بعد رحيله الموجع| هل تتحقق أمنية محمد أبو الغيط بإنهاء معاناة والد زوجته؟.. الحرية لدكتور السيد حسن شهاب.. فليعد لها واحد على الأقل
أبو الغيط طالب قبل وفاته من على سرير المرض بالإفراج عن والد زوجته: مقبوض عليه من سبتمبر 2013.. فرحنا بنهاية المأساة ببراءته قبل أن نفاجأ بحبسه على ذمة قضية جديدة
والد زوجتي أستاذ جامعي في السبعين من عمره.. أرجو ممن كان لي عنده لحظة ود أن يساعدنا في ألا تُفجع إسراء في زوجها ووالدها ووالدتها المتوفية بالفعل قبل عامين بالسرطان
كتب- درب
«أرجو منكم جميعاً، بحق من كان لي عنده لحظة ود، أن يساعدنا في ألا تُفجع إسراء في زوجها ووالدها ووالدتها (توفيت قبل عامين بالسرطان أيضا)، أماكن كثيرة خالية على مائدة عيدها، فليعد لها واحد على الأقل».
كانت تلك كلمات الكاتب الصحفي محمد أبو الغيط، الذي غيّبه الموت عنّا صباح الإثنين، يوليو الماضي، والتي كشف من خلالها عن أمنيته بإنهاء محنة والد زوجته المحبوس على ذمة إحدى القضايا السياسية.
ومحمد أبو الغيط طبيب وصحفي وكاتب، تخصص في الصحافة الاستقصائية وشملت تغطياته حول العالم قضايا تجارة السلاح الدولية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتطرف، وتحقيقات الفساد وتتبع الأموال. عمل مدققًا للحقائق، وأشرف على إنتاج تحقيقات ودرَّب صحفيين لصالح عدة مؤسسات، كما عمل بمجال الإنتاج التلفزيوني لقنوات عربية وأجنبية، وكذلك عمل مذيع راديو عبر الإنترنت.
وقبل أن يرحل عن عالمنا، طالب أبو الغيط، تزامنا مع عيد الأضحى المبارك، بسرعة الإفراج عن والد زوجته د. السيد حسن شهاب، الغائب عن مائدة العيد بحكم حبسه على ذمة القضية ٧٨٦ لسنة ٢٠٢٠، حيث كتب من سرير العلاج، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك”، اليوم الجمعة: «قبل 5 أيام استيقظت صباحا على أعراض حمى مفاجئة. نُقلت للمستشفى حيث تم حجزي بقسم العناية المركزة فورا، أمضيت يومين من فقد الوعي والهلاوس والارتعاش والهذيان، وبصعوبة في فترات إفاقة قصيرة فهمت أني مصاب بـSepsis أو ما يترجم بعفونة الدم أو تسمم الدم، تذكرت ما درسته في الكلية وامتلأت رعبا».
وأضاف: «باختصار يحدث هذا حين تتفاقم عدوى ما، فيطلق الجسم رد فعل مناعي حاد، يؤدي إلى سلسلة من فشل الأعضاء التي تغزوها جلطات صغيرة في كل مكان، وتصاب كلها بنقص في إمدادها الدموي، فتحدث الوفاة السريعة خلال أيام، كنت أردد الشهادتين قبل كل غطس في عالم اللاوعي عالماً أني قد لا أعود».
وأوضح: «شرارة الأحداث كانت اضطرابا بالمناعة، حدث لي بعد أول جلسة من برنامج علاجي جديد، انتقلت له بعد فشل علاجي السابق رغم أنه الفئة الأحدث عالميا ضد نوع السرطان عندي، بينما أظهرت الفحوص المزيد من نمو المرض كأنه تغذى على العلاج، بالأمس صباحا تم إجراء جراحة نجحت بحمد الله مع أطنان الأدوية التي ضخوه في دمي في عكس المسار، وأخيراً بدأت أشاهد أرقاما منطقية بأوراق التحاليل، وأمكن أن أجلس الآن لأكتب في غرفة عادية لا في زنزانة التأديب الباردة بالعناية المركزة».
وتابع: «رغم أني ممتن جداً للنجاة من موت لم أكن في أي لحظة أقرب إليه من هذه المرة، فلم تغادرني قط فكرة إحباطي من فقد الاحتفال بالعيد، كنا قبل أسبوع اتفقنا إسراء وأنا على الانضمام لأصدقاء في إفطار يوم عرفة، وعلى تنظيم حفلة شواء يوم العيد، ليس كعيدنا في مصر طبعا، لكن لا بأس، هو أساس كافٍ ليتكفل الحنين والخيال بباقي البناء».
واستطرد: «كنت سابقا تحدثت عن دقة تشبيه طبيب الأورام الأمريكي سيدهارتا موكرجي السرطان بالسجن، لذلك حرمان المرضى من العيد يستدعي لخيالي حرمان السجناء ظلما من العيد من عائلاتهم، لكن هذه المرة تحديدا حين كنت أفيق وأشاهد بين العرق والدوار فزع وجه إسراء، كان يلح علي وجه والدها الغائب، د. السيد حسن شهاب».
ويشار إلى أنه تم القبض على والد زوجة الصحفي محمد أبو الغيط في سبتمبر ٢٠١٣، من مطار القاهرة متوجهاً إلى دولة الإمارات لتدريس مقرر هناك، حيث دخل في تقاض طويل وأحكام ضخمة، لكن انتهى كل ذلك قبل عام، في ١١ يونيو ٢٠٢١، بحكم محكمة النقض بالبراءة.
وعن الحكم، قال أبو الغيط: «فرحنا واحتفلنا بنهاية قريبة للمأساة، لأن عمو سيد غير متهم بأي قضايا أخرى، ليس مشهورا، لم يظهر أبداً على منصة إعلامية أو فوق منصة رابعة، لم يتورط بخصومة مباشرة مع أي جهة أو شخصية أمنية، كبير السن (يتم عامه السبعين في سبتمبر القادم)، ذو خلفية أكاديمية مرموقة (عميد هندسة حلوان سابقا)، نظرياً هذه هي المواصفات الأمنية التي يمكن تخمينها لمن يتم تنفيذ أحكام براءتهم، ونعرف عديدين بذات الظروف خرجوا بالفعل من ذات القضية أو قضايا شبيهة».
وروى أبو الغيط: «كنت وقتها في بداية رحلة الأهوال السرطانية، وفكرت أنه كما يقال “يقطع من هنا ويوصل من هنا، لكن فوجئنا بأنه تم إدراجه في القضية ٧٨٦ لسنة ٢٠٢٠، وهو محبوس احتياطيا على ذمتها حتى الآن، تعشمنا أن الأصعب قد انتهى، وهذا حبس احتياطي قد ينتهي خلال أسابيع أو أشهر، لكن لم يحدث».
وواصل: «طرقنا كل الأبواب الرسمية وغير الرسمية، من النائب العام، إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان ووزارة الداخلية، ودائما نحصل على أرقام بالشكاوى أو وعود بالسعي ثم لا شيء، لا تفسير ولا رد، مؤخراً مع انطلاق دعوة الحوار الوطني ولجنة العفو عدنا للطرق بكل ما هو متاح رسميا وغير رسمي، ولا شيء».
وأكد: «كل التفاصيل القانونية والمستندات اللازمة متوافرة لمن يرغب بمراسلتي أنا أو إسراء لنرسلها له، لكن أموراً كثيرة لا تكتب بالأوراق، كيف نكتب أن دكتور سيد رجلٌ كريم، يكللني لآخر العمر كرمه المدهش حين ذهبت وحدي بجرأة تدنو من الوقاحة لخطبة ابنته أنا القادم من الصعيد، طبيب امتياز، بلا دخل ولا شقة، يحذرني أقارب وأصدقاء من الذهاب قبل إنهاء الامتياز وموقفي من الجيش على الأقل، لكن كان الرجل حاسماً في أن قبولي أو رفضي بيد ابنته فقط، ثم أي شيء آخر لا يهم».
وأردف: «تزوجنا دون قائمة، لم يذكر أصلا أنه لا يريدها، بل لم يفتح موضوعها أبدا، والشبكة قال “دي هدية لعروستك زي ما تحب أنا مليش دعوة، والمؤخر حُسم في مشهد كوميدي بآخر لحظة بينما المأذون يكتب الكتاب لنرتبك جميعاً لكوننا لم نناقش الموضوع أبدا، فتهامس د. سيد مع والدي لثوانٍ وكتبوا رقما صغيراً بينما يضحك المأذون لما يحدث».
وشدد: «رغم خلاف توجهاتنا السياسية والفكرية الكبير، والذي دفعنا للتوافق على عدم فتح أي نقاش سياسي منعا لتعكير أجواء الخطوبة، لكني أشهد أن أخلاقه الكريمة كانت حاكمه الدائم، وكان على خلاف مع العديد من قرارات الإخوان الأخيرة، وكذلك كانت سيرته بين طلابه في جامعة حلوان تشهد بها عشرات من قصصهم سواء بالأمور الدراسية أو بالأنشطة الطلابية كدعمه الأسر وفرق المسرح وغيرها».
وختم الزميل الراحل منشوره آنذاك قائلا: «على هذه الصفحة أصدقاء ومعارف قدامى كثر بدوائر حكومية أو مقربة منها، منهم من كلمته سابقا عن القصة ووعدني خيرا ولم يستطع، ومنهم من لم أفعل، ولم أعد الآن قادراً على المتابعة لكل شخص، أرجو منكم جميعاً، بحق من كان لي عنده لحظة ود، أن يساعدنا في ألا تُفجع إسراء في زوجها ووالدها ووالدتها (توفيت قبل عامين بالسرطان أيضا)، أماكن كثيرة خالية على مائدة عيدها، فليعد لها واحد على الأقل».
ومع رحيل محمد أبو الغيط الموجع لقلوب محبيه عن عالمنا، تبقى الأمنية.. فهل تتحقق أمنية الزميل الراحل وتطلق السلطات المصرية سراح والد زوجته، ليعد لها واحد على الأقل؟