تقرير لـ”ميدل إيست آي”: المشكلات الهيكلية في الاقتصاد المصري أدت إلى نقص العملة الأجنبية وتصاعد الديون وعدم الاستقرار الاقتصادي
كتب – أحمد سلامة
أصدر موقع “ميدل إيست آي” تقريرًا طرح خلاله التساؤل حول أسباب استمرار مصر في الاقتراض من صندوق النقد الدولي في ظل ازدياد التضخم وتراجع قيمة الجنيه وارتفاع معدلات الديون الخارجية والداخلية.
وقال التقرير “أدت مجموعة من المشاكل الهيكلية الداخلية والعوامل الخارجية إلى نقص العملة الأجنبية وتصاعد الديون. بالإضافة إلى وباء كورونا والحرب في أوكرانيا، هناك قضايا أخرى ساهمت في عدم الاستقرار الاقتصادي، حيث يقول صندوق النقد الدولي إن سعر الصرف المدار بشدة في مصر هو جزء كبير من المشكلة”.
ويضيف التقرير أن التخفيضات المفاجئة لقيمة الجنيه أدت إلى ارتفاع التضخم وخفض ثقة المستثمرين، وبناءً على ذلك، فإن الهدف الرئيسي لصفقات صندوق النقد الدولي هو تعويم الجنيه، والذي بدوره سيؤدي إلى استقرار العرض والطلب على العملات الأجنبية والحفاظ على الاحتياطيات الأجنبية.
ويشير التقرير إلى أن هناك عاملا آخر أبرزه صندوق النقد الدولي “وهو توسع الشركات ذات الامتياز المملوكة للجيش، والتي أدت إلى مزاحمة القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية. حيث تعمل هذه الكيانات إلى حد كبير دون رقابة وخارج الميزانية الرسمية للدولة”.
ويلفت التقرير إلى أنه “في غضون ذلك، أشرف الجيش على مشاريع ضخمة باهظة الثمن استهلكت الجزء الأكبر من الإيرادات المتاحة من الأموال الساخنة (الاستثمارات قصيرة الأجل في الأسواق المالية التي تستفيد من أسعار الفائدة المرتفعة) والدعم الدولي، وتشمل هذه المشروعات العاصمة الإدارية الجديدة البالغة تكلفتها 58 مليار دولار، ومشتريات الأسلحة الضخمة، وتوسيع قناة السويس بقيمة 8 مليارات دولار، والتي لم ينتج عن أي منها حتى الآن أي فائدة اقتصادية”، حسب التقرير.
ويسترسل التقرير “في ظل هذه الخلفية، وافقت مصر في أحدث برنامج لها على تقليص أثر الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش، وتكافؤ الفرص مع القطاع الخاص، علاوة على ذلك، اعتمدت حكومة السيسي في السنوات الأخيرة بشكل كبير على الأموال الساخنة خلال حقبة شهدت معدلات فائدة وتكاليف اقتراض منخفضة بشكل غير مسبوق.. لكن ثبت أن هذا النهج غير مستدام لأن الصدمات الخارجية مثل الحرب في أوكرانيا أدت إلى هروب مفاجئ بنحو 20 مليار دولار في عام 2022، فيما اعترف وزير المالية المصري بأن حكومته (تعلمت الدرس) ولن تعتمد على الأموال الساخنة مرة أخرى”.
وينبه التقرير إلى أن مصر وافقت على ثلاث عمليات إنقاذ مع صندوق النقد الدولي (IMF) في ظل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في السلطة منذ عام 2014. وهي حاليًا ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين.
ويوضح “جاءت صفقات صندوق النقد الدولي على خلفية نقص في العملات الأجنبية وارتفاع شديد في الديون. ارتفعت ديون مصر الخارجية من حوالي 40 مليار دولار في عام 2012 إلى ما يقرب من 155 مليار دولار في عام 2022.. بصرف النظر عن الدعم الذي تلقته من المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي، تلقت مصر أيضًا ما يقدر بنحو 92 مليار دولار من دول الخليج في العقد الماضي”، حسبما ذكرت ميدل إيست آي.
ويضيف التقرير “في حين عززت الودائع الخليجية في مصر في العامين التاليين لتولي السيسي السلطة الاحتياطيات الأجنبية للبلاد، تراجع هذا الدعم تدريجيًا منذ عام 2015 حيث تكافح مصر لسداد ديونها وتمويل اقتصادها المعتمد على الاستيراد”.
ويقول التقرير إن “زيادة الاقتراض تعني أيضًا أن معظم نفقات الحكومة قد تم تخصيصها لسداد الديون بدلاً من مشاريع الصحة والتعليم والاقتصاد”.
وقالت عالية المهدي، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، لموقع ميدل إيست آي “كان ينبغي على الحكومة توجيه هذا الإنفاق إلى مشاريع إنتاجية يمكن أن تدر عائدات، لقد ساهم الإنفاق المفرط على مشاريع البنية التحتية في الأزمة المالية التي يعاني منها المصريون الآن”.
بينما قال إسحاق ديوان، الخبير الاقتصادي اللبناني والمسؤول السابق بالبنك الدولي، إن “الجمع بين موافقة صندوق النقد الدولي، والأسواق الدولية شديدة السيولة بعد عام 2016، سمحت لمصر باقتراض الكثير من أجل تأخير الإصلاحات اللازمة”.. مضيفا “تجد مصر نفسها الآن مرة أخرى في ظل اقتصاد ضعيف للغاية ومشكلة ديون أكبر”.
ولفت التقرير النظر إلى أثر قرض صندوق النقد الدولي على الاستثمارات الخليجية، حيث يقول “كما يفتح قرض صندوق النقد الدولي استثمارات من دول الخليج بقيمة 6.7 مليار دولار في السنوات المالية الثلاث المقبلة. تعهدت دول مجلس التعاون الخليجي مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر بدعم مصر بأكثر من 20 مليار دولار من الودائع والاستثمارات”.
وحسب التقرير يقول الخبير الاقتصادي المصري ممدوح الوالي، “خلال القروض السابقة التي تعاقدت عليها الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي فشلت السلطات في تطبيق الشروط التي أملاها الصندوق ومؤسسات الإقراض الأخرى”.. مضيفا “هذا هو سبب استمرار معاناة مصر من فجوة تمويلية مما أبقى حملة الاقتراض نشطة”.
وقال ممدوح الوالي “لا توجد شفافية أو مساءلة في هذه الحكومة، وهذا يزيد المشاكل الهيكلية للاقتصاد المصري سوءا، لا أحد يستطيع التحدث بأي درجة من اليقين حول الطريقة التي تم بها إنفاق مبلغ 12 مليار دولار الذي حصلت عليه مصر من صندوق النقد الدولي منذ عام 2016 ، لكن الكثيرين يتهمون الحكومة بسوء إدارة هذه الأموال”.