حديث الفرص الضائعة (2)| “العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة”.. أسطورة التمويل من خارج الميزانية ولعبة استغلال الموارد
د. مصطفى كامل السيد: مشروع العاصمة قائم على الشراكة بين جهات تابعة للدولة وبالتالي تستخدم موارد عامة تمثل جزءًا من المال العام
زهدي الشامي: البيان المالي لعام ٢٠٢١- ٢٠٢٢ كشف أن المدن الجديدة بما فيها العاصمة تلقت ١٠٣.٩ مليار جنيه.. ووزير الاسكان أكد تخصيص ٢٥ مليارا لمشروعات العلمين الجديدة
الميرغني: شركة العاصمة رأسمالها 6 مليارات جنيه وهي أموال عامة بالأساس.. ووزير الإسكان وقع قروضًا باسم “الحكومة” لدعم مشروعات الأبراج والأحياء
د. هويدا عدلي: التعامل مع العاصمة من وجهة نظر المعماريين فقط له عواقب غير محمودة.. والسؤال هو مدى أولويتها في ظل وضع اقتصادي متردي
مصدران بالقطاع الهندسي لـ”درب”: اختيار موقع العاصمة خطأ.. والمدينة ستتحول مستقبلا إلى إحدى ضواحي القاهرة
د. جودة عبدالخالق: خبراء التخطيط يؤكدون أنه لن يمر عشر سنوات إلا وتلتهم القاهرة الكبرى المدينة الجديدة
خبراء يحذرون : الموارد القومية المصرية يتم توجيهها لاستخدامات غير إنتاجية ويتم حجبها عن الاستخدامات المنتجة الأخرى
كتب – أحمد سلامة
“دعا البعضُ- علناً بل وعلى المستوى الرسمى- إلى عاصمة جديدة، حيث استيقظ المصريون ذات صباح عجيب، في منتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين، ليطالعوا- بكل بساطة- خبرًا مُقتضبًا وأمرًا مُقتضبًا بقرار حكومي، بإنشاء عاصمة جديدة لمصر.
وكأنما قد فرغت مصرُ المحروسة من جميع مشاكلها وأزماتها وأوزارها. وكأنما كان هواة التخطيط وأحباب التعمير في انتظار إشارة البدء، فإذا حُمّى البحث تنطلق من عقالها -غرب البلاد وشرقها وفي الوجهين البحري والقبلي- وراء تلك العاصمة المُنقذة. إما كمدينة تنشأ بكرًا، أو كمدينة قائمة تُنقلُ إليها العاصمة. وذلك كحل جذري وتخلصًا من متاعب القاهرة التراكمية وصعوباتها المُثبطة المُحبطة”.
جمال حمدان – شخصية مصر ج3 (فصل بعنوان حماقة العاصمة الجديدة)
منذ منتصف عقد السبعينات، الذي تحدث عنه العالم الكبير جمال حمدان، وإلى الآن لم تنته مشكلات مصر، بل ربما تفاقمت تلك المشكلات وازدادت عقدتها، لكن وبالرغم من ذلك لم ينقطع تفكير “المسئولين”، على اختلافهم، في حلٍ سحري -من وجهة نظرهم- للمشكلات ويضمن لهم “الخلود التاريخي” في بلد اعتاد أن يحفظ تاريخه على الحجر.
“العاصمة الإدارية” شرقًا، والعلمين الجديدة أو “العاصمة الساحلية” غربًا، هما الحلان السحريان اللذان يبدو أن عقل النظام تفتق عنهما، وأفرزهما جهابذة الإدارة المصرية من أجل الخروج الجذري من مشكلات مصر في التعليم والصحة والزراعة والصناعة.
وإن كان ليس معلومًا أو مُحددًا حتى الآن ما هي قدرة “المُدن” على إنهاء مشكلات دولة، خاصة إذا ما كانت هذه المُدن بلا قواعد اقتصادية ترتكز عليها وتنطلق منها، إلا أن النظام الحاكم يُصر على أن العاصمة الجديدة ستكون انطلاقة جديدة لجمهورية جديدة.
وبينما يصر النظام على المضي قُدما في مشروعه “التاريخي” حسبما يرى، يرجح الخبراء أن يكون ذلك المشروع بلا عوائد اقتصادية ذات جدوى، ويرى آخرون أن تلك المشروعات ما هي إلا “مستنقع” للموارد و”مصيدة للديون”.. ومن يدفع الثمن، هم المصريون.
🛑 أخطاء الموقع الاستراتيجي
“درب” تحدثت مع مصدرين بالقطاع الهندسي للوقوف على الموقع الجغرافي للعاصمة الإدارية، وما إذا كان لذلك الموقع دلالة مُعينة، وما هي مميزات وعيوب الاقتراب من القاهرة الكبرى والسويس، حيث تقع العاصمة الإدارية على بُعد نحو 60 كيلومتر من قلب القاهرة و42 كيلومتر من مدينة العاشر من رمضان، و65 كيلو متر من السويس والعين السخنة.
أحد المصدرين قال إن “الغرض الأساسي من العاصمة الإدارية كان الاستفادة من القطاع العقاري في دعم الاقتصاد، عن طريق تقسيم الأراضي وبيعها فتدر دخلا وموارد للدولة، لذلك كان التركيز على الإسكان فقط، ووفقًا لهذا المنطق فإن المشكلة الأولى التي تعترض المشروع هي قُرب العاصمة من القاهرة، تلك مشكلة كبيرة”.
وأوضح المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه “(القاهرة الجديدة) أنشئت في الأساس لكي تكون (مدينة جديدة) لكن لأنها كانت قريبة من القاهرة الكبرى، وملاصقة لها، ولأنها ليس لها موارد اقتصادية مستقلة، فقد ظلت تعتمد على القاهرة الكبرى حتى أصبحت ضاحية من ضواحيها، وبهذا المنطق يمكن أن نتعبر أن هذا ربما يكون مستقبل العاصمة الإدارية، وهو أن تتحول إلى ضاحية من ضواحي القاهرة وليست مدينة مستقلة بذاتها وفقًا للمفاهيم الأكاديمية”.
وأضاف المهندس الاستشاري قائلا “من حيث الموقع الاستراتيجي، فإن مستقبل هذه المدينة سيكون مرهونًا بالقاهرة الكبرى”.. موضحًا “الاختيار تم بالقرب من القاهرة الكبرى لأن الأسعار ستكون مرتفعة على عكس الاتجاه غربًا على سبيل المثال الذي تنخفض فيه الأسعار كلما ابتعدنا عن القاهرة، ذلك يُعزز فكرة (الدولة المركزية) التي حتى في طرحها للمشروعات الجديدة تظل مرتبطة بالعاصمة الحقيقية وبأسعار الأراضي فيها وبتوفير فرص العمل فيها والخدمات والموارد البشرية”.
وحول استفادة العاصمة الإدارية من قناة السويس ومواردها، قال مصدر هندسي آخر، “نعم، من ضمن ما سيق من مبررات لاختيار الموقع الجغرافي للعاصمة، أنها ستقترب من قناة السويس، وحسب هذا فإنه من المنتظر أن تستفيد هذه العاصمة -وفق ما هو مُخطط لها- من حركة الملاحة في القناة ومن هيئة قناة السويس.. لكن ألم يكن من الأولى -إذا كان هذا هو الغرض- أن تقام العاصمة في السويس أو بورسعيد.. الاعتماد على موارد القناة كقاعدة اقتصادية للمدينة الجديدة هي حُجة ضعيفة للغاية، ربما كان هذا الكلام يُمكن أن يختلف في حال إنشاء المحور اللوجيستي لقناة السويس، لكن حتى هذا المشروع توقف تماما”.
وأضاف “هناك مُدن كاملة تقوم على المحاور الاستراتيجية، في السعودية على سبيل المثال هناك مُدن قامت فقط على “خط بترول” ممتد من الخليج إلى البحر المتوسط، هذا الخط توقف الآن لكن المُدن استمرت، لأن هذه المُدن أنشئت على هذه (القاعدة الاقتصادية)، لكن هذا ليس موجودًا في نموذج العاصمة الإدارية”.
أما عن الاستفادة من عملية إدارة الثروة العقارية في العاصمة الإدارية فقال “هذه الثروة إن حققت اليوم المرجو منها -وهذا مجرد افتراض- فإنه سيأتي عليها يومًا تنضب فيه، ببساطة الأراضي هتخلص وهتتحول لمشروعات عقارية نفترض أنها بيعت بالكامل، طيب الناس اللي كانت شغالة هتروح فين؟ هيروحوا للمدينة اللي بعدها؟ طيب واللي ساكنين في المدينة هيشتغلوا إيه؟ شوف.. مفيش مدينة بتقوم بدون قاعدة اقتصادية حقيقية، والقاعدة الاقتصادية تعني إدارة عملية إنتاجية”.
ولفت المصدر إلى أن ما نمر به الآن ليس “المدى القصير” الذي يمكن أن يُحسب على أساسه عوائد العاصمة الإدارية، موضحًا “المدى القصير يبدأ بالتقريب في حدود خمس سنوات.. في هذا المدى ستتحقق بعض العوائد المادية، وهذا هو ما تراهن عليه الحكومة، مع بداية نقل الإدارات الحكومية وتشغيل الجامعات وما إلى ذلك، لكن على المدى البعيد من الصعب بل يكاد يكون من المستحيل أن تحقق هذه العاصمة ما كان مستهدفًا لها، لأنه في النهاية كل الموارد التي قامت عليها العاصمة ستنضب كما ذكرنا”.
في تصريحات سابقة للدكتور جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد ووزير التضامن الأسبق، يقول “العاصمة الإدارية الجديدة من ناحية الموقع على بُعد حوالي 70 كيلو من القاهرة، خبراء التخطيط يؤكدون أنه لن يمر عشر سنوات على الأكثر إلا وتلتهم القاهرة الكبرى هذه المدينة الجديدة وتلتحم بها، طيب إيه النتيجة، النتيجة هي توسع القاهرة بشكل مخيف حتى تقترب من السويس، وهذا عيب واضح”.
ويُردف عبدالخالق ” من المعروف في كل دول العالم الآن أنه في أصول التخطيط العمراني والتوازن أنك لا تستهدف إنشاء مدن كبيرة الحجم ولكن تستهدف مُدنا تستوعب ما بين 250 ألف و 500 ألف مواطن لأن الحديث عن مُدن تستوعب عدة ملايين ذلك يستدعي البدء فورًا في إنشاء بنية أساسية متكاملة مع ما لذلك من استنزاف للموارد، وهذه الطاقة في شكل البنية الأساسية ستظل غير مُستغلة إلى حين انتقال السكان إلى المدينة الجديدة بالكامل.. التوسع مطلوب، لكن هل نتوسع في شكل مُدن عملاقة بهذا الشكل أم نتوسع في شكل مُدن أقل حجما وأكثر انتشارا في المعمور المصري”.
في دراسة تحت عنوان “مقومات نجاح المدن كعواصم قومية” كتب أ.د. محمود أمين علي سليمان أستاذ التخطيط الإقليمي والعمراني بكلية الهندسة جامعة المنوفية، يُرجع الباحث أسباب بناء عاصمة جديدة إلى عدة أسباب منها البحث عن رمز جديد لهوية الدولة، مضيفًا “وقد تعددت الحالات التي قد نقلت العاصمة فيها بسبب بناء نظام سياسي وإداري جديد يعبر عن هوية الدولة ورمز وحدتها”.
ونبه أستاذ التخطيط في النتائج العامة التي خلص إليها، إلى أن فكرة العواصم الجديدة عُمل بها في مصر منذ أزمنة سحيقة حيث أنشئت العواصم الجديدة لتأكيد السيطرة والسيادة، أو أسباب اجتماعية مثل السعي إلى تنمية أقاليم جديدة ذات موارد وإمكانيات جديدة.
ويستكمل الباحث أن التخطيط لإنشاء عواصم جديدة يستدعي ضرورة تحقيق التنوع الاجتماعي لفئات السكان، تحقيق التنوع الاقتصادي للأنشطة الاقتصادية المتضمنة بالقاعدة الاقتصادية وعدم اقتصار دورها على الأنشطة الحكومية والإدارية فقط.
ويشدد الباحث على أنه مساحة العاصمة الإدارية الجديدة تضاعفت مقدار ثلاثة اضعاف عن المتوسط العام للعواصم العالمية وهو ما يبرز مخاوفا وشكوكا حول قدرة مصر كدولة نامية على توفير الاستثمارات اللازمة لتنمية مثل هذه المساحة الكبيرة.
لكن الحكومة -على عكس كلام أستاذ التخطيط العمراني- تؤكد أنها توفر الأموال اللازمة لذلك دون الاعتماد على الميزانية، وأن الدولة لم تتكلف مليمًا واحدًا في هذا الأمر.. فهل هذا صحيح؟
🛑 أسطورة التمويل من خارج الميزانية
في تصريحات حكومية متتالية، يحاول المسئولون ترسيخ فكرة عدم اعتماد العاصمة الإدارية على الدولة، وأن تكاليف إنشائها بالكامل هي من حصيلة تمويل ذاتي نتاج بيع الأراضي، وهو قول ينكره كثير من الخبراء جُملة وتفصيلا.
قبل استقالته بأيام، أدلى اللواء أحمد زكي عابدين رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة، بحديث أكد خلاله عدم تحمل موازنة الدولة تمويل المشروعات الضخمة بالعاصمة.. مضيفًا “لم نأخذ مليما واحدا من موازنة الدولة لمشروعات العاصمة الإدارية، بل بالعكس لدينا فلوس عند ناس خدت أرض ولم تدفع، وحتى الآن نمول الحي الحكومي، ونتحمل تكلفة إنشاء المرافق على حسابنا، وهذا كله من ثمن بيع الأراضي بالمرحلة الأولى”.
عابدين تابع “إحنا بيعنا أراضي كويس أوي، ولذلك لن نطرح أراضي مرة أخرى في الوقت الحالي”، متابعا: “موقف طرح الأراضي بالعاصمة لحين انتقال الرئيس والحكومة للمدينة، وتشغيل القطار الكهربائي، وبالتالي سيشاهد المواطنين العاصمة، وبذلك سيرتفع سعر الأرض، وهذا بيزنس لأننا شركة استثمار عقاري”.
ذات التوجه كان قد ذهب إليه الدكتور مصطفى مدبولي حينما كان وزيرا للإسكان، قبل توليه رئاسة مجلس الوزراء، إذ قال في تصريحات في سبتمبر 2014 إن العاصمة الإدارية الجديدة، لن يتم تمويلها من موازنة الدولة، وأنه سيتم تنفيذها بالمشاركة مع القطاع الخاص، باعتبارها مشروع اقتصادى بحت.
لكن الخبراء يرفضون تلك المزاعم الحكومية، حيث يقول الدكتور والباحث الاقتصادي زهدي الشامي إن “الحكومة وممثلوها زعموا مرارا أن هذه المشروعات لاتكلف الميزانية ولا الدولة أي أعباء، وأنهما تمولان نفسها ذاتيًا من حصيلة بيع الأراضي، وفي ذلك استخفاف واضح بالعقول لاعتبارات عديدة”.
ويوضح الشامي “أولا: لا يجوز الزعم أن حصيلة بيع أراضي الدولة هو مما يقع خارج موازنة الدولة، هذا لا يحدث إلا في مصر.. وهذا انتهاك صريح لمبدأ وحدة الموازنة العامة الذي يقضي بأن أي موارد يجب أن تصب في موازنة الدولة وأي إنفاق يجب أن يخرج منها.. وهكذا حولوا المالية العامة لماليات عديدة منفصلة تلغي إمكانية الشفافية والمراقبة”.
وتابع الشامي “ثانيا: ورغم ذلك، فليس صحيحا أن هذه المدن لا تتلقى أموالا بشكل مباشر من الموازنة العامة بشكلها المشوه المنقوص الحالي.. فكل من العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة تتلقيان مليارات الجنيهات من الموازنة العامة مباشرة وفقا لما هو وارد في البيان المالي، ووفقا لذلك البيان للعام المالي ٢٠٢١- ٢٠٢٢ تلقت المدن الجديدة بما فيها شركة العاصمة الإدارية مبلغ ١٠٣.٩ مليار جنيه مخصصات عن هذا العام، ناهيك عن كل السنوات السابقة.. ووفقا لتصريحات لعصام الجزار وزير الاسكان فقد خصصت الوزارة ٢٥ مليار جنيه لمشروعات العلمين الجديدة في العام الماضى ٢٠٢١ – ٢٠٢٢ “.
ويسترسل الخبير الاقتصادي “ثالثا: من ضمن ما يرتبط بتلك المدينتين وسائل المواصلات وخلافه، ومن ذلك القطار السريع والقطار الكهربائي الخفيف والمونوريل والطريق الدولي الساحلي السريع وخلافه، وهي كلها مشروعات ممولة بمبالغ مالية كبيرة وبقروض بالعملة الصعبة متورطة فيها الدولة بشكل مباشر”.
ويختتم الدكتور زهدي الشامي “رابعا: أن ما يعنينا عموما هو الموارد القومية المصرية التي يتم توجيهها لتلك الاستخدامات غير الإنتاجية، سواء كانت أموال دولة أو قطاع خاص أو أموال وقروض من البنوك المصرية، لأنها يتم حجبها عن الاستخدامات المنتجة الأخرى وتوجه لاستخدامات ترفية وغير منتجة ولا تدخل في التجارة الدولية، بما يعني أن القروض بالعملات الأجنبية يصبح من الصعب سدادها في المستقبل”.
يرى الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية، عضو لجنة الحوار الوطني، أن “ثمة خلط واضح فيما يتعلق بالعاصمة الإدارية الجديدة بين مفهوم أموال الموازنة العامة -التي ينظر لهذا المشروع كمشروع ممول من خارجها- من ناحية، ومفهوم الموارد العامة أو المال العام من ناحية أخرى”، موضحًا أن “مشروع العاصمة الإدارية الجديدة قائم على الشراكة بين جهات تابعة للدولة، وبالتالي فهي في كل الأحوال تستخدم في موارد عامة أو أموال عامة من قبيل الأراضي المخصصة للمشروع التي تمثل جزءاً من المال العام”.
وقال السيد إن “مبدأ وحدة الموازنة، الذي يقتضي ضم كل ما تنفقه الدولة وما تجنيه من إيرادات إلى الموازنة العامة للدولة، يقتضي في المقابل كشف هذه النفقات والإيرادات كلها لأعضاء البرلمان ولكل أفراد الشعب، بما فيها مشروع كمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، خاصة في ظل الجدل حول جدوى الإنفاق عليه كأولوية من أولويات الدولة من عدمه”.
ويقول الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني، إنه تم تأسيس شركة مساهمة لإدارة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة برأسمال يقدر بـ6 مليارات جنيه، وتتولى الشركة تخطيط وإنشاء وتنمية العاصمة الإدارية الجديدة وتجمع الشيخ محمد بن زايد العمراني، ويتكون مجلس إدارة الشركة من 13 عضوا، منهم 3 أعضاء من ممثلي هيئة المجتمعات العمرانية و6 أعضاء من ذوي الخبرة، و4 أعضاء ممثلين عن القوات المسلحة، وتستهدف الشركة عوائد من بيع أراضي الأسبقية الأولى بمشروع العاصمة الإدارية الجديدة 50 مليار جنيه.
ويضيف الميرغني “هكذا تأسست شركة مساهمة خاصة للعاصمة من أموال هي في الأصل أموال عامة سواء هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، أو جهاز أراضي القوات المسلحة أو جهاز مشروعات الخدمة الوطنية. ونوضح أن موازنة وزارة الدفاع والهيئات التابعة لها أصبحت خارج الموازنة العامة وبالتالي خارج رقابة وزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات.كما أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية ومنذ إنشائه عام 1979 وشركاته المختلفة خارج الموازنة من حيث الايرادات والمصروفات.. إضافة إلى ذلك يعمل بالمشروع عدد كبير من الشركات المصرية، وتنقسم إلى الشركات الرئيسية بموقع تنفيذ العاصمة الإدارية الجديدة وهي (أوراسكوم، أولاد حسن علام، بتروجيت، كونكورد، طلعت مصطفى، المقاولين العرب، وادى النيل)، والشركة القابضة للتشييد والتعمير تضم (حسن علام، مصر للأسمنت المسلح، العبد، مختار إبراهيم، ايجيكو)”.
يوضح الميرغني أن حصيلة بيع الأراضي، التي هي مملوكة للدولة بالأساس، ليست المورد الوحيد للعاصمة الإدارية.. حيث يضيف “أما على جانب القروض كوسيلة للتمويل، فقد كانت شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية قد بدأت محادثات مع عدد واسع من البنوك المحلية بغرض الحصول على تمويل بقيمة تصل إلى 20 مليار جنيه، لمقابلة أعمال المرافق والبنية التحتية واستثماراتها المختلفة التي تباشر تنفيذها بالعاصمة الجديدة شرق القاهرة.وقالت مصادر مصرفية إن مسئولين بالشركة عقدوا اجتماعات مع أكثر من بنك، يتصدرها الأهلي ومصر والعربي الإفريقي الدولي والبنك التجاري الدولي، لبحث الآلية المناسبة للحصول على السيولة، حيث يؤكد المسئولين أن حصيلة البنية التحتية للمرحلة الأولى من العاصمة الإدارية تصل إلى 130 مليار جنيه”.
يسترسل الميرغني “كذلك اتفقت وزارة الاسكان مع شركة CSCEC الصينية على تنفيذ منطقة تضم 20 برجا بالعاصمة الادارية باستثمارات 3 مليارات دولار تمول بقرض صيني، تسدد هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة 15% منه، دفعة مقدمة، والـ85% الباقية يتم تمويلها من القرض بفترة سماح مدة الإنشاء، ثم السداد بعد ذلك على 10 سنوات. ووقعت وزارة الاسكان والمجتمعات في أبريل 2019 في العاصمة الصينية بكين، اتفاقية مع البنوك الصينية الممولة لمشروع منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية لصرف 834 مليون دولار الدفعة الأولى من القرض الصيني، وفي أغسطس 2019 وقعت الوزارة مع 8 بنوك صينية اتفاق الحصول على الشريحة الثانية من القرض الخاص بتمويل إنشاء 20 برجا، متعددة الأنشطة والاستخدامات بالعاصمة الإدارية الجديدة.. كيف تمول من خارج الموازنة ووزير الإسكان في الحكومة المصرية هو الذي وقع عقد القرض في الصين؟! وكيف تمول من خارج الموازنة وهيئة المجتمعات العمرانية التابعة للحكومة المصرية تسدد 15% كدفعة مقدمة للقرض وهي هيئة حكومية يخضع بعض نشاطها لرقابة مجلس النواب والجهاز المركزي للمحاسبات ولا نعرف كيف تم تبرير هذه الإجراءات؟!”
في بحث للدكتورة هويدا عدلي أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية اخا عنوان “الأبعاد والإشكاليات الاجتماعية للعاصمة الجديدة” قالت فيه “إن السؤال المطروح هو: ما مدى أولوية ذلك فى ضوء وضع اقتصادى مترد وتحديات تنموية ضخمة، تقتضي العمل في مسارات مختلفة تقوم على فكرة خلق أقطاب متعددة للنمو فى محافظات مصر المختلفة، مما يسحب جزء من الكثافة السكانية من القاهرة ويحد من الهجرة الريفية إلى الحضر، بدلاً من تركيز هذا الكم الهائل من الاستثمارات فى إنشاء العاصمة الجديدة”.. موضحة أن العاصمة ليست مجرد مشروع إنشائي وكتبت “أن بناء عاصمة جديدة ليست مسألة عمرانية وإنشائية بحتة ولكنها قضية اجتماعية واقتصادية وثقافية بالأساس، وأن التعامل معها فقط من وجهات نظر المعماريين لهو أمر جد خطير وله عواقب غير محمودة”.
إذن.. ليست العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة ممولتين ذاتيًا كما يردد المسئولون الحكوميون، وإنما جاء تمويلهما من حصيلة بيع الأراضي التي يفترض رسميًا أنها تتبع الموازنة العامة للدولة.. كذلك يتم تمويلهما بقروض طويلة وقصيرة المدى.
لذلك يظل السؤال مطروحًا.. ماذا لو تم استغلال تلك الموارد في تطوير الصناعة على سبيل المثال؟
هذا ما نجيب عنه في الحلقة القادمة.. للحديث بقية.