تقرير لـ فايننشال تايمز: مصر مازالت تعاني نقصًا حادًا في العملات الأجنبية.. والعديد من الشركات المستوردة في مأزق كبير
التقرير:الأعمال التجارية من مزارع الدواجن لشركات صناعة السيارات تضررت بشدة في بلد يستورد معظم أغذيته والعديد من مدخلات الصناعة
أحد المستوردين: أمضيت ديسمبر في انتظار توفير 67 ألف دولار لاستيراد قطع غيار سيارات ولم يحدث.. وارداتي انخفضت إلى العُشر.. الظروف كارثية
رئيس شركة دواجن: نحن نعمل يوما بيوم.. شحنات الحبوب المستخدمة في علف الحيوانات عالقة في الموانئ بسبب نقص الدولار
محمد أبو باشا الخبير الاقتصادي: القاهرة بحاجة إلى تكوين عملة للمساعدة في التخلص من تراكم الطلب قبل الانتقال إلى سعر الصرف
كتب – أحمد سلامة
قالت صحيفة “فايننشال تايمز” الأمريكية إن مصر مازالت تعاني من نقص حاد في العملات الأجنبية، على الرغم من تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي التي قال فيها إن البنوك ستؤمّن العملة الأجنبية لإنهاء تراكم الواردات في غضون أربعة أيام.
وقالت الصحيفة إن العديد من الشركات المستوردة واقعة في مأزق كبير بينما تكافح القاهرة لحل أزمة العملة، إذ أدت الأسابيع الثلاثة الأولى من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير إلى هروب 20 مليار دولار من أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان حيث سارع مستثمرو المحافظ الأجنبية بحثًا عن ملاذات آمنة.
وأضافت أنه “على الرغم من الودائع البالغة 13 مليار دولار من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر و 3.3 مليار دولار أخرى في مبيعات الأصول إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2022، لا يزال هناك نقص حاد في النقد الأجنبي للدولة المعتمدة على الاستيراد”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “السيسي قال إن البنوك ستؤمن العملة الأجنبية اللازمة لإنهاء تراكم الواردات في غضون أربعة أيام، دون الخوض في التفاصيل. ووفقًا لمصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، لا تزال هناك بضائع بقيمة 9.5 مليار دولار محتجزة في موانئ البلاد”.
واستكملت “أدى التأثير التضخمي للحرب في أوكرانيا على أسعار سلع مثل القمح -مصر هي أكبر مستورد للحبوب في العالم- إلى زيادة الضغط على موارد النقد الأجنبي في البلاد، مما أجبر البنك المركزي المصري على تقييم الجنيه في مارس وأكتوبر لخفض قيمته، وبلغ معدل التضخم 18.7 بالمئة في نوفمبر وهو أعلى رقم في خمس سنوات”.
واسترسلت “للمرة الرابعة في ست سنوات، اضطرت مصر إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، الذي وافق الشهر الماضي على قرض بقيمة 3 مليارات دولار على مدى أربع سنوات، ويكمن جوهر الاتفاقية في التزام القاهرة بالانتقال إلى نظام سعر صرف مرن تحدد فيه قوى السوق قيمة العملة، وهو أمر طالما قاومته الحكومات المصرية في عهود سابقة”.
ولفتت الصحيفة إلى أنه “في محاولة للحفاظ على العملة الأجنبية، فرض البنك المركزي قيودًا على الاستيراد في مارس. أدى اشتراط استخدام خطابات الاعتماد إلى تأخير العملية وتسبب في تراكم الطلبات غير الملباة على الدولارات. كما أعطت الأولوية للوصول، ووضع السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء الأساسي على رأس القائمة. ألغى البنك المركزي المصري مطلب استخدام خطابات الاعتماد في 29 ديسمبر”.
كما لفتت إلى أن البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس في 22 ديسمبر، ليصل سعر الإيداع لليلة واحدة إلى 16.25 في المائة. تجاوز الارتفاع توقعات المحللين وعكس المخاوف المتزايدة بشأن التضخم وتراجع الجنيه، وفقًا لشركة الاستشارات كابيتال إيكونوميكس ومقرها لندن.
وتضررت الأعمال التجارية من مزارع الدواجن إلى شركات صناعة السيارات بشدة في بلد يستورد معظم أغذيته والعديد من المدخلات لصناعاته، بينما يفكر صانعو السياسات في موعد وكيفية الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن حيث لا يدعم البنك المركزي قيمة الجنيه، فيما يشكو أصحاب الأعمال من عدم امتلاكهم رؤية للمستقبل، حسب الصحيفة.
وتنقل الصحيفة عن أحد المستوردين ويُدعى رفيق كلوفيس قوله إنه أمضى شهر ديسمبر في انتظار بفارغ الصبر لمعرفة ما إذا كان بنكه سيكون قادرًا على توفير مبلغ 67000 دولار الذي يحتاجه لتمويل استيراد شحنة من قطع غيار السيارات من أوروبا، لكن بحلول نهاية العام، لم تتوفر الدولارات؛ ونتيجة لذلك، بلغت واردات شركته في عام 2022 عُشر الكمية السنوية العادية.
وقال كلوفيس “الظروف كارثية، لا توجد دولارات وليس لدي أي فكرة عن كيفية حلها. لدي خمسة موظفين والآن نعيش على ما كسبناه في السنوات الأخيرة”، حسب الصحيفة.
بينما قال رئيس شركة دواجن “نحن نعمل يوما بيوم، شحنات الحبوب وخاصة فول الصويا والذرة المستخدمة في علف الحيوانات عالقة في الموانئ بسبب نقص الدولار، كل يوم علينا أن نجد طعامًا، وأحيانًا لا تحصل الطيور على أي طعام”.. مضيفًا أن الأعمال التجارية الزراعية أجبرت على “إخلاء” بعض القطعان من خلال بيع الطيور بخسارة قبل أن تصل إلى السن الذي يتم فيه عادة بيعها بالسوق.
وتابع “السعر أقل بكثير من التكلفة ونعلم أن بعض منافسينا اضطروا لقتل الكتاكيت، وأن الانخفاض الكبير في المعروض من الدجاج المباع أدى إلى ارتفاع الأسعار بأكثر من 50 في المائة”.
من جانبه، قال محمد أبو باشا، رئيس قسم تحليل الاقتصاد الكلي في بنك الاستثمار EFG-Hermes الذي يتخذ من القاهرة مقراً له، إن التحول إلى سعر صرف مرن لا يمكن أن يحدث “بين عشية وضحاها” وأنه يجب على السلطات “بشكل مثالي إنشاء حاجز للنقد الأجنبي أولاً”، القاهرة بحاجة إلى تكوين عملة للمساعدة في التخلص من تراكم الطلب قبل الانتقال إلى سعر الصرف، وفقًا لتصريحه.
في غضون ذلك، أوضح فاروق سوسة، الاقتصادي في بنك جولدمان ساكس، الخيارات الصعبة التي تواجهها القاهرة في بناء السيولة لتلبية الطلب قصير الأجل على الدولار.. حيث قال “يمكن للبنك المركزي تصفية السوق من خلال الاستمرار في رفع أسعار الفائدة وتعويم العملة والحد من المعروض النقدي، لكن الآثار المترتبة على الأسعار والنمو تنطوي على مشاكل، الخيار المفضل للسلطات هو انتظار تدفقات من القطريين والإماراتيين والسعوديين لشراء أصول في مصر، لكن هذا أيضًا غير مؤكد”.
أحد كبار المديرين في شركة متعددة الجنسيات لقطع غيار السيارات تحدث لـ”فايننشال تايمز” وقال “لست متأكدًا مما إذا كان بإمكاني تخليص المدخلات المستوردة لطلب جديد ودفع آلاف للرسوم بينما أنتظر الدولارات، إذا وافق موردي في الخارج على تأجيل السداد وتمكّني من إخراج البضائع من الميناء، فقد يكون الدولار قد ارتفع بحلول الوقت الذي يجب أن أدفع فيه.”
وأضاف: “من المحتمل أيضًا أن تواجه الشركة المصنعة للسيارة التي أوردها هنا مشاكل في [توريد] جزء آخر، لذلك لا يوجد منتج نهائي ونحن جميعًا نفشل”.