بعد شهرين من توليه السلطة المطلقة.. الرئيس التونسي قيس سعيد يكلف نجلاء بودن بتشكيل حكومة جديدة “في أقرب وقت”
كلّف الرئيس التونسي قيس سعيّد، اليوم الأربعاء، نجلاء بودن حرم رمضان، بتشكيل حكومة جديدة للبلاد، على أن يتم ذلك في أقرب الآجال، بعد شهرين من توليه السلطة المطلقة في البلاد.
ووفقا للصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية، جاء القرار عملا بأحكام الأمر الرئاسي عـدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية وخاصة على الفصل 16 منه.
وفي 25 يوليو الماضي، أعلن سعيّد تدابير استثنائية جمد بموجبها عمل البرلمان وأقال رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولى بنفسه السلطة في البلاد.
لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
واستند سعيد في قرارته على الفصل 80 من دستور 2014 الذي يخول رئيس الجمهورية اتخاذ “تدابير استثنائية” إذا ما كان هناك “خطر داهم” يتهدد البلاد.
والأسبوع الماضي أصدر سعيد قرارات عزز فيها صلاحياته على حساب الحكومة ومنح نفسه صلاحية إصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، ما يزيد إمكانية انتقال البلاد نحو نظام رئاسي عبر “تعديل دستور” 2014.
ولقيت قرارات سعيد ترحيبا واسعا من شريحة واسعة من التونسيين وقد خرج كثيرون منهم للاحتفال ولا سيما بعد فرض منع السفر أو الإقامة الجبرية على العديد من الشخصيات والسياسيين ورجال الأعمال فضلا عن توقيف وملاحقة نواب في البرلمان قضائيا بعد أن رُفعت عنهم الحصانة النيابية.
وتظاهر الأحد بضعة آلاف من التونسيين رافعين شعار “الشرعية الانتخابية” ومنددين بـ”احتكار السلطات بيد رجل واحد” إثر قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد تعزيز صلاحياته على حساب الحكومة والبرلمان الذي جمد أعماله قبل شهرين “إلى إشعار آخر”.
وتجمّع حشد كبير من المحتجين أمام مقر “المسرح البلدي” في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس قبل ساعة من انطلاق موعد المظاهرة رافعين علم تونس و”للدفاع” عن دستور 2014 من بينهم عدد قليل من النساء.
كان وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، أفاد في خطاب من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس الأول الاثنين، بأن التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد هدفها “التأسيس لديمقراطية حقيقية وسليمة”.
وقال الجرندي بحسب بيان نشرته وزارته إن “التأسيس لديمقراطية حقيقية وسليمة هو ما شرعت فيه تونس من خلال” التدابير الاستثنائية التي اتخذها سعيّد.
وأضاف أن هذه التدابير هدفها “تصحيح المسار الديمقراطي بما يستجيب لإرادة الشعب التونسي وحده وتطلعاتِه المشروعة إلى نظام ضامن لسيادته وحقوقه وحرياته وكرامته”.
وشدد الوزير التونسي على أن “الديمقراطية في تونس خيار لا رجعة فيه ولا تراجع عنه وأن حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية مضمونة ومصانة ضمن مؤسسات قائمة على سيادة القانون ومبادئ الحكم الرشيد”.
وأشار الجرندي إلى أن “بناءَ دولة مستقرة حاضنة لجميع مواطنيها على قدم المساواة هو الشرط الأساسي لإرساء السلم الاجتماعي وتحقيقِ التنمية المستدامة واحترام حقوق الإنسان”.
وشدد على أن تونس “ستواصل دورها المؤثر في محيطها المباشر والإقليمي من خلال تقديم الدعم والمساندة للأشقاء في ليبيا لاستكمال المسار السياسي”.
كانت 22 جمعية ومؤسسة حقوقية تونسية حذرت رئيس الجمهورية قيس سعيد، مُجدّدا من خطورة التمادي في إحكام قبضته على مقاليد الحكم، دون تحديد مُدّة التدابير الاستثنائية التي قرّر تمديدها يوم 22 سبتمبر الجاري إلى أجل غير مُسمّى.
