تريز سمير تكتب: القهر الصامت لبطلة فيلم “ريش”
تابعت وبشغف آراء اغلب اصدقائي على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة بعد تسريب فيلم ” ريش”
سـأتناول التعليقات
غير المؤيدة فقط للفيلم والتي تمثلت في الشعور ببعض الملل، وجاءت بعض الأراء حول تقييم المستوى الفني لأبطال الفيلم، وخاصة البطلة “دميانة نصار التي لم تتحدث كثيرا طوال الفيلم .
، رغم حصول الفيلم على الكثير من الجوائز العالمية في مهرجان كان الدولي، او جوائز محلية في مهرجان الجونة
انا لست ناقدة فنية، ولكنني كاتبة، وكان لي حسن الحظ أن بدايتي في الكتابة بدأت من خلال النصوص المسرحية، والإخراج المسرحي في كنيسة السيدة العذراء بالبرشا، كنا نقدم العديد من المسرحيات في مهرجان الصيف الذي تنظمه مطرانية ملوي .
سأكتب ما شعرت به أثناء وبعد مشاهدة الفيلم ، لقد شاهدت الفيلم مرتين ، متتاليتين ، المرة الأولى شعرت بالملل بالفعل ولكن هذا الملل تسلل إلى نفسي لإنني كنت أريد النهاية وبشكل سريع حتى تنتهي تلك المعاناة التي عاشتها المرأة ، التي جسدت دورها ” دميانة “
كنت أريد أن تنتهي معاناة المرأة واطفالها ، لم اشعر بمعاناة الرجل الذي تحول إلى دجاجة ، نعم المعاناة كانت قاسية ومؤلمة جدا كانت المشاهد لا تحتاج إلى كلمات، الغضب والحزن والصراع والبكاء جسدته ملامح بطلة الفيلم ، اذا زاد الآلم والفقر والتهميش والقهر تصمت الكلمات، عندما تتضاعف الآلام يظهر الصمت، تذكرت عندما كنت مريضة بالكوفيد وكنت في مراحل مؤلمة، كيف كان رد فعلي، كان الصمت، وبعد ان شفيت من فيروس كورونا كنت في رحلة من الصمت، كان الصمت مخرجا وعالم مختلف، كنت الجأ إليه، كنت انظر إلى سقف الغرفة ساعات طويلة محاولة استعادة نفسي .
كانت دميانة تقف صامته كلامها قليل ولكن من عاش هذه الحالة يدرك تماما أن العقل والروح تتمزق بالداخل، هناك الكثير من آليات واستراتيجيات الدفاع النفسي عندما نتعرض للأزمات، منها من يتحدث ويستطيع أن يعبر عما يشعر لأي أحد وبكل بساطة ، وهناك من يغضب أو يثور ، وهناك من يبكي، أما المؤلم حقا هو “الصمت”، الصمت اكثر وجعا من الكلام، من الغضب والصراخ .
عندما تحبس الدموع يصرخ القلب وجعا والروح تتمزق.
هذا ما شعرت به، لم أنتظر أي رد فعل من البطلة إلا الصمت، ولكن ملامحها كانت أشد ألما، ملامحها كانت أشد تعبيرا ، ووجعا.
هذا ما شعرت به، وفي المرة الثانية من مشاهدة الفيلم لم ينتابني هذا الملل .
أما جانب الانتقاد الثاني حول المستوى الفني لأبطال الفيلم . لقد قرأت الكثير من التعليقات التي تقيم تمثيل أبطال الفيلم ، وانهم غير موهوبين ، و و و
لم يخرج أحد من فريق الفيلم أو المخرج أو اي أحد وقال أن لهم باع في التمثيل هما خرجوا منذ اللحظة الأولى وقالوا الحقيقة ، خرجت “أن ماريو “
وقالت أنا سيدة بسيطة لا تقرأ ولا تكتب، وصرح المخرج إنه كان يسجل معها ب ١٠ ثوان، ويجمع العمل في المونتاج ، هذا العمل أعتقد إنه متعب ومرهق، ولكن إيمان المخرج عمر الزهيري بعمله ساعده على النجاح، إنه بذل مجهود في البحث عن الأبطال، ذهب إلى صعيد مصر بحثا عن هذا الوجه ” دميانة نصار” ومن وجهة نظري هذا هو النجاح ، كان يمكن الاستعانه بممثلين لهم خبرة وباع طويل في الفن والتمثيل ، ولكنه اختار الوجوه الصادقة، وجه دميانة ، أشد صدقًا من أي آحد آخر ، عندما رأيت دميانة على شاشة التلفزيون في أول لقاء لها بكيت من صدقها ، وتلقائيتها ، وعفويتها ، صدقتها وأمنت بها كانسانه ليس فقط كفنانة .
لا يهمني ان تنجح في حياتها الفنية أو لا ، ما يهمني وما أسعدني ، هو خروج سيدة بسيطة لأول مرة من قلب الريف المصري وتعمل في القاهرة ، وتستمر ثلاثة أشهر حتى انتهاء التصوير ، هذه بالنسبه لي الثورة والتغيير في حياتها وحياة الكثيرات ، ما يسعدني هو التغيير.
هدفنا في التنمية وحقوق الانسان، تغيير المجتمعات وتطويرها إنسانيًا وحضاريا وثقافيا، ما حدث ككل يؤكد عملية التغيير للعادات والتقاليد البالية في الصعيد المصري، التي تمنع عمل المرأة، وخروجها للعاصمة.
هذا ما يهمني وهذا ما جعلني أشعر بالرضا والفرحة والسعادة لخروج هذه السيدة جميلة القلب والروح، لقد نجحت دميانة نصار ليس فقط في التمثيل ولكن في تغيير مجتمعنا الصعيدي والصورة التقليدية له.
عندما خرجت أنا من البرشا سنة ٢٠٠٨ للعمل في القاهرة ، واجهت انتقادات كثيرة من مجتمعي القروي ، وعندما شاهدوا نجاحي من خلال عملي الصحفي، وشاهدوا ظهوري في الإعلام والتلفزيون أدركوا أن الأمر يدعو للفخر ، وعندما خضت انتخابات ٢٠١١ وقف أهل قريتي والقرى المحيطة معي، قبلوا وجودي كمرشحة ، وكان هدفي تغيير الصورة للفتاة أنها تستطيع ، ورويدا رويدا تغير مجتمعنا القروي وساهمت يوستينا سمير ، في هذا التغيير باستمرار عروض المسرح من خلال فرقة “بانوراما برشا” في قرى ملوي ووصلت إلى مدينة أبو قرقاص ، ومنذ اربعة أعوام قدمت عرض على مسرح الثقافة في تونس ، هذا العرض كان أول عرض مسرحي للفريق خارج مصر ، لقد بدأ التغيير المجتمعي في قريتنا الصغيرة
نحلم بمستقبل أفضل للفتيات والمرأة ، فهمن نصف المجتمع بلا منازع….
وللحديث بقية