تونس إلى أين؟ تحركات أحادية من النهضة والفخاخ لحكومة جديدة وحياد رئاسي.. ووقف جلسات البرلمان بسبب “هتافات ضد الإرهاب” فوق المنصة
محمود هاشم
تصاعدت حدة أزمة الحكم في تونس ، بعد قرار حركة النهضة استكمال مشاورات لتشكيل حكومة جديدة، في الوقت الذي رد رئيس الحكومة الحالي بإعلانه إجراء تعديل على الحكومة قد يمهد لاستبعاد وزراء موالين للحركة، ورفض الرئيس قيس سعيد الدخول في مشاورات للتغيير في ظل تمتع رئيس الوزراء بصلاحياته كاملة، ودخل مجلس النواب على خط الأزمة بتحركات برلمانية لسحب الثقة من رئيسه راشد الغنوشي، واستمرار اعتصام عدد من النواب اعتراضا على استضافة متهمين بالإرهاب تحت القبة.
استهجان حكومي لانتهاك اتفاقات الائتلاف الحاكم.. والرئيس يرفض المشاورات
وقال رئيس الوزراء التونسي إلياس الفخفاخ، إنه سيجري تعديلا على حكومته، ردا على دعوة حركة النهضة التي يتزعمها رئيس البرلمان، بإجراء حوار من أجل تشكيل حكومة جديدة.
وأكد رئيس الحكومة التونسية، أن دعوة حركة النهضة إلى تشكيل حكومة جديدة، تعتبر انتهاكا صارخا للعقد السياسي الذي يجمعها مع مكونات الائتلاف الحكومي.
وشدد الفخفاخ على أن دعوة حركة النهضة تشكل استخفافا بالاستقرار الحيوي لمؤسسات الدولة وباقتصاد البلاد المنهك، مشيرا إلى تصرفات الحركة أضعفت انسجام الحكومة.
وقال رئيس الوزراء التونسي في تصريحات صحفية نقلتها وسائل إعلام محلية: “تعرضنا إلى مساع حثيثة من قبل حركة النهضة غايتها إدخال تعديلات جوهرية في طريقة عملنا”.
وأعلن مجلس شورى حركة النهضة، تكليف الغنوشي بإجراء ما وصفه بـ”المفاوضات والمشاورات الضرورية مع رئيس الجمهورية والأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية”، من أجل البحث عن تشكيل حكومي جديد، بديلا عن الحكومة الحالية التي يرأسها إلياس الفخاخ، بدعوى تورط شركاته في تربح مالي.
واتخذ القرار بأغلبية الأصوات في مجلس الشورى، حيث صوت 54 عضوا لصالح المضي في تشكيل حكومة جديدة، في حين صوّت 38 ضده بغرض الاستقرار الحكومي.
وكشفت تقارير صحفية عن أن الحركة التي تمثل إخوان تونس تتجه نحو سحب وزرائهم (6 وزارات) من الحكومة، وتكوين ائتلاف حكومي جديد يجمع بين حركة النهضة (54 مقعدا)، وائتلاف الكرامة (19 مقعدا)، وحزب قلب تونس (26 مقعدا)، كما لفتت إلى أن الفخفاخ رفض مطالب الحركة لتعيين شخصيات إخوانية على رأس أجهزة حيوية في البلاد.
ورفض الرئيس التونسي قيس سعيّد، طلب حركة النهضة، وقال في تصريح نشرته رئاسة الجمهورية إثر لقاء جمعه مع رئيس الحكومة والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (العمال) نور الدين الطبوبي: “لن تحصل مشاورات ما دام رئيس الحكومة كامل الصلاحيات”.
وأضاف الرئيس التونسي: “إن استقال أو تم توجيه لائحة لوم ضده، في ذلك الوقت يمكن للرئيس أن يقوم بمشاورات، بدون ذلك لا وجود لمشاورات”.
تصعيد نيابي ضد الغنوشي.. رفعت الجلسة
وعلى وقع التصعيد النيابي بين عدد من الكتل والنواب وبين رئيس البرلمان راشد الغنوشي، صعد عدد من نواب كتلة الحزب الدستوري الحر، وعلى رأسهم عبير موسى، إلى المنصة المخصصة لرئيس البرلمان ومساعديه، مرددين شعار “لا للإرهاب في مجلس النواب”.
واضطرت رئيسة الجلسة، سميرة الشواشي، إلى إيقاف أشغال الجلسة العامة، داعية رؤساء الكتل إلى الاجتماع بسبب ما اعتبرته “تعطيل عمل البرلمان واستحالة السير العادي للجلسة العامة”.
ويعتصم نواب كتلة الحزب الدستوري الحر منذ يوم الجمعة داخل مقر البرلمان، احتجاجاً على ممارسات ومحاولات الغنوشي وكتلة ائتلاف الكرامة ذراعه في البرلمان فسح المجال أمام الإرهابيين لدخول مقر البرلمان، حيث تتهمه موسي بدعم ورعاية الإرهاب وتنفيذ أجندة الإخوان المسلمين في تونس، كما تعتبر النائبة الشرسة أن استمراره في قيادة البرلمان خطر على الأمن القومي التونسي.
وفي خطوة تصعيدية، احتلت موسي وكتلتها المنصة المخصصة لرئيس البرلمان ونائبيه وهتفتوا “مجلس النواب..لا للارهاب”، في إشارة إلى استمرار الغنوشي في قيادة البرلمان وتجاهله لمطالب سحب الثقة منه.
وقال النائب عن التيّار الديمقراطي محمد عمّار في تصريح لتونس الرّقمية اليوم، إنّ هذه الأيّام شهدت تغييرات رديكالية داخل المشهد السياسي التونسي، مؤكّدا أنّ التيار يتبنّى موقف رئيس الجمهورية قيس سعيّد ويشدّد على احترامه للدّستور.
وأضاف ذات المصدر بأنّ بيان حركة النّهضة يعتبر بيان انقلابي بإمتياز وفق تعبيره، متابعا بأنّ الحكومة الحالية بصدد القيام بواجبها وإذا تمّت إدانة الفخفاخ فسيغادر منصبه، معتبرا أنّ حركة النّهضة متأرجحة بين المعارضة والحكم.
كما أفاد محمّد عمّار بأنّه من بين الأسباب التّي جعلت النّهضة تسعى لإقالة الفخفاخ هي عدم قدرتها على تعيين أشخاص يتنصتون عليه في القصبة وينقلون لها المعلومات، معتبرا ذلك تواصلا ممنهج لتقسيم الغنائم تعتمده النّهضة منذ الثورة إلى الآن.
وأعلنت 4 كتل نيابية خطواتها لسحب الثقة من رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، على رأسهم الحزب الدستوري الحر، المعتصم داخل البرلمان، اعتراضا على فتح الغنوشي المجال أمام جهات متهمة بالإرهاب ومشتبه بصلتها بتنظيم “داعش” لدخول البرلمان، في الوقت الذي بدأت الحركة مشاورات من أجل تشكيل حكومي جديد، ما قد يضع البلاد على شفا أزمة حكم مرتقبة، وأزمة سياسية حادة.
وستمثل إجراءات سحب الثقة أكبر إحراج للنهضة منذ 2013، حينما وافقت آنذاك على التخلي عن الحكم تحت ضغط احتجاجات معارضيها لصالح حكومة تكنوقراط وإجراء انتخابات جديدة.
وتحتاج إجراءات سحب الثقة توقيع 73 نائبا على الأقل وهو عدد تحظى هذه الأحزاب بأكثر منه، وسيتيح توقيع 73 نائبا إجازة التصويت في جلسة عامة وينص النظام الداخلي للبرلمان على أغلبية مطلقة تبلغ 109 نواب لسحب الثقة، وستسعى هذه الأحزاب التي لها أكثر من تسعين نائبا إلى حشد جهودها للوصول للنصاب القانوني.
اتحاد الشغل.. لا للاصطفاف وراء “أجندات خارجية”
وأكد الناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للشغل (العمال) سامي الطاهري، أن “الاتحاد غير معني بأيّ مشاورات لتشكيل حكومة جديدة طالما أن الحكومة الحالية قائمة”، تحت غطاء “تغيير المشهد الحكومي”، معتبرا أن لغة الوضوح تقتضي إما سحب الثقة من الحكومة عبر البرلمان أو الإبقاء عليها ودعمها لمجابهة المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الراهنة.
وقال في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأتباء إن الوضع الحالي يحتم على حركة النهضة وحلفائها الاحتكام إلى القانون إذا أرادوا الإطاحة بالحكومة، وأرجع رغبة حركة النهضة، المكون الأغلبي للفريق الحكومي الحالي، في الإطاحة بحكومة إلياس الفخفاخ إلى “كونها أصبحت معزولة سياسيا”.
ويرى الطاهري أن “اعتماد حركة النهضة على أساليب المناورة والتكتيك سيزيد من عزلتها”، مشيرا إلى أنها “تسعى لإجراء مشاورات دون سند قانوني وخارج نطاق الدستور فيما تقوم في الوقت نفسه بالدعوة إلى احترام الشرعية”.
وجدد موقف اتحاد الشغل الرافض للاصطفاف وراء ما أسماها بالأجندات الخارجية، مؤكدا بأنه لا أحد سيحتمل تشكيل “ترويكا جديدة” عند الإطاحة بالحكومة الحالية، في تلميح منه لإمكانية تحالف حركة النهضة وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة، وهو تحالف سيكون “ناسفا” للتجربة الديمقراطية، وفق رأيه.