بعد التصديق على قانون مواجهة الأوبئة.. المبادرة المصرية: يتضمن عقوبة سالبة للحريات ويُهدد حرية البحث العلمي وتداول المعلومات
بيان المبادرة: نناشد الجهات التنفيذية والتشريعية بضرورة ضبط وتقنين استخدام مواد القانون التي قد يساء استخدامها
المبادرة: من المفترض أن تخرج الدولة بدرس من جائحة كورونا حول أهمية الشفافية والإعلان عن المعلومات والبيانات التفصيلية أولا بأول
كتب: عبدالرحمن بدر
علقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على تصديق رئيس الجمهورية على قانون تنظيم إجراءات مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية، ونشرته الجريدة الرسمية الاثنين الماضي، بعد موافقة البرلمان عليه في منتصف نوفمبر الجاري.
وقالت المبادرة إن القانون يعالج فراغا تشريعيا في التعامل مع الأوبئة والطوارئ الصحية، حيث يعطي صلاحيات هامة لرئيس مجلس الوزراء حال تفشى الأوبئة أو الجوائح الصحية تعكس الاستجابة للعديد من جوانب القصور التي ظهرت في مواجهة جائحة كورونا، لكنه يتضمن عقوبة سالبة للحريات تهدد حريات المواطنين في التعبير عن رأيهم وما يلاقونه من تحديات في أوقات حرجة مثل الأوبئة. مضيفا: كما أنها تهدد حرية البحث العلمي وتداول المعلومات، وتزيد من الصعوبات التي تواجهها في مصر بخصوص الشفافية، والتي أظهرتها جائحة كورونا بشكل واضح.
وتابع البيان: يسد القانون الجديد فجوة تشريعية – حيث كان آخر تشريع صادر بهذا الشأن قانون عام ١٩٥٨ حول الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية بالإقليم المصري – ويقدم بديلًا عن المواد الخاصة بالطوارئ الصحية التي تمت إضافتها لمواجهة كورونا عبر تعديلات في قانون الطوارئ في مايو ٢٠٢٠، والذي قرر الرئيس في ٢٣ أكتوبر الماضي إنهاء العمل به، لكن القانون ينص في المادة الخامسة منه على عقوبة الحبس أو الغرامة المالية لكل من “أذاع أو نشر أو روج عمدًا أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة مرتبطة بالحالة الوبائية، وكان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين المواطنين، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”.
وقالت المبادرة: تنبع خطورة هذه الخطوة من كونها تعطي للجهات الرسمية الحق الكامل والحصري في تحديد الحقيقة، وفرض السردية التي تراها مناسبة، بحيث يصبح كل ما عداها كذبا، بل ومعاقبة كل من يختلف معها، ويتعارض هذا تماما مع المبادئ الأساسية لحرية التعبير والرأي، ومع الركائز الأساسية لاستراتيجية حقوق الإنسان التي لم يمر على نشرها أسابيع.
وتابعت: يأتي هذا في وقت تزداد فيه شدة وباء كورونا وتظهر متحورات جديدة، مما يزيد من أهمية تشجيع المواطنين على اتباع الإجراءات الاحترازية، والإفصاح عن أي مخالفات أو أوجه قصور بما يحقق المصلحة العامة، فمبادئ الشفافية ومشاركة المواطنين من أهم ضمانات التعامل الجيد مع الوباء، لأن تتبع المرض واحتواءه يستحيل تحقيقهما دون تمكين بل وتشجيع المواطنين على التعبير عما يرونه أو يتعرضون له أو حتى يتخوفون منه. وذلك بدلًا من إصدار قانون يهدد بحبس من يجرؤ على ذلك تحت مسمى مطاط وغير موضوعي يحكم على النوايا مثل تكدير السلم العام.
وأضاف البيان: كان من المفترض أن تخرج الدولة بدرس من جائحة كورونا حول أهمية الشفافية والإعلان عن المعلومات والبيانات التفصيلية أولا بأول في حالات الطوارئ الصحية لكسب ثقة المواطنين، حيث أظهرت الجائحة معاناة الأطراف المختلفة من عدم إتاحة وعدم دقة البيانات. وقد أكدت الجهات الرسمية نفسها مرارًا أن البيانات الرسمية الصادرة عن معدلات الإصابة، على سبيل المثال، لا تمثل الأعداد الحقيقية للإصابات، ولكنها مجرد مؤشر على تطور الجائحة، ذلك أن هذه الأرقام لا تشمل من تم فحصهم بالقطاعات غير الحكومية بأشكالها المختلفة، كما لا يتم اختبار كل من يظهر عليهم أعراض.
وقالت المبادرة إنه طالما طالب الباحثون والجهات المحلية والدولية بتوفير آليات أكثر دقة لإتاحة أرقام وبيانات أكثر تعبيرًا عن الوضع الحقيقي خلال الجائحة، لكن هذه المطالبات قد تصبح مجرمة باعتبارها تثير الذعر أو تهدد السلم.
وتابعت: كانت الحكومة قد تقدمت بمشروع قانون لتنظيم إجراءات مواجهة الأوبئة و الجوائح الصحية في أكتوبر الماضي، وقام مجلس النواب بإحالته إلى لجنة مشتركة من لجنة الشؤون الصحية ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بتاريخ ٣١ أكتوبر ٢٠٢١ لبحثه ودراسته، ثم قررت اللجنة المشتركة الموافقة عليه من حيث المبدأ.
