حسن البربري يكتب: بيع الأصول بين التحصين والتسريع.. عقد من القوانين لخدمة الخصخصة

في السنوات العشر الماضية، لم تكتفِ الدولة المصرية برسم سياسات اقتصادية آنية، بل خاضت مسارًا تشريعيًا كاملًا، بدا وكأنه موجّه لهدف واحد لا يحيد تمهيد الطريق لبيع أصول المصريين، عبر شبكة متكاملة من القوانين والتعديلات والوثائق، تحصّن وتسرّع وتُخرج الدولة تدريجيًا من دورها كمالك مباشر للثروة الوطنية.

بداية التحصين: 2014

عام 2014 صدر القانون 32، الذي مثّل لحظة مفصلية. القانون لم يكن سوى درع قانوني لحماية صفقات الخصخصة من أي طعن شعبي أو قضائي. فمنذ تلك اللحظة، لم يعد للمواطن، ولا حتى للجهات الرقابية المستقلة، أي حق في مساءلة عقود بيع أصول الدولة. تم إغلاق باب الرقابة تمامًا، وكأن الدولة تقول: “الأصول ليست شأنكم”.

من الإطار إلى الأداة: 2017 – 2018

في 2017، جاء قانون 144 ليضع الإطار الفني لبيع أملاك الدولة. ثم في 2018 ارتفع السقف أكثر مع قانون الصندوق السيادي (177)، الذي لم يكن مجرد مؤسسة مالية بل أداة قانونية تمكّن السلطة التنفيذية من نقل أصول الدولة إلى كيان مغلق، بعيد عن أعين البرلمان والرقابة العامة، ليُدار ويباع كما يُراد.

وفي العام ذاته، صدر قانون 182 لينظم التعاقدات العامة، لكنه في جوهره أعطى الغطاء القانوني لأي صفقات بيع أو شراء أو شراكات تُبرمها الدولة، بعيدًا عن الشفافية الحقيقية.

إعادة هيكلة للتفكيك: 2020

لم تتوقف الخطوات عند ذلك. ففي 2020 جاء تعديل قانون شركات قطاع الأعمال (185)، ليحوّل الشركات العامة – التي بُنيت بعرق وضرائب أجيال كاملة – إلى كيانات جاهزة للتصفية أو للبيع أو التحويل لشركات مساهمة. بالتوازي، توسعت صلاحيات الصندوق السيادي، فأصبح “المستودع” الذي تُلقى فيه الأصول قبل أن تُطرح على الطاولة.

وثيقة التخارج: 2022

في 2022، لم تعد هناك حاجة إلى التجميل. خرجت الحكومة بوثيقة “سياسة ملكية الدولة”، التي أعلنت صراحة: هذه القطاعات ستبقى، وتلك سنخرج منها. كانت بمثابة إعلان نوايا علني، لكنه في الحقيقة لم يكن سوى إشهار لما كان يُنسج منذ سنوات في صمت.

التسريع والاندفاع: 2025

ثم جاء 2025 ليكشف عن المرحلة الأخيرة: السرعة. قانون 168 ألغى القانون السابق المنظم للتصرف في أملاك الدولة (144 لسنة 2017) ليضع قواعد أكثر مرونة وسرعة للبيع. وقانون 170 أزال القيود التاريخية على أسهم شركات القطاع العام، ليفتح الباب أمام المستثمرين – أيًّا كانت هويتهم – لامتلاك ما كان يومًا ملكًا عامًا.

الجدول الزمني لمسار بيع الأصول

السنةالقانون / الوثيقةالمضمون الأساسي
2014قانون 32 لسنة 2014تحصين عقود الدولة ضد الطعن الشعبي أو القضائي.
2017قانون 144 لسنة 2017قواعد وإجراءات بيع أملاك الدولة الخاصة.
2018قانون 177 لسنة 2018إنشاء الصندوق السيادي كأداة لنقل وإدارة وبيع الأصول.
2018قانون 182 لسنة 2018تنظيم تعاقدات الجهات العامة ومنح غطاء قانوني للصفقات.
2020قانون 185 لسنة 2020تعديل قانون شركات قطاع الأعمال لتسهيل التصفية والبيع.
2020تعديل قانون الصندوق السياديتوسيع صلاحيات البيع والإدارة بعيدًا عن الرقابة.
2022وثيقة ملكية الدولةإعلان رسمي بتخارج الدولة من قطاعات اقتصادية رئيسية.
2023حكم دستورية قانون 32إغلاق باب الطعن نهائيًا على صفقات بيع الأصول.
2025قانون 168 لسنة 2025تسريع إجراءات بيع أملاك الدولة الخاصة.
2025قانون 170 لسنة 2025رفع القيود على بيع أسهم شركات القطاع العام للمستثمرين.

الخلاصة: من يربح؟ ومن يخسر؟

في عشر سنوات، تحوّل مسار التشريع في مصر إلى أداة مكرّسة لخدمة هدف واحد: تحويل الأصول العامة إلى سلعة معروضة للبيع. تحصين ضد الرقابة، تأسيس صندوق مغلق، إعادة هيكلة الشركات العامة، إعلان سياسة التخارج، ثم تسريع وتحرير البيع بلا قيود.

لكن السؤال الجوهري يبقى: من المستفيد الحقيقي؟
هل تحسّن وضع الاقتصاد الكلي؟ هل ارتفعت مستويات المعيشة؟ أم أن النتيجة الحقيقية كانت نقل الثروة الوطنية من يد الشعب إلى يد قلة من المستثمرين المحليين والأجانب، تحت مظلة “الإصلاح” و”التنمية”؟

إن التاريخ سيسجّل أن العقد الماضي كان عقدًا كاملًا من التشريع الموجّه لبيع أصول المصريين. لكن الإجابة عن سؤال: “لصالح من؟ وعلى حساب من؟” لا تزال معلقة، بانتظار حسابٍ لن يرحم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *