تقنين الاستثناء.. تقرير لمركز الحق حول قانون تجريم نشر أو تصوير وقائع المحاكمات: يخالف الدستور ويفرض رقابة على الصحف
التقرير: النشر جزء من علانية المحاكمات.. والتعديل القانوني يقنن عقوبات سالبة للحريات في قضايا النشر بالمخالفة للدستور
كتب- فارس فكري
أصدرت مؤسسة الحق لحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان تقريرا عن مشروع تعديل قانون العقوبات بمقترح قدمته رئاسة الوزراء لمنع التصوير داخل المحاكم، مطالبة أن يعمل النص المقترح على الموازنة بين حق المتهم وعدم تشويه سمعته ومبدأ علنية المحاكمات، بالإضافة إلى ضبط النص بما يسمح للصحافة والإعلام بتغطية جلسات المحاكمات ومنح المتهم حق قبول أو رفض تصويره أو نشر بياناته الشخصية وحذف أي نص يؤثر سلبا على الحريات.
وقالت المؤسسة في التقرير الذي يقع في 40 صفحة تحت عنوان “تقنين الاستثناء …. تقرير بشأن قانون تجريم نشر أو تصوير وقائع المحاكمات الجنائية”
إن التقرير يستعرض النص المقترح من قبل رئاسة الوزراء بشأن اضافة نص جديد لقانون العقوبات لتجريم نشر و تصوير وقائع المحاكمات الجنائية
وأضاف أنه في 16 ديسمبر الماضي أعلنت الحكومة المصرية عن نيتها بأضافة مادة جديدة لقانون العقوبات و التي جاء نصها كالتالي .
“يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صور أو سجل أو بث أو نشر أو عرض، كلمات أو صورا لوقائع جلسة مُخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بأي وسيلة كانت؛ بدون تصريح من رئيسها، وذلك بعد موافقة النيابة العامة، والمتهم، والمدعي بالحق المدني، أو ممثلي أي منهما، ويحكم بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، أو ما نتج عنها، أو محوه، أو إعدامه بحسب الأحوال”
وجاء بيان رئاسة الوزراء في هذا الشأن ليشير إلى أن التعديل المقترح جاء بهدف منع تصوير المتهمين إعلاميااً لحين صدور حكم بات فى القضايا التى يحاكمون بها حماية لهم، لأن الأصل فى الإنسان البراءة، وهذا الأصل يتمتع به كل متهم حتى يصدر ضده حكم بات على نحو يجعل له الحق فى ألا تلتقط له أيه صورة فى وضع يجعله محل ازدراء الآخرين أو شكوكهم.
وأكد التقرير أن الأصل في المحاكمات الجنائية – خاصة وأن أحكامها تصدر باسم الشعب – هي أن تكون علانية. إلا أن القانون منح لرئيس المحكمة سلطة استثنائية لفرض السرية على بعض المحاكمات شريطة أن تكون أسباب ذلك التحول الاستثنائي متعلق بالحفاظ على الآداب، أو مراعاة للنظام العام .
وهو الامر الذي اكد عليه الدستور المصري في المادة 187. حيث جاء النص صريحا لا غموض فيها أن ” جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم فى جلسة علنية. “
وهو ما يعني أن كل ما يجرى في المحاكمات العلانية يصبح من حق الرأي العام الوقوف عليه، ومن ثم يجوز نشره بالطرق المختلفة للنشر .
حيث أن العلانية تعطي الحق لكل فرد أن ينقل ما يجري في هذه المحاكمات من إجراءات إلى الرأي العام فضلاً عن النشر الذي تقوم به الصحف. لأن الصحافة تملك حرية في نشر ما يجري في المحاكمات العلانية من إجراءات، وهذه الحرية تتمثل بحق التعبير عن الرأي من جهة، وبحق المعرفة والإعلام من جهة أخرى.
وتابع التقرير إن بعض الفقهاء يذهبون إلى أن العلانية التي تتحقق عن طريق النشر، وخاصة الصحفي منه، تفوق في أهميتها تلك التي تتحقق عن طريق حضور الجمهور لجلسات المحاكمة، فالعلانية الفعلية للجلسات لا تتحقق بمجرد حضور أشخاص لا صفة لهم تجمعهم الصدفة، بل هي تتـحقق عن طريق النشر بكافة وسائله.
و لاتعد علانية المحاكمات ضمانة فردية للمتهم فقط لاغير. بل ان تلك الضمانة تنتقل للمجتمع بإسره. فاطلاع الجمهور على وقائع المحاكمات، و ما تنتهي اليه المحكمة من قضاء. يؤدي – دون شك – الي ثقة المواطنين و اطمئنانهم الي المنظومة القضائية .
و عليه فأنه لا خلاف و لا جدال فيما يتعلق بعلانية المحاكمات . فالامر حسم دستوريا و استقر الفقة القضائي و الجنائي عليه على مدار سنوات طويلة و لا مجال للشك في هذا الامر .
مما يمكن أن نصل إلى نتيجة تتلخص، أنه بدون نشر إجراءات المحاكمة لا يمكن ان تتحقق العلانية الفعلية، وبالتالي لا تتحقق الرقابة الحقيقية على إجراءات المحاكمة . لكن على الرغم من أهمية النشر لتحقق العلانية إلا ان النشر وحده لإجراءات المحاكمة لا يكفي لتحقق العلانية لهذه الإجراءات وذلك لأنه من غير المقبول القول بأن حصول الجمهور على المعلومات عن طريق الصحف أو غيرها من وسائل النشر يكفي لتحقق العلانية .
وخلص التقرير إلى أن تصوير الجلسات و بثها تلفزيونيا او ما على شاكلته من وسائل الإعلام الحديثة فهو أمر محل خلاف فقهي وقانوني وإن كانت الأغلبية ترى أن تترك الأمر لسلطة المحكمة لتقرر دون تسبيب أو رقيب امكانية النقل المتلفز أو الإذاعي لوقائع الجلسات من عدمة لكونها الأكثر دراية بطبيعة المحاكمة وإجراءاتها.
واعتبر التقرير النص المقترح مخالف لعدد من نصوص دستورية عديدة منها منع تداول المعلومات وفرض الرقابة على الصحف وعلانية الجلسات وتقنين عقوبات سالبة للحريات في قضايا النشر .
ويرى التقرير أن هذا النص المقترح من قبل الحكومة المصرية جاء ليقنن الاستثناء الذي منحه الدستور للمحكمة بمنع العلانية للحفاظ على الآداب العامة ومنحة صفة الاستدامة بالمخالفة للدستور ومبادئة وما استقرت عليه المحاكم المصرية، فجعل أن الأصل هو منع النشر بكل صورة وأشكاله في الجلسات العلانية ومنح للمحكمة أن تقرر استثناءا ان تأمر بنشر وقائع تلك الجلسات . معتمدا على أن العلانية تتوافر لمجرد أنه لا توجد قيود على حضور الأفراد والأشخاص للمحاكمة .