جمعة رمضان يكتب: الحديد والصلب .. القلعة الأخيرة والنهاية المحزنة
نداء :
يا عمال مصر فوقوا.. وإن استطعتم حدثوا وعيكم
وقفة :
” إن الروح الذي يبني الانظمة الفلسفية بعقول الفلاسفة، هو نفسه الروح الذي يبني السكك الحديدية بايدي العمال، فليست الفلسفة خارجة عن العالم، كما أن الدماغ – وان لم يكن في المعدة – ليس خارجاً عن الانسان “
كارل ماركس
تخبرنا أدبيات النضال الماركسي أن العمال الصناعيين هم الأعمق وعيًا والأكثر نضالية وقدرة تنظيمية، يسبقون بخطوة أو خطوتين نظرائهم العمال الزراعيين والفلاحين .
يبدو الأمر منطقيًا في التحليل استنادًا إلى الرابطة اللصيقة والمباشرة بين العامل والآلة طوال دورة حياة المنتج لحظة بلحظة، وفي جميع مراحل تصنيعه على عين ومهارة وجهد وعرق صانعيه خلال فترة زمنية وجيزة مقارنة بالوقت الطويل الذي يستغرقه المنتج الزراعي بداية من استنبات البذور والشتل وحتى حصاد المحصول ومن ثم تتشكل الرابطة المباشرة بين العامل الصناعي ومنتجه، ويتعاظم معه إحساسه بدوره في العملية الانتاجية وبالقيمة المضافة التي يخلقها عبر علاقة اقرب للتزاوج بين العامل وآلالة ،، بين العمال والمصنع !
( على سبيل انعاش الذاكرة حري بنا أن نستعيد ذاكرة المواجهات النضالية الاسثنائية التي خاضها الفلاحون المصريون في غمرة مواجهات العام ١٩٩٧ التي رافقت تطبيق قانون تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر في الآراضي الزراعية وما أسفرت عنه تلك المواجهات من سقوط شهداء واعتقالات لمئات الفلاحين والنشطاء اليساريين، غير انه من دواعي الاسف ورغم سخونة الأحداث وتصاعدها حينها هو غياب تضامن الطبقة العاملة مع الفلاحين وقعودها عن الاشتباك مع حدث نضالي استثنائي قلما يتكرر، وهو ما يعزى بالضرورة الى غياب الوعي والرؤية وهشاشة تنظيمية وضعف قيادة سواء في النقابة او مواقع العمل ) .
على مدار العقود الثلاثة الماضية والدولة ماضية في تنفيذ سياسات التكيف وإعادة الهيكلة المملاة عليها من مؤسسات التمويل الدولية وهي السياسات التي أسمتها الحكومات المتعاقبة إصلاحات اقتصادية، بيد أنها في واقع الأمر لم تكن سوى تصفية ممنهجة للقطاع العام الصناعي والتجاري والخدمي وتمكين طبقة الاوليجارش من تلك الأصول العامة المنتجة ،، هجوم الاوليجارش مدعوما من الدولة لم يكن مفاجئا ولا متخفيًا بل كان على عينك يا صاحب البيت وبخطوات مدروسة طبعًا ،، ورغم ذلك كان الضعف والتشرذم هو ديدن الطبقة العمالية، ما ساهم في إغرائها وقبولها بفتات المعاش المبكر، ومكافآت نهاية الخدمة الهزيلة وصولا إلى تلك النهاية المحزنة لإحدى أهم قلاع الصناعة في مصر، الحديد والصلب .
والشاهد أن تردي السياسة وضعف الحياة الحزبية، وغياب الديمقراطية والحريات يرافقه بالضرورة تشتت وهذال في الحركة النقابية العمالية وبالتبعية غياب للقيادات النزيهة المستقلة، دائما النضال في الفراغ دونما مظلة حزبية قائدة ورغبة حقيقية تستهدف الوصول لمراكز صنع القرار، هو قبض ريح والإجهاض المبكر هو النتيجة الحتمية لأي حراك عشوائي مشتت مهما بلغ حجمه، الإنخراط في السياسة من خلال الانتظام في النشاط الحزبي المنظم هو أحد الآليات المهمة للمقاومة وبلورة استراتيجية ناجزة تملك القدرة على الضغط والمفاوضة الرشيدة لتحقيق الاهداف قصيرة وبعيدة المدى، وقبل ذلك وهو الأهم تعزيز وبناء الوعي النضالي وصقله واستدامته .
وهنا يتعين وضع علامات استفهام كثيرة حول إحجام العمال عن الانخراط في السياسة والنشاط الحزبي بشكل فاعل على الرغم من وجود أمانات ومكاتب عمالية في كافة الأحزاب، خاصة اليسارية المنحازة بطبيعتها للطبقة العمالية والتي تضم العديد من النشطاء المتضامنين من أصحاب الخبرات والنضالات والجهود المخلصة .. وهذا بدوره يطرح العديد من الأسئلة، أين تكمن المعضلة؟ هل هي في برامج الأحزاب وخطابها وأمزجة نشطائها أم في وعي العمال؟ أم هو ميراث خطاب نوستالجي عتيق غير محدث ولد اخطاء تراكمت ولا زالت تتراكم لدى الطرفين ؟ أم هي مشكلة قيادة بحسب تروتسكي ؟!
من واقع التجارب العديدة ينبغي التأكيد على انه لا انفصال بين النضال السياسي العام والنضال العمالي المطلبي في ذاته، وهذا مايجب ان يدركه نشطاء النضال السياسي لاثمار الجهود وأن تدركه الطبقة العاملة أيضًا إن أرادت أن تتحرر أو على الأقل أن يكون صوتها مسموع، فلا بديل في الحد الأدنى المتاح عن العمل والمواجهة من داخل كيانات حزبية منظمة وقد باتت تلك الكيانات الحزبية الشرعية وبرغم ضعفها هي الركيزة الوحيدة المتاحة لانطلاقة، وبناء نسق نضالي متوسط المدى على الأقل في ظل سياقات الاستبداد والحصار الراهنة .
ولعل ما دعى إليه الراحل الدكتور سمير أمين وطرحه كخارطة طريق للتغيير تحت شعار “يا شعوب ويا عمال العالم اتحدوا” لهو القراءة الواقعية لتحقيق انطلاقة مستقبلية تعيد الزخم للنضال المثمر القادر على البناء، وإفراز الكوادر والقيادات المخلصة الجسورة القادرة على إنجاز المهام !
من نافلة القول أن الكيان المسمى باتحاد نقابات عمال مصر بتشكيله الأصفر هو الخنجر المسموم الذي غرسته السلطة المعادية في ظهر الطبقة العاملة المصرية .