حسن البربري يكتب: تقرير الإسكوا 2025.. التعليم المسبب الأكبر للفقر المتعدد الأبعاد في مصر

غالبًا ما يُختزل الفقر في كونه مسألة دخل محدود أو عجزعن تلبية الحاجات الأساسية اليومية. لكن تقارير التنمية الحديثة، ومنها التقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) لعام 2025، تكشف أن الفقر أعمق بكثير من مجرد ضعف القدرة الشرائية. الفقر المتعدد الأبعاد هو حرمان متشابك من التعليم والصحة والتغذية والسكن والخدمات العامة، وهو ما يجعل تأثيراته أوسع وأكثر خطورة.

التقرير المعنون ” خفض الفقر المتعدد الأبعاد: مهمة لم تُنجز بعد في عدة بلدان عربية” يرسم صورة دقيقة عن واقع مؤلم فبعد عقد كامل من السياسات الاقتصادية والإصلاحات المعلنة، لم يتحقق سوى تقدم محدود في بعض الدول، فيما بقيت أخرى غارقة في مستويات مرتفعة من الحرمان. وبين هذه الدول تبرز مصر، إلى جانب تونس والأردن، كنموذج لبلدان متوسطة الدخل لم تستطع أن تحوّل النمو الاقتصادي إلى تحسين ملموس في مؤشرات العدالة الاجتماعية.

مصر… إنجازات هشة وتحديات متجذرة

بحسب التقرير، مصر سجلت انخفاضًا محدودًا فقط في الفقر المتعدد الأبعاد بين عامي 2011 و2023. ورغم بعض التحسن، إلا أن الوتيرة كانت أبطأ بكثير من المطلوب لمواجهة عمق التحديات

جدول 1: اتجاهات الفقر المتعدد الأبعاد (2011–2023) في مصر وتونس والأردن

 البلدنسبة الفقر 2011نسبة الفقر 2023شدة الفقرالملاحظات
مصر21.8%17.5%~0.18انخفاض محدود
تونس25.4%21.6%~0.18انخفاض محدود
الأردن28.7%26.9%~0.29لم يسجل تحسن يُذكر

التعليم… السبب الأول للفقر

التقرير يضع التعليم في صدارة مسببات الفقر في مصر. ضعف نوعية التعليم والبنية التحتية، خاصة في الريف، جعل الحرمان التعليمي أكبر عقبة أمام كسر دائرة الفقر.

الصحة والتغذية …أزمة صامتة

الصحة والتغذية برزا كمجالين أساسيين للحرمان حيث ارتفاع معدلات سوء التغذية وضعف الخدمات الصحية زاد من هشاشة الأسر المصرية، وكرّس الحرمان كظاهرة متوارثة.

التفاوت بين الريف والحضر

الفقر المتعدد الأبعاد في الريف المصري أعلى بكثير من الحضر، نتيجة نقص الخدمات الأساسية، البنية التحتية، والرعاية الصحية والتعليمية ويوضح الجدول التالي مسببات الفقر في الدول التي ذكرها التقرير

جدول 2: مسببات الفقر المتعدد الأبعاد (مصر، تونس، الأردن)

البلدالتعليمالصحة والتغذيةالسكنالخدماتالأصول
مصرالمسبب الأكبربارز جدًامتوسطمرتفعمتوسط
تونسمهممتوسطمرتفعمرتفعمرتفع
الأردنالعامل الأساسيمتوسطمتوسطمتوسطمتوسط

رسائل الاسكوا لمصر 

التقرير يوجه عدة رسائل لمصر تحديدًا:

  1. إصلاح التعليم أولوية قصوى: لأنه المسبب الأكبر للفقر المتعدد الأبعاد.
  2. الصحة والتغذية: الاستثمار في برامج التغذية والرعاية الصحية الأساسية ضرورة عاجلة.
  3. الحماية الاجتماعية: توسيع نطاق التغطية خاصة للفئات في القطاع غير الرسمي.
  4. تقليص الفجوة بين الريف والحضر: عبر سياسات تستهدف توزيعًا أكثر عدلًا للخدمات.
  5. التنمية الرقمية والبنية التحتية: الاستثمار في الخدمات الرقمية والتعليم الإلكتروني كأداة لتوسيع الفرص.

خاتمة: المهمة لم تُنجز بعد

يكشف تقرير الإسكوا أن مهمة خفض الفقر المتعدد الأبعاد في المنطقة العربية ما زالت غير منجزة. مصر مثال واضح على هذه الحقيقة: رغم انخفاض محدود في المؤشرات، ما زالت التحديات الأساسية على حالها.

الفقر المتعدد الأبعاد لا يقاس فقط بالدخل، بل بما يفتقده الناس من فرص في التعليم، الصحة، التغذية، والخدمات. ومواجهته تتطلب تحولًا جذريًا في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بحيث لا يُقاس النجاح فقط بالنمو الرقمي، بل بمدى انعكاسه على حياة الناس اليومية.

المطلوب اليوم ليس مجرد الاستمرار في نفس السياسات، بل الاعتراف بأن العدالة الاجتماعية يجب أن تكون قلب عملية التنمية. فبدون تعليم جيد، رعاية صحية شاملة، وغذاء متاح، سيظل الفقر في مصر والمنطقة مهمة لم تُنجز بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *