جمعة رمضان يكتب: لماذا الأول من مايو / أيار عيد للعمال؟
في الأول من مايو/ أيار من كل عام، يحتفل العالم بعيد العمال، أما لماذا هذا اليوم تحديداً ( 1 مايو) من كل عام عيد للعمال ( Labor day )..فهذا ما ستجيب عنه الاسطر التالية ونعرض فيها لوقائع من تلك الملحمة البطولية التي خاضها الاف العمال الامريكان حيث وقعت أحداثها وتحديدًا في مدينة شيكاغو قبل ١٣٤ عاما، وخلفت المواجهة ١١ ضحية من العمال وعناصر الشرطة فضلاً عن إعدام ٤ عمال آخرين عقب محاكمة صورية افتقدت كل شروط العدالة .
البداية :
تحت شعار : ” ثمان ساعات عمل، ثمان ساعات نوم، ثمان ساعات فراغ للراحة والاستمتاع ” وفي صبيحة الاول من مايو عام ١٨٨٦ نظم مئات آلاف العمال الامريكان ( ٣٥٠ : ٤٠٠ ألف عامل ) اضراباً عن العمل شمل العديد من المدن الامريكية في اكثر من 5 آلاف موقع عمل في عموم امريكا، أبرزها شيكاغو وتورنتو احتجاجاً على ظروف العمل القاسية، مطالبين بالحصول على مستحقاتهم المالية دون تلكوء أو تأخير من قبل أصحاب الاعمال .
مجزرة واعدامات للعمال:
استمر الإضراب أربعة أيام محققًا نجاحاً منقطع النظير تمثل في شلل كامل أربك الحركة والانشطة الاقتصادية تماما، خاصة في شيكاغو وهو ما لم يقبله أصحاب الاعمال، فيما فوض العمال المضربين ممثلين عنهم للاجتماع بعمدة شيكاغو وعرض مطالبهم العادلة، واثناء ذلك فوجئ المجتمعون بعناصر الشرطة تهاجم مقر الاجتماع وتقوم بتفريق العمال بالقوة، قبل أن يتطور الوضع الى اشتباكات بين رجال الشرطة المسلحين والعمال المسالمين، ثم وعلى نحو مفاجئ القى مجهول قنبلة في ساحة الاشتباك أسفرت عن مقتل ١١ شخصًا منهم ٥ من رجال الشرطة والباقين من العمال فضلًا عن إصابة ١٠٠ آخرين، وفي غضون ذلك تعرض العمال لهجوم ضاري شنته الصحف الموالية لأصحاب المصانع .
نجحت الشرطة المسلحة في فض الاضراب بالقوة وألقت القبض علي عدد من القيادات العمالية والعمال المشاركين في الإضراب ووجهت لهم اتهامات عديدة منها تفجير القنبلة .
صدر الحكم علي أربعة من العمال بالاعدام شنقًا، وبالسجن مدد متفاوتة على عشرات آخرين، بعد محاكمات صورية جائرة، افتقدت لأبسط قواعد العدالة، وتم تنفيذ الحكم سريعًا رغم كثرة المناشدات والتظلمات .
رسالة أوجست سبايز :
حين كان الجلاد ينفذ حكم الاعدام علي العمال كانت زوجة “أوجست سبايز ” أحد العمال المحكومين بالاعدام تقرأ خطاباً كتبه زوجها لابنه الصغير جيم : ” ولدي الصغير..عندما تكبر وتصبح شاباً وتحقق أمنية عمري ستعرف أن والدك برئ وستعرف لماذا تم قتله، وأنه مات من أجل قضية عادلة، وستفخر بي بين أصدقائك “.
وقد ظهرت حقيقة الجهة التي ألقت بالقنبلة – لكن بعد فوات الاوان – اذ اعترف أحد عناصر الشرطة لاحقًا بأن من رمى القنبلة كان أحد عناصر الشرطة أنفسهم.
الأول من مايو / أيار
تجاوزت قضية الإضراب وإعدام العمال الأبرياء أسوار أميركا وبلغ صداها عمال العالم، وأحيا المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية ذكراها في العاصمة الفرنسية باريس عام 1889، وتمت الدعوة لمظاهرات دولية لإحياء ذكرى الاضراب عام 1890، وفي العام التالي اعترفت الأممية الاشتراكية في مؤتمرها الثاني بعيد العمال حدثا سنويا، وفي عام 1904 دعا اجتماع مؤتمر الاشتراكية الدولية في أمستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية، وخاصة الاشتراكية منها في جميع أنحاء العالم إلى عدم العمل في الأول من مايو/أيار من كل عام، وتم السعي لجعله يوم إجازة رسمية في عشرات الدول، وفي عام 1955 باركت الكنيسة الكاثوليكية الأول من مايو عيدا للعمال، واعتبرت القديس يوسف بارا أو يوسف النجار شفيعا للعمال والحرفيين، فيما سارت الولايات المتحدة على تقليدها القديم، واعتبرت أول يوم اثنين من شهر سبتمبر من كل عام عيدا للعمل، وكذلك الأمر في كندا.
تمسك الاشتراكيون والشيوعيون والاناركيون الأميركيون بإحياء يوم الأول من مايو/ أيار، وتنظيم مظاهرات ومسيرات في شيكاغو ونيويورك وسياتل وغيرها.
وفي عام 1958 اعتبر الكونجرس الأميركي هذا اليوم، يوم وفاء (لذكرى الاضراب) خاصة بعدما حظى بالتقدير من دول عديدة، وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي، وأعلن الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور الأول من مايو يوم إجازة رسمية، وكانت مناسبة للتعبير في تظاهرات ومسيرات عن مواقف تتعلق بقضايا سياسية واجتماعية، من قبيل مسيرة دعم حقوق العمال الذين لا يحملون وثائق في الولايات المتحدة، ورفض استمرار الحرب في العراق، والاحتجاج على حالة الاقتصاد الأميركي وعدم المساواة الاقتصادية كما حصل في الأول من مايو 2012 عندما تم احتلال ساحة وول ستريت.