“جامعات بلا حرية أكاديمية”.. تقرير لـ”حرية الفكر” يرصد 7 سنوات من إلغاء رسائل علمية وتدخلات سياسية ضد أعضاء التدريس والطلاب
عقوبات لـ التطرق لـ”تيران وصنافير” والإخوان و30 يونيو والاختفاء القسري.. وتحذيرات لتجنب الحديث في السياسة وتقليل الظهور الإعلامي
إحالة أستاذ للتحقيق بسبب تقمص السيسي وصباحي.. ووقف آخر لحديثه عن الشعراوي وعمرو خالد وثالث لاتهامه بـ”الإلحاد” ورابع بـ”التشيع”
توصيات بالوقف الفوري للتدخلات في مضمون الرسائل والأبحاث والمحاضرات.. ومنع التفتيش في المواقف السياسية والميول الدينية للأساتاذة
محمود هاشم
رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير واقع حرية التدريس والبحث في الجامعات الحكومية، في تقرير تناول شطب ووقف رسائل علمية وشهادات تخرج لأسباب سياسية، وتدخلات إدارات الجامعات في حرية البحث والتدريس، فضلا عن تدخلات وزارة التعليم العالي في حرية البحث والتدريس، والاعتراضات الأخلاقية وتقييد للحريات الشخصية.
وتناول التقرير الفترة بين عامي 2013 و2019 من واقع الأخبار المنشورة في الصحف والشهادات التي أجريت مع أعضاء في هيئات التدريس، كذلك اعتمد على مقالات الرأي والتقارير والتحقيقات ذات الصلة بحرية البحث العلمي والتدريس.
وتطرق التقرير إلى إلغاء ووقف رسائل ماجستير ودكتوراه لأسباب سياسية، وإحالة لجان مناقشتها إلى التحقيق، في جامعتي الأزهر وقناة السويس، لتناولها موضوعات “التكييف الفقهي للثورات”، و”وصف 30 يونيو بالانقلاب”، و”الديمقراطية بين الفكر والممارسة لدى الإخوان المسلمين والسلفيين: دراسة تحليلية لحزبي الحرية والعدالة والنور، و”الإخوان المسلمون وانتخابات مجلس الشعب المصري 2005″، فضلا عن رفض حوار طالبة في جامعة عين شمس مع عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان جورج إسحاق، بشأن الاختفاء القسري، وأحوال السجون في مصر.
وأشارت “حرية الفكر” إلى أن السلطات المصرية استخدمت عبر أجهزتها المعنية أساليب التهديد والتخويف بحق أعضاء هيئات التدريس والباحثين بالجامعات المصرية إلى أن تحوَّل التدريس إلى عملية تلقين للطلاب دون محاولة تنمية الفكر النقدي والمناقشة والتعبير الحر عن الرأي والفكر.
ومع مرور الوقت أدى هذا المناخ من التضييق إلى ممارسة أعضاء هيئات التدريس والباحثين رقابة ذاتية على أنفسهم، ما يضطرهم في كثير من الأحيان إلى تجنُّب الحديث عن الموضوعات التي قد لا ترضى عنها السلطة، بحسب الدكتورة منى، التي تؤكد أنهم يلجؤون إلى ضرب أمثلة من بلدان أخرى في حالة الحديث عن أحداث سياسية، وهو ما يؤثر على فهم الطلاب بالطبع.
في هذا السياق، أمر رئيس جامعة سوهاج الدكتور نبيل نور الدين، بإحالة الدكتور مرزوق عبد الحكيم العادلي، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة سوهاج، إلى الشؤون القانونية بالجامعة لتناوله أمر أحد الانتخابات الرئاسية من خلال امتحان “فن الإقناع” لطلاب الفرقة الرابعة بقسم الإعلام، شعبة العلاقات العامة.
وكان الأستاذ الجامعي قد طالب الممتحنين تقمص دور المرشحين للرئاسة، عبدالفتاح السيسي وحمدين صباحي، وإقناع الشعب ببرامجهما الانتخابية ورؤيتهما للإصلاح السياسي والاقتصادي.
واعتبرت إدارة الجامعة أن هذا السلوك يعد مخالفة لتعليمات المجلس الأعلى للجامعات ومجلس الجامعة، بعدم إقحام الجامعات في الخلافات السياسية، وعدم التعرض لانتخابات رئاسة الجمهورية بأي شكل من الأشكال.
وأحالت كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية أستاذ مادة هندسة البيئة، الدكتور هيثم عوض، إلى التحقيق بسبب إشارته إلى مصرية جزيرة تيران في سؤال أورده بامتحان مادته.
