حسن البربري يكتب: رحلة التيه لمشروع قانون المحليات الجديد.. لماذا تتباطأ الدولة في إصداره

رحلة قانون المحليات الجديد أشبه بقافلة تجوب الصحراء منذ عام 2016 بلا نجمة تبدأ بحلم الإصلاح واللامركزية تحمل مشروع قانون كامل يعد بإعادة السلطة للمجالس المحلية ويمنحها الحق في إدارة الموارد والرقابة على المحافظين لكنها قافلة تتعثر على الرمال المتحركة تتخبط بين صخورالمركزية وضغوط السلطة وتظل بلا وجهة واضحة حتى اليو بين أحلام التشريع وواقع التعيين غير قادرة على الوصول إلى شواطئ الانتخابات المحلية التي كان من المفترض أن تمنح المواطنين صوتا حقيقيا في إدارة حياتهم اليومية.

ففي عام 2016 أعلنت الحكومة عن إعداد مشروع قانون جديد لإدارة المحليات ليحل محل القانون القديم رقم 43 لسنة 1979 المشروع كان شاملا لكل مستويات الإدارة المحلية من المحافظات إلى المراكز والمدن والأحياء والقرى وتضمن نظام انتخابي مختلط يجمع بين المقاعد الفردية والقوائم كما منح المجالس المحلية صلاحيات فعلية لإدارة الموارد والرقابة على المحافظين في محاولة لإعادة الحياة السياسية إلى الأرض بعد سنوات من التعيينات المركزية والسيطرة المطلقة على القرار المحلي.

لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن كما كان متوقعا ففي الفترة بين أغسطس وديسمبر 2016 أُجريت مناقشات موسعة في لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان تناولت جميع تفاصيل المشروع من نظام الانتخابات إلى تمثيل المجتمعات العمرانية الجديدة، ومن توزيع المقاعد إلى صلاحيات سحب الثقة من المحافظين واستقلالية الموارد لكن كل هذه المحاولات ظلت حبراعلى ورق ففي يناير 2017 أعلنت اللجنة أنها انتهت من مناقشة جميع مواد مشروع القانون لكن المشروع لم يُرفع إلى الجلسة العامة للموافقة النهائية وظل معلقا متجمد بين أحلام التشريع ومطالب الواقع كما لو أن القافلة توقفت وسط الصحراء بلا دليل يوجهها.

خلال السنوات التالية وحتى عام 2020 لم يحدث أي جديد، القانون الجديد لم يفعل والنظام القانوني المعمول به استمرعلى أساس القانون القديم وهو القانون الذي يترك السلطة الكاملة في يد المحافظين المعينين من المركز دون مجالس محلية منتخبة قادرة على مساءلة الإدارة أو مراقبتها.

أما الأسباب الحقيقية وراء تمسك الدولة بالشكل الحالي للسلطة المحلية  فهي متعددة ومعقدة:

• أولها الرغبة في الاحتفاظ بالسيطرة المركزية على كل مفاصل القرار المحلي بحيث لا تظهر طبقة سياسية محلية مستقلة قد تشكل رقابة أو تحدد أولويات تختلف عن سياسات المركز.

• ثانيها الاعتبارات الأمني حيث ينظر إلى المجالس المحلية المنتخبة على أنها قد تسمح بتسلل تيارات سياسية غيرمرغوبة أو بظهور قوى جديدة على الأرض يصعب مراقبتها وبالتالي المحافظة على التعيينات المركزية يعد أداة للتحكم الأمني والسياسي.

• ثالثها المخاوف من التعقيدات الإدارية والسياسية فالانتخابات المحلية تحتاج إلى إعداد لوجستي وقواعد انتخابية واضحة وقد تخلق صراعات على النفوذ المحلي وهو ما يخشاه النظام لأنه يفضل الحفاظ على الانضباط المركزي على حساب التعددية السياسية.

• رابعها الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية حيث يضمن الشكل الحالي توزيع الموارد والخدمات بطريقة تسمح للمركز بالتحكم المباشر وتجنب أي محليات مستقلة قد تفرض مطالب محلية تتناقض مع أولويات الحكومة أو التخطيط المركزي.اليوم وبعد أكثر من ثماني سنوات اكتفي النظام السياسي بما دعاه المؤتمر الوطني للإصلاح الإداري للادراة المحلية  لكن القافلة لم تتحرك والمواطن مازال بعيدا عن إدارة شئونه اليومية، وتظل المجالس المحلية غير منتخبة والصلاحيات موزعة مركزيا  مما يجعل رحلة قانون المحليات الجديد مثالا على التناقض بين الطموحات التشريعية والنظام الفعلي للسلطة وعلى الفجوة بين النصوص الدستورية والواقع العملي وعن صعوبة تطبيق الحكم المحلي الحقيقي في ظل هيمنة المركز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *