تقرير لـ”حرية الفكر” حول استخدام “ازدراء الأديان” لقمع الحريات الأكاديمية: أي عمل “أدبي أو علمي” قد يؤدي للحبس
التقرير يرصد قائمة بالأساتذة الموقوفين وحالات اتهام أعضاء هيئات تدريس بازدراء الأديان أو الرموز الدينية
المؤسسة تطالب بتوقف إدارات الجامعات والكليات والمعاهد عن التدخل في اختيار الأساتذة لموضوعات أبحاثهم العلمية
التقرير: يجب إلغاء المادة 98 (و) من قانون العقوبات بسبب عدم دستوريتها.. ووقف تغول رؤساء الجامعات في استخدام سلطتهم التأديبية
كتب – أحمد سلامة
أصدرت مؤسسة “حرية الفكر والتعبير” تقريرًا حول التوسع في استخدام تهمة ازدراء الأديان ضد المعبرين عن آخراء مخالفة للمعتقدات السائدة في المجتمع، مطالبة إدارات الجامعات والكليات والمعاهد العليا بوقف إحالة أعضاء هيئة التدريس إلى التحقيق بسبب ممارسة الحرية اﻷكاديمية أو حرية التعبير عن الدين أو المعتقد.
كما طالبت المؤسسة بضرورة توقف إدارات الجامعات والكليات والمعاهد العليا عن تدخلاتها في اختيار الأساتذة لموضوعات أبحاثهم العلمية، وطريقة التدريس والمناقشة داخل قاعات المحاضرات والبحث.. ووقف تغول رؤساء الجامعات في استخدام سلطتهم التأديبية.
وقالت التقرير إنه جرى التوسع في استخدام تهمة “ازدراء الأديان” ضد من يعبِّرون عن آراء مخالفة للمعتقدات السائدة في المجتمع، سواء كان ذلك نقدًا للأديان أو الإيمان بملل وطوائف غير منتشرة داخل المجتمع، أو تعبيرًا حرًّا عن الرأي، طالما اقترب ولو من بعيد من الأديان السماوية. وأصبح من الممكن أن يؤدِّي أي عمل _حتى لو كان عملًا أدبيًّا أو علميًّا_ بصاحبه إلى الحبس بتهمة ازدراء الأديان.
وتناول التقرير حالات اتهام أعضاء هيئات تدريس بازدراء الأديان أو الرموز الدينية، ويضم ما رصدته مؤسسة حرية الفكر والتعبير، من خلال التقارير الإعلامية والمقابلات، وحسب المؤسسة فلا تتوقف الاتهامات التي توجه إلى أعضاء هيئة التدريس في ما يتناولونه بالبحث والنشر والتدريس على الأديان نفسها، إنما تمتد الاتهامات إلى الرموز الدينية، التي تراها بعض إدارات الجامعات غير قابلة للنقد.
وأشار التقرير إلى أنه في بداية مايو 2018، أوقفت جامعة دمنهور الأستاذ بقسم التاريخ بكلية التربية أحمد رشوان عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، بعد إحالته إلى التحقيق على خلفية تدريسه كتاب: “دراسات في تاريخ العرب المعاصر”، والذي تعرض فيه رشوان للشيخ محمد متولي الشعراوي والداعية عمرو خالد.
واستعرض التقرير جُزءًا من الكتاب الذي جاء فيه “شهد عهدهما ظهور أكبر دجالينِ في تاريخ مصر الحديث، وهما الشيخ الشعراوي وعمرو خالد واللذان عملا بكل قوة عن قصد أو بغير قصد في تغذية روح الهوس الديني لدى الشعب المصري، وتدعيم التيار الإسلامي السياسي، وهكذا سيطر الإسلام السياسي وامتد حتى سقوط الاتحاد السوفيتي”.
وعلى خلفية ذلك، ندد أمين سر لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، الدكتور عمرو الحمروشي، بالواقعة، وقال إنه سيتقدم إلى رئيس مجلس النواب بطلب عاجل لسرعة إصدار قانون تجريم إهانة الرموز الوطنية، كما طالب وزير التعليم العالي بتشكيل لجنة علمية محايدة لمراجعة الكتب الجامعية بالتنسيق مع أساتذة الجامعات: “وذلك لمواجهة تسريب أي أفكار شاذة أو متطرفة إلى الطلاب مما يشكل خطرًا داهمًا على مقومات الأمن القومي المصري” – حسب التقرير.
وذكر التقرير أنه في أكتوبر 2016، أوقفت جامعة الأزهر الأستاذ بكلية أصول الدين يسري جعفر عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، بقرار من رئيسها، لاتهامه بالإلحاد ومحاولة إحياء فكر محمد عبده وطه حسين، والهجوم على التيار الإسلامي، ووصفه بالتيار الظلامي، وشكلت الجامعة لجنة تحقيق قامت بتوجيه أسئلة إلى جعفر حول محتوى محاضراته وآرائه العلمية ورؤيته للأزهر، ووجهت إليه عدة اتهامات، منها الدعوة إلى الإلحاد وانتقاد صحيح البخاري، ودعوته إلى تعديل المناهج الأزهرية، ما نفاه جعفر حيث وضَّح أنه يدعو إلى التنوير.
وتابع “وأصدرت جامعة الأزهر، في 13 يونيو 2018، قرارًا بإيقاف الدكتور جمال محمد سعيد عبد الغني، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين في المنوفية، عن العمل لمدة ثلاثة أشهر بعد إحالته إلى التحقيق الإداري بسبب اتهامه “بالتشيع”. وقالت الجامعة في بيان لها إن الأستاذ الجامعي منسوب إليه الانتماء إلى الجماعة الأحمدية القطيانية الشيعية، وسبق اعتبار هذه الجماعة من العناصر المرتدة عن الدين الإسلامي، وقالت إن قرار إيقافه كان حرصًا على مصلحة الطلاب وحمايتهم من أصحاب الفكر المنحرف”.
تظهر هذه الوقائع انتهاك جامعة الأزهر الحرية الأكاديمية باستخدام قرارات إيقاف الأستاذين عن العمل، ولم تراعِ أي أسس علمية في تناولها العمل الأكاديمي، بل إنها تدخلت في معتقد الأستاذ الجامعي جمال عبد الغني. ولم تُشِر الجامعة إلى مخالفات أكاديمية، واكتفت بذرائع حماية الطلاب من أصحاب الفكر المتطرف – حسب التقرير.
وأردف التقرير “في نوفمبر 2020، تم إيقاف الأستاذ بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالإسكندرية محمد مهدلي عن العمل، بعد إحالته إلى التحقيق على خلفية انتشار مقطع مصور، يُظهر نقاشًا بينه وبين طلابه في إحدي المحاضرات، اتهم بسببه بالإساءة للإسلام. بينما قالت وزارة التعليم العالي إنها تلقت شكوى من طلاب بالمعهد، قررت بعدها إيقاف الأستاذ محمد مهدلي إلى حين الانتهاء من التحقيق في الواقعة”.
واستكمل “وفي ظل التوسع في الرقابة على الحرية الأكاديمية، بدأ الطلاب في تصيد ما يعتبرونه إساءة للأديان، ومع استجابة الجامعة لشكاوى الطلاب، فهي لا توفر مناخًا يسمح بالمناقشة الحرة بين الطلاب والأستاذ ويحمل الأساتذة على مزيد من الرقابة الذاتية على ما يتناولون من آراء وموضوعات علمية داخل قاعات الدراسة. ويعد ما فعله وزير التعليم العالي بتحويل التحقيق إلى النيابة العامة انتهاكًا صارخًا لقيمة الحرية الأكاديمية وحق الأساتذة في المناقشة الحرة داخل المحاضرات، وكان على إدارة معهد الخدمة الاجتماعية بالإسكندرية أن تكتفي بالتحقيق في احتداد الأستاذ مهدلي على طلابه، وطردهم من قاعة المحاضرات، لأن في ذلك ما يمنع النقاش العلمي الحر مع الطلاب”.
وطالب التقرير بـ”تقيد اتهامات ازدراء الأديان التي توجه إلى الأساتذة الحرية الأكاديمية، التي تشتمل على حرية البحث والتدريس والنشر والمناقشة والابتكار، التزامًا بالمعايير العلمية والأكاديمية، والتي تعد الأساس في قيام الجامعة بالأدوار المنوطة بها، من نشر المعرفة وتطوير البحث العلمي وخدمة المجتمع، وبناء أجيال قادرة على التفكير النقدي والإبداع. ويجب أن تتوقف هذه الانتهاكات لما لها من تأثير سلبي يمنع الجامعة من القيام بأدوارها ويحرم أعضاء هيئات التدريس من حقوقهم المكفولة في الدستور المصري”.
وفي ذلك أوصت مؤسسة حرية الفكر والتعبير بوقف إحالة أعضاء هيئة التدريس إلى التحقيق بسبب ممارسة الحرية اﻷكاديمية أو حرية التعبير عن الدين أو المعتقد، وتوقف إدارات الجامعات والكليات والمعاهد العليا تدخلاتها في اختيار الأساتذة موضوعات أبحاثهم العلمية، وطريقة التدريس والمناقشة داخل قاعات المحاضرات والبحث.
وشدد على ضرورة عدم تغول رؤساء الجامعات في استخدام سلطتهم التأديبية، والعمل على حماية أعضاء هيئة التدريس من الضغوط السياسية والدينية والاجتماعية حتى يتمكنوا من ممارسة عملهم بحرية.
ونبه التقرير إلى ضرورة أن يلغي مجلس النواب المنتخب المادة 98 (و) من قانون العقوبات بسبب عدم دستوريتها وإخلالها بالحق في حرية التعبير والحرية الأكاديمية، والعمل على تعديل قانون تنظيم الجامعات بما يضمن الحرية الأكاديمية والاستقلال الفعلي للجامعات عن السلطة التنفيذية، وإلغاء سلطة رئيس الجمهورية في تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات.
للاطلاع على اضغط هنا