وقال عميد كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، الدكتور عبد العزيز قنصوة، في تصريحات صحفية، إنه تم تشكيل لجنة عاجلة للتحقيق حول السؤال الذي جاء لطلاب كلية الهندسة قسم الهندسة المدنية، وأكد فيه أستاذ المادة أن جزيرة تيران مصرية.
وفي جامعة دمنهور، تعرض الدكتور أحمد محمود رشوان، الأستاذ بقسم التاريخ بكلية التربية، للوقف عن العمل لمدة 3 أشهر على خلفية إحالته إلى التحقيق بسبب وصفه الشيخ محمد متولي الشعراوي وعمرو خالد، بالدجالين، في كتابه “دراسات في تاريخ العرب المعاصر”، والذي يتم تدريسه للطلاب مؤرخًا عهدي الرئيسين محمد أنور السادات وحسني مبارك.
وقرر الدكتور عبيد صالح، رئيس جامعة دمنهور، إحالة الأستاذ إلى التحقيق الفوري بتهمة سب وقذف الشعراوي وخالد، مؤكدًا أن الجامعة ليست ساحة لتصفية الحسابات السياسية والتعبير عن الرأي الشخصي والتقليل من الآخرين والنيل منهم، خاصة الرموز.
وأدان الدكتور عمرو حمروش أمين سر لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، الواقعة، وقال إنه سيتقدم إلى رئيس مجلس النواب بطلب عاجل لسرعة إصدار قانون تجريم إهانة الرموز الوطنية.
كما طالب وزير التعليم العالي بتشكيل لجنة علمية محايدة لمراجعة الكتب الجامعية بالتنسيق مع أساتذة الجامعات، “لمواجهة تسريب أى أفكار شاذة أو متطرفة إلى الطلاب مما يشكل خطرًا داهمًا على مقومات الأمن القومي المصري”.
وقال الدكتور مصطفى حسين – اسم مستعار – الأستاذ المعار من جامعة القاهرة للعمل بإحدى الجامعات الأمريكية، إنه أثناء فترة تدريسه بجامعة القاهرة تعرَّض لما أسماه “ضغوط معنوية، حيث تلقى تحذيرات ودية شفهية من زملائه بالكلية ينصحونه بمحاولة تقليل ظهوره الإعلامي حتى لا يؤثر ذلك على عمله الأكاديمي، حتى أن بعض الأساتذة أشاروا عليه بمحاولة السفر للعمل بإحدى الجامعات الأجنبية. وبالفعل اضطر حسين إلى السفر للعمل بإحدى الجامعات الأمريكية بسبب هذه الضغوط المستمرة التي كانت تشكل مناخًا “غير مريح” للعمل، بحسب وصفه.
وأضاف حسين: “تكررت تلك النصائح الودية – التي تطورت إلى تحذيرات فيما بعد – مع دكتورة زميلة له، بعد أن تطرق الحديث في محاضرة لها عن الجيش المصري، ما تسبب في توجيه نصائح إلى الزميلة بعدم الحديث عن الجيش في المحاضرات مرة أخرى”.
وتابع: “أحيانًا أثناء المحاضرات يكون من الأفضل شرح المناهج عن طريق إيراد أمثلة من الواقع الذي يعيشه الطلاب لكن ذلك أصبح غير ممكن مع التوجيهات المستمرة بعدم تناول موضوعات تخص السياسة المصرية بأي شكل”.
وواصل: “هذا الأسلوب في التدريس ينعكس على الطلاب، ويظهر في تعاملهم مع المواد التي يَدرسونها باعتبارها (امتحان وشهادة فقط) وهو ما يعد قتل للفكر النقدي لدى الطلاب، كما يعد إهدارًا لإمكانيات أساتذة الجامعات الذين كانوا طوال الوقت جزءا من عملية صناعة القرار في مصر، أما الآن لا وجود إلا للأستاذ المؤيد لوجهة نظر الدولة وسياستها، ومن غير المطروح أن تبدي وجهة نظر ناقدة تجاه السياسات العامة في مصر، وهذا المناخ أدى إلى هجرة علماء وأساتذة كثيرين للعمل في جامعات أجنبية، ما يعد إهدارًا كبيرًا لموارد الجامعات البشرية”.
ورصد التقرير أيضا اعتراض وزير التعليم العالي الأسبق أشرف الشيحي على أحد الأسئلة الواردة بامتحان لطلاب كلية الحقوق لتناولها بيان القائد العام للقوات المسلحة بعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي (بيان 3 يوليو 2013)، أو مخاطبة الوزير بضرورة التوجيه لدى كافة الأقسام العلمية بكليات الجامعات الخاصة والأهلية ومعاهدها ومراكزها البحثية أن يخلو المحتوى العلمي من أي إساءة بالتصريح أو التلميح بشأن المجتمعات أو الدول أو الأفراد في أيٍّ من الدول الصديقة.
وتطرقت الدكتورة منى والى – اسم مستعار – الأستاذ بإحدى كليات جامعة القاهرة، إلى تلقيهم خطابات توجيهية تطلب عدم تناول موضوعات معينة في التدريس أو البحث، أول تلك الخطابات كان منذ عامين، وكان يدعو إلى عدم الحديث عن السياسة بشكل عام في المحاضرات دون تحديد لمفهوم السياسة، والثاني يدعو إلى تجنب تناول “حدود مصر” في الأبحاث أو المحاضرات، تزامنا مع أزمة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية التي أدت إلى انتقال ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة.
لم تتوقف القيود المفروضة على حرية البحث والتدريس في الجامعات المصرية، حكومية وخاصة، عند الحدود السياسية، بل تجاوزتها إلى فرض قيود خاصة بتناول أمور الدين أو الجنس، وكذلك القيود المتعلقة بمراقبة السلوك الشخصي وما يسمى الأعراف والتقاليد الجامعية. تلك القيود لا يمكن اعتبارها نمطًا من أنماط انتهاك حرية البحث والتدريس عن الفترة التي يغطيها التقرير فحسب (2013-2019) بل هي نمط متكرر ومعتاد لسنوات عديدة سابقة على هذه الفترة، بحسب “حرية الفكر والتعبير”.
ففي أغسطس 2016، فوجئ طارق أبو النجا، أستاذ العمارة، بإنهاء الجامعة الألمانية التعاقد معه، وأرجعت تقارير إعلامية الخطوة لاعتراضات لدى إدارة الجامعة وأولياء مور على مضمون مشروعات تخرُّج أشرف عليها، تناولت موضوعات ترتبط بفكرة العري في تاريخ الإنسانية، والألوهية الأنثوية عبر الحضارات.
وفي جامعة الأزهر، تعرض يسري جعفر، الأستاذ بكلية أصول الدين، للوقف عن العمل لمدة 3 أشهر، بقرار من جامعة الأزهر، لاتهامه بالإلحاد ومحاولة إحياء فكر محمد عبده وطه حسين، والهجوم على التيار الإسلامي، ووصفه بالتيار الظلامي، بحسب ما نقلت صحيفة الوطن عن مصادر في مشيخة الأزهر.
في 13 يونيو 2018، أعلنت جامعة الأزهر أيضا وقف أستاذ جامعي عن العمل 3 أشهر، وإحالته إلى التحقيق الإداري على خلفية اتهامه بـ”التشيع”.
وأصدر رئيس جامعة قناة السويس السيد الشرقاوي قرارًا بعزل الدكتورة منى البرنس، المدرس بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب من الوظيفة مع احتفاظها بالمعاش والمكافأة، وذلك بناءً على قرار مجلس التأديب المخول بالتحقيق معها والصادر في 13 مايو 2018، بدعوى “نشر مقاطع وصور على الحسابات الخاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبرتها مسيئة للآداب”.
وفي ختام التقرير، دعت مؤسسة حرية الفكر والتعبير وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات وإدارات الجامعات المصرية، حكومية وخاصة، إلى الالتزام بالوقف الفوري لكافة التدخلات والتوجيهات التي تتعلق بمضمون الرسائل العلمية والأبحاث والدراسات، مع إعطاء الباحثين والأساتذة وطلاب الدراسات العليا الحرية المطلقة في اختيار موضوعاتهم البحثية دون قيود سياسية أو أخلاقية أو دينية.
كما طالبت بتوقف إدارات الجامعات بشكل كامل عن التدخل في حق الأساتذة الجامعيين في تناول ما يرونه من موضوعات بحرية داخل قاعات التدريس والمحاضرات مع إعطائهم الحرية الكاملة في وضع أسئلة الامتحانات وربط عملية التدريس بالواقع الفعلي الذي يعيشه الطلاب في مصر.
وشددت على ضرورة الوقف الفوري لكافة التدخلات والتوجيهات الصادرة عن وزارة التعليم العالي بشأن محتوى المواد العلمية أو البحثية التي يتناولها الأساتذة والباحثين لما يمثله ذلك من انتهاك صارخ للحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات، والتوقف عن إحالة الأساتذة إلى لجان التحقيق والمساءلة الإدارية على خلفية مخالفتهم ما يسمى الأعراف والتقاليد الجامعية مع التوقف عن التدخل في حياة الأساتذة وسلوكهم الشخصي، أو التفتيش في مواقفهم السياسية أو ميولهم الدينية.