزداد الوسط هشاشة وكلما ضاق الهامش المعيشي زادت احتمالات الاحتجاج وزاد التوتر الاجتماعي لان الناس تريد فقط ان تعيش حياة عادلة دون ان تتحول الاجور الى ورق ودون ان تنخفض الخدمات العامة المقدمة لهم ودون ان يشعروا ان الدولة تنحاز لصالح من يملك رأس المال على حساب من يملك قوة عمله
وفي النهاية يصبح السؤال الحقيقي لمن يذهب هذا النمو وهل تحولت مصر الى اقتصاد بنمو اعلى لكن بنوعية حياة اسوأ وهل اصبحنا نعيش في دولة تكافئ رأس المال وتعاقب العمل وهل هناك ارادة سياسية لتغيير هذه المعادلة ام ان الاتجاه سيستمر نحو مزيد من تركيز الثروة ومزيد من اتساع الفقر ومزيد من الضغوط على الناس في حياتهم اليومية