كان مجلس النواب وافق مجلس النواب خلال الجلسة العامة، في يوم الثلاثاء ١٦ نوفمبر ٢٠٢١، على القانون بعد إدخال تعديل على المادة الخاصة بالعقوبات التي ينص عليها، حيث تم استثناء الصحفيين من العقوبات السالبة للحريات، بسبب المخاوف من استغلال هذه المادة في ملاحقة الصحفيين الذين يتابعون الشأن الصحي في التعامل مع الوباء (أو أي طارئ صحي أو جائحة قد تحدث مستقبلا)، واقترح رئيس لجنة الشؤون الصحية تعديل الفقرة الأخيرة من المادة، حيث إن الصحفيين لهم نص خاص في قانونهم يقيد النص العام، واقترح رئيس لجنة الصحة إضافة عبارة في بداية الفقرة الأولى “مع عدم الإخلال بأحكام المادة ٢٩ من قانون تنظيم الصحافة”، و هو ما تمت الموافقة عليه.
وقالت المبادرة إنه يعتبر استثناء الصحفيين تطورا إيجابيا في حد ذاته، لكن اعتراضات بعض النواب على المادة السالبة للحريات إجمالا لم يلق الاهتمام، حيث قالت إحدى النائبات إن الموضوع ليس فقط صحفيين لكن أي شخص يتابع حالة الوباء وينشر أي خبر مخالف، يكون معرضا للحبس، ومن بينهم مراكز الأبحاث، أطالب بحذف هذه الفقرة غير مضطرين للدخول في هذا الجزء، إلا أن القانون الذي وافق عليه البرلمان، ثم صدق عليه رئيس الجمهورية مازال يتضمن تلك المادة.
وتابعت: لذلك، وبعد التصديق على القانون، يتحتم تنظيم عمله بلوائح تنفيذية أو إجراءات تضمن عدم استغلاله بشكل يحد من حرية التعبير والبحث للأفراد.
وأضاف البيان: “دون ذلك، قد تمنع هذه العقوبة الطواقم الطبية والباحثين والمواطنات والمواطنين من الانتقاد أو التعليق أو حتى لفت النظر إلى أي من أوجه القصور المحتملة في إجراءات الدولة في التعامل مع أي جائحة أو طارئ صحي قد يحدث مستقبلا. ويضاعف هذا التخوف أن نفس هذه التهم وجهت فعلا لعاملين بالقطاع الصحي، عبروا عن قلقهم أو انتقادهم لتعامل الدولة ووزارة الصحة مع جائحة كورونا خصوصًا في شهورها الأولى، أو أولئك الذين اشتكوا من نقص المستلزمات الوقائية على صفحاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، أو أبدوا قلقهم من نقص الأكسجين وغيره”.
وقال البيان: يعطي القانون الجديد لرئيس الوزراء، بعد موافقة مجلس الوزراء، سلطة إصدار قرار بإعلان حالة تفشي الأوبئة والجوائح الصحية، لمواجهة خطر انتشار الأوبئة أو الأمراض المعدية في البلاد أو في منطقة منها.
وتابع البيان: يشترط القانون أن يكون هذا القرار محددًا بمدة لا تتجاوز عاما، وأن يعرض القرار على مجلس النواب خلال أسبوع من صدوره، أو في أول اجتماع له، كما يعرض عليه في حال تجديده لمدة إضافية.
وأضاف: أوضحت المادة الأولى من مشروع القانون التدابير والتدخلات التي يمكن اتخاذها في مواجهة الطوارئ الصحية، وتشمل 25 إجراء، مماثلة للتدابير التي أضيفت إلى قانون الطوارئ في مايو 2020 لمواجهة كورونا. ومن بين ذلك على سبيل المثال: وضع قيود على حركة الأشخاص و تعطيل العمل وتعطيل الدراسة، وتحديد مواعيد فتح وغلق المحال، بالإضافة إلى تأجيل سداد المواطنين لمستحقات خدمات الكهرباء والغاز والمياه، جزئيا أو كليا، أو تقسيطها خلال وقت الوباء.
وينص القانون على أحقية رئيس الوزراء في اتخاذ إجراءات من شأنها تحديد أسعار العلاج في المستشفيات الخاصة لمنع استغلال المرضى حال تفشي الأوبئة أو الجوائح الصحي. وهومما يسمح للدولة بالتدخل لضبط أسعار الخدمات الطبية المقدمة من القطاع الخاص في أوقات الأوبئة، ومنها على سبيل المثال أسعار التحاليل الطبية وخدمات الرعاية المركزة وغيرها، مما يتماشى مع دور الدولة في تنظيم سوق تقديم الخدمات الصحية وضمان تطبيق الحق في الصحة دون تمييز، ويعد هذا البند من أهم من إيجابيات هذا القانون.
واختتمت المبادرة المصرية أنها إذ تتفق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مع كون مشروع القانون يسد بالفعل فجوة تشريعية متعلقة بتنظيم إجراءات التعامل مع الطوارئ والجوائح الصحية، فإنها تناشد الجهات التنفيذية والتشريعية بضرورة ضبط وتقنين استخدام مواد القانون التي قد يساء استخدامها، من خلال اللوائح والقرارات التنفيذية حتى لا يمثل القانون رجوعًا للوراء من حيث حق المواطنين والمواطنات والأطباء والباحثين، في التعليق والتعبير عن آرائهم في الإجراءات المتخذة لمواجهة الطوارئ الصحية، أو المساهمة في تدقيق البيانات وتوضيح أوجه القصور القائمة.