بمشاركة عدد من خبراء الاقتصاد والباحثين.. دراسة جديدة تضع إستراتيجية اقتصادية ديمقراطية مُناصِرة للفقراء ومستدامة في مصر
كتب – أحمد سلامة
أصدر مشروع حلول للسياسات البديلة بالجامعة الأمريكية في القاهرة ورقة سياسات جديدة بعنوان “نحو إستراتيجية للتحول الاقتصادي المستدام في مصر” تناقش الدوافع والآثار المترتبة على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وتحدد الخطوط العريضة لإستراتيجية اقتصادية ديمقراطية مُناصِرة للفقراء ومستدامة، تخلق فرصًا للعمل في البلاد.
وحسب الورقة التي شارك في إعدادها كل من د. ألفريدو سعد فيلهو، الاقتصادي البرازيلي البارز وأستاذ الاقتصاد السياسي والتنمية الدولية في جامعة كينجز لندن، وأ. سهى عبد العاطي نائب مدير مشروع حلول للسياسات البديلة، فإن نمط اندماج مصر في الاقتصاد العالمي -بما في ذلك الاعتماد المفرط على الريع والتحويلات، وخاصة من الوقود الأحفوري، وقناة السويس، والمساعدات الأجنبية، وتحويلات العاملين في الخارج- يخلق نقاط ضعف جيوسياسية شديدة ويؤدي إلى عدم الاستقرار كما أنه يقوض قطاع الصناعة، ويحفز على هروب رؤوس الأموال، ويفرض نفقات دفاعية بالغة الضخامة، ما يؤدي إلى عواقب سلبية على نمو الإنتاجية والدخل القومي، والكفاءة الاقتصادية، والبطالة، والفقر، وتوزيع الدخل والثروة والسلطة.
وأشارت ورقة السياسات إلى النتائج السلبية الناتجة عن البرامج التي يقودها صندوق النقد الدولي في تحقيق أهدافه المعلنة حيث أدت الجولات المتعاقبة من “إصلاح” الاقتصاد الكلي و”التحرر المالي” والخصخصة إلى وقوع مئات الآلاف من المصريين في براثن الفقر والبطالة، في حين فشلت إلى حد كبير هذه البرامج في توفير فرص عمل جديدة ذات جودة ونتيجة لذلك، ارتفعت مؤشرات البطالة الهيكلية والعمل غير الرسمي، وظهرت فجوات جديدة في الدخل والثروة، ولم تتحسن معايير الرفاه الاجتماعية إلا بشكل هامشي.
وأكدت الورقة على أنه يجب على الحكومة المصرية التخلي عن السياسات المالية المُقيدة التي تفرضها برامج صندوق النقد الدولي، وتنفيذ سياسات مالية وبرامج الاستثمار العام الداعمة للنمو العادل وأنه يمكن تمويل هذه المبادرات المتعلقة بسياسات الإستراتيجية الاقتصادية الديمقراطية من خلال ضرائب الدخل التصاعدية والرسوم الإضافية، وتحسين إدارة النظام الضريبي، وإزالة الاستقطاعات والإعفاءات والثغرات لصالح الأثرياء، وزيادة مساهمات الضمان الاجتماعي والضرائب على الثروة.
وذكرت الورقة أنه لاشك أن ميزان المدفوعات يعد هو نقطة الضعف الاقتصادية الرئيسية في مصر وأهم عائق أمام النمو كما أن البلاد تتعرض بشكل كبير للاضطرابات في الأسواق العالمية والتقلبات في تدفق المعونات المالية وتحويلات العاملين بالخارج، ما يؤثر على الاستيراد، وسعر الصرف، والمدخرات والاستثمارات المحلية، والاستثمار الأجنبي المباشر واستثمارات المحافظ المالية، ومحددات أوسع للقدرة التنافسية. وأخيرًا، فإن الخصائص الجغرافية والجيولوجية للبلاد تحد من توافر المياه اللازمة للإنتاج الزراعي، ما يجعل مصر تعتمد هيكليًّا على الواردات الغذائية وتساعد نقاط الضعف هذه في استمرار قيود ميزان المدفوعات والفقر الجماعي.
وأكدت الدراسة أن إستراتيجية التنمية الاقتصادية الديمقراطية المعدة تقدم نهجًا بديلًا لإقامة اقتصاد متنوع وفعال ومستدام وأكثر مساواة في مصر.
وشددت الورقة على أن إستراتيجية التنمية في مصر يجب أن تركز على توزيع الدخل والثروة والسلطة، ومكاسب الرفاهية للفقراء، والتحول البيئي، وأن هذا يتطلب تحولًا بعيدًا عن نموذج السياسات المهيمن إلى سياسات أكثر تشجيعًا للنمو، والتنسيق الدقيق بين أنشطة القطاعين الخاص والعام، وتنظيم الدولة لتخصيص الموارد بين القطاعات والفترات الزمنية اللازمة لذلك.
وأوضحت الورقة أن الأهداف الطموحة المحددة في الإستراتيجية الاقتصادية الديمقراطية سوف تؤدي إلى تحقيق معدلات نمو اقتصادي أعلى من تلك التي شهدتها مصر أخيرًا، وإلى إفساح المجال السياسي، وتحقيق التوازن بين هيكل سياسات الاقتصاد الكلي، والتحول البيئي، وإستراتيجية الحد من الفقر.
في الختام، أشارت الورقة إلى أن العوائق التي تحول دون تحقيق الإستراتيجية الاقتصادية الديمقراطية ليست فنية (اصطلاحية) أو اقتصادية، بل هي في الدرجة الأولى أيديولوجية وسياسية وهذه مشاكل تتعلق بالسلطة وليست مشاكل تتعلق بالاتساق المنطقي، وينبغي معالجتها من خلال نقاش وطني بين الرؤى المتناقضة للبلاد.