وأكدت المنظمات، في بيان مشترك، أن أي خطوة لإصلاح ما أفسدته حُكومات وأحزاب ألحقت أضرارا جسيمة بقيم حقوق الإنسان والديمقراطية، وساهمت في نشر المحسوبية والتمرّد على القانون في المجتمع، ودفعت تونس في السنوات العشر الماضية إلى حافة الإفلاس والفوضى، لا يُمكن أن تُكلّل بالنجاح في غياب برنامج عمل يُساهم في مناقشته وإثرائه أكفأ الخبراء ومُمثلون عن المجتمع المدني، مثلما أثبتت ذلك تجارب الانتقال الديمقراطي في مُختلف أنحاء العالم.
وشدّدت الجمعيات على أن عدم التحرك السريع والحاسم لمُحاسبة كبار المُتورطين في قضايا فساد والخارجين على القانون مُنذ إعلان تلك التدابير، وصدور الأمر الرئاسي عدد 117 في 22 سبتمبر الجاري، وما تضمّنه من إيقاف الالتزام بالدستور يُثير تخوفات مشروعة من الجنوح نحو الانفراد بالسلطة، وما قد ينجر عنها من تجاوزات وتأثيرات خطيرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المُتدهورة، وتهديدات لما تحقّق من مكاسب دستورية ثمينة حامية للحريات العامة، نتيجة تجميع كل السلطات بيد رئيس الدولة، وغياب سلطات مُضادّة سواء تشريعية أو تنفيذية.
وأعربت الجمعيات عن قلقها البالغ من اقتصار رئيس الجمهورية على التشاور في المسائل القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية المصيرية لبلادنا، مع ثُلّة من الشخصيات القريبة منه، داعية إياه إلى الإسراع في توسيع دائرة التشاور والحوار، لتشمل أكبر عدد ممكن من الغيورين على الوطن، وخاصة الكفاءات العالية والصادقة التي تزخر بها تونس في مُختلف الاختصاصات، والمعروفة باستقلالها عن مختلف اللوبيات، حتى وإن كانت تُخالفه الرأي، وكذلك ممثلين عن أحزاب سياسية، ذات رصيد شعبي وغير مورطة في قضايا فساد.
وأكدت مُجدّدا ضرورة احترام حرية التعبير والصحافة، هذا المكسب الذي فاز به التونسيون بفضل ثورة الحرية والكرامة، داعية إلى توفير المعلومة للصحفيين وللمؤسسات الإعلامية لوضع حد للإشاعات الناجمة عن غياب المعلومة الدقيقة من مصدرها، والحيلولة دون استمرار الاعتداءات عليهم أثناء مُمارستهم عملهم.
ونبهت الجمعيات التونسية إلى خطورة مُواصلة بعض وسائل الإعلام السمعي البصري البث بطريقة خارجة على القانون، وفي مقدمتها قناة “الزيتونة” التابعة لحركة النهضة، وقناة “نسمة” التي يملك القسط الأكبر من حصصها حليفها رئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي، المُعتقل حاليا في الجزائر، بسبب اجتيازه الحدود التونسية الجزائرية خلسة، والمُتورط أيضا في قضايا فساد.
كما أدانت استمرار القناتين وعدد آخر من وسائل الإعلام في تضليل الرأي العام والتحريض على التباغض بين التونسيين، لأغراض وأطماع حزبية وتجارية، مؤكدة أن عرقلة المسار الديمقراطي وما وصلت إليه تونس من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة، لم يسبق لها مثيل منذ الاستقلال، ساهمت فيها بقسط كبير لوبيات تستعمل و سائل الإعلام كمطية لتحقيق أطماعها التجارية والسياسية وإعلائها فوق المصلحة العامة.
وبخصوص تركيبة الحكومة المُرتقبة منذ شهرين، طالبت الجمعيات المُوقّعة رئيس الجمهورية باعتماد معيار الكفاءة في التعيين، بعيدا عن منطق الولاءات والمحسوبية، الذي نخر مؤسسات الدولة في السنوات العشر الماضية، كي تتمكّن تونس من الخروج من الوضع الاقتصادي والاجتماعي الخانق والإسراع في تحقيق الإصلاح السياسي، طبقا للحريات العامة المضمونة في دستور 2014.