بدائل الطوارئ.. لعبة “الجري في المحل”.. كيف كرست القوانين الاستثنائية لحالة طوارئ دائمة؟
“درب” يرصد قوانين أخرى شملت على تدابير استثنائية تحل محل الطوارئ وتجعلها مستمرة.. وحقوقيون: أغلبها بقانون مكافحة الإرهاب
بنص القوانين الجديدة: مراقبة الرسائل والمحادثات وحبس المواطنين دون محاكمة وفصل العمال ونقل السكان مستمر
نجاد البرعي لـ”درب”: أزمة الأوضاع في مصر ليست في سوء القوانين أو في الطوارئ.. المشكلة تكمن في تنفيذ القانون
بيان للمنظمات الحقوقية: تم إصدار حزمة من القوانين كرست لحالة طوارئ دائمة بغض النظر عن إعلان حالة الطوارئ أو إنهاءها
ناصر أمين: كل النصوص التي تبيح القبض والتفتيش والحبس دون التقيد بالإجراءات قد تم نقلها إلى قوانين أخرى.. لا شيء مهم
جانب مضيء.. جرائم لن تحال إلى محاكم الطوارئ بعد إلغائها: قضايا التموين ومخالفات البناء والبناء بدون ترخيص والاعتداء على الأراضي الزراعية
كتب- درب
أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، مساء الاثنين 25 أكتوبر الجاري، عدم مد حالة الطوارئ، بعد قرابة 5 سنوات من فرضها في 2017، حيث يتم مدها أو إعادة تطبيقها كل 3 أشهر بموافقة من مجلس النواب المصري.
بين ترحيب وتقليل من أهمية الخطوة، جاءت ملاحظات منظمات المجتمع المدني بشأن قرار إلغاء الطوارئ، وهل حقا سيتغير الوضع وستقل الإجراءات الاستثنائية التي كان يوفرها القانون؟ لذلك كان لنا هذا البحث في عدة قوانين أخرى صدرت خلال السنوات الماضية.
“تشريعات شرعنت التدابير الاحترازية”.. هكذا وصفت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في بيان لها مساء اليوم الثلاثاء، القوانين الأخرى التي صدرت خلال السنوات الأخيرة، والتي حملت في مضمونها نفس التدابير التي تم منحها للرئيس خلال الطوارئ.
وبموجب قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وأخر تعديلاته في 2020 بعد جائحة كورونا، يحق للرئيس اتخاذ تدابير استثنائية تصل لـ24 تدبيرا، تشمل العديد من الإجراءات سواء المتعلقة بحرية الاجتماعات والتنقل وحتى أخر تعديل والخاص بالمستشفيات الميدانية وعملها في أوقات الأوبئة.
ومن بين هذه التدابير في قانون الطوارئ، وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة، والقبض على المشتبه فيهم والخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بالإجراءات الجنائية.
وأيضا واحد من أخطر التدابير الاستثنائية في الطوارئ، هو الأمر بمراقبة الرسائل أياً كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكافة وسائل التعبير.
وبموجب المادة 40 من قانون الإرهاب الصادر في 2015، فإن تدبير التحفظ على المواطنين لمدد قد تطول دون محاكمة أو تحقيق، سيظل قائما، حيث تنص المادة على “لمأمور الضبط القضائي، لدى قيام خطر من أخطار جريمة الإرهاب ولضرورة تقتضيها مواجهة هذا الخطر، الحق في جمع الاستدلالات عنها والبحث عن مرتكبيها والتحفظ عليهم لمدة لا تجاوز أربع وعشرين ساعة، ويحرر مأمور الضبط القضائي محضراً بالإجراءات، ويعرض المتحفظ عليه صحبة المحضر على النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بحسب الأحوال، وللنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة، لذات الضرورة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة وقبل انقضاء المدة المنصوص عليها فيها، أن تأمر باستمرار التحفظ، لمدة أربعة عشر يوما، ولا تجدد إلا مرة واحدة، ويصدر الأمر مسببا من محام عام على الأقل أو ما يعادلها”.
أيضا فيما يتعلق بالتدبير الثاني في قانون الطوارئ والخاص بالتسجيل للمواطنين ومراقبة الرسائل والمحادثات، فإنه أيضا بموجب قانون مكافحة الإرهاب، مازال قائما.
وتنص المادة 46 من القانون في هذا الشأن على “للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة، بحسب الأحوال، في جريمة إرهابية أن تأذن بأمر مسبب لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً، بمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، وتسجيل وتصوير ما يجري في الأماكن الخاصة أو عبر شبكات الاتصال أو المعلومات أو المواقع الإلكترونية وما يدون فيها، وضبط المكاتبات والرسائل العادية أو الإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات بجميع أنواعها. ويجوز تجديد الأمر المشار إليه في الفقرة الأولى من هذه المادة مدة أو مدداً أخرى مماثلة”.
تدبير أخر أسس له قانون مكافحة الإرهاب بعد وسيزل قائما حتى بعد نهاية قانون الطوارئ، وهو التدبير الخاص بسلطة رئيس الجمهورية لإخلاء بعض المناطق السكنية أو عزلها أو نقلها في حالات الخطر وقيام العمليات الإرهابية أو ما يترتب عليها.
حيث جاءت نص المادة 53 من مكافحة الإرهاب، مطابقة للتدبير السادس في المادة 3 من قانون الطوارئ، والتي تنص على ” لرئيس الجمهورية، متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليها كوارث بيئية، أن يصدر قراراً باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، على أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تجاوز ستة أشهر”.
وبالانتقال من قانون مكافحة الإرهاب إلى القانون رقم 135 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون الفصل بغير الطريق التأديبي، نجد أيضا أن هذا القانون منح رئيس الجمهورية سلطة فصل العامل بغير الطريق التأديبي.
حيث نصت المادة من قانون الفصل بغير الطريق التأديبي على “يكون فصل العامل (…) مسببا ويصدر من رئيس الجمهورية أو من يفوضه بناء على عرض الوزير المختص بعد سماع أقوال العامل، ويخطر العامل بقرار الفصل ولا يترتب على فصل العامل حرمانه من المعاش أو المكافأة”.
في المقابل، جاء إلغاء رئيس الجمهورية لتمديد حالة الطوارئ فيما يتعلق بعدة قضايا أخرى كانت تحالف خلال فرض الطوارئ إلى محاكم جنح أمن الدولة، ولكن بعد وقف العمل بقانون الطوارئ، سيتم إحالتها إلى القضاء الطبيعي بدلا من القضاء الاستثنائي.
وأبرز هذه القضايا التي كانت تحالف في السابق إلى محاكم الطوارئ، قضايا التموين في القانون رقم 95 لسنة 1945، وقضايا الاعتداء على الأراضي الزراعية وفق القانون رقم 53 لسنة 1966، وقضايا مخالفات البناء والبناء بدون تراخيص في القانون رقم 119 لسنة 2008.
وجاء ذلك بحسب قرار رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 18 يوليو 2021، والذي أوضح وحدد الجرائم التي تحال إلى محاكم الطوارئ، إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015.
من جانبه، قال المحامي الحقوقي نجاد البرعي، إن “أزمة الأوضاع في مصر ليست في سوء القوانين أو في فرض حالة الطوارئ أو غيرها، المشكلة الحقيقية تكمن في تنفيذ القانون بشكل لا يراعي روحه وحقوق الإنسان وأسباب تشريعه، فأي قانون من شأنه أن يكون جيدا حال توافر شرطي النزاهة وحسن النية في تطبيقه”.
وأضاف البرعي، في تصريحات لـ”درب”، حول وجود تشريعات أخرى توفر الغطاء القانوني للتدابير الاستثنائية: “لا يوجد تشريع أفضل من الدستور، لكن حال عدم تنفيذ مواده سيصبح بلا أي قيمة، الفرد قد يتحايل على القانون أو يتعسف في استعمال حقوقه، لكن ذلك لا يجب أن يكون نهج السلطة، فهي المنوطة بتنفيذه بنزاهة”.
وقال البرعي: “إلغاء حالة الطوارئ لن يكون مفيدا ما لم تنعكس إلى خطوات على الأرض، بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا لمدة تخطت العامين دون محاكمة، وعدم تدويرهم في قضايا جديدة، مع إعادة محاكمة المحالين إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، والتوقف عن الحبس في قضايا الرأي والنشر”.
واختتم البرعي حديثه قائلا “إحنا مش بنطالب بأكثر من إعمال نصوص الدستور والقانون وتطبيقها بنزاهة، مش طالبين أي حاجة تانية في الدنيا، كتير علينا الكلام ده؟”.
“لا شيء مهم”.. هكذا علق المحامي الحقوقي البارز ناصر أمين على نفس نقطة وجود قوانين أخرى ضمنت بقاء استمرار التدابير الاستثنائية حتى بعد إلغاء الطوارئ، بسبب القوانين الأخرى التي صدرت خلال السنوات الماضية.
وقال أمين: “كل النصوص الاستثنائية التي تبيح القبض والتفتيش والحبس دون التقيد بقانون الإجراءات الواردة في قانون الطوارئ قد تم نقلها إلى قوانين أخرى وهي مازلت سارية ولا يتطلب تطبيقها إعلان حالة الطوارئ”.
وأعطى ناصر أمين أمثلة بقانون مكافحة الإرهاب وقانون الكيانات الإرهابية. وقال “مازال لدى السلطة التنفيذية السند التشريعي لعدم الالتزام بقانون الإجراءات الجنائية الطبيعي، لا شيء مهم”.
وفي بيان مشترك لـ8 من منظمات ومؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في مصر، قالوا إن “الحالة المتدهورة لحقوق الإنسان في مصر تحتاج لما هو أكثر من مجرد إعلان إنهاء حالة الطوارئ، خاصة في ظل كثافة القوانين الاستثنائية التي تُدار بها الدولة منذ 2013”.
وقال البيان: “لقد تم إصدار حزمة من القوانين كرست لحالة طوارئ دائمة بغض النظر عن إعلان حالة الطوارئ أو إنهاءها، أبرزها قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، الذي قنن ارتكاب الأجهزة الأمنية لجرائم الإخفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون في إطار مكافحة الإرهاب خلال السنوات الماضية. هذا بالإضافة إلى سياسة الإفلات من العقاب التي دعمها القضاء المصري بشقيه المدني والعسكري عن جرائم مقتل المدنيين في سيناء. أما القانون رقم 8 لسنة 2015 والخاص بتنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، فقد أفضى إلى سهولة إدراج النشطاء والكيانات المستقلة على قوائم الإرهاب بناء على تحريات أمنية دون أي تحقيق”.
وأردف “كما أصدر الرئيس قرار بقانون رقم 136 لسنة 2014، بشأن تأمين المنشآت العامة والحيوية، والذي شرعن لمثول المدنيين أمام محاكمات عسكرية. هذا بالإضافة للقانون رقم 13 لسنة 2017؛ الذي منح رئيس الجمهورية سلطة اختيار وتعيين رؤساء الهيئات القضائية، بما في ذلك محكمة النقض ومجلس الدولة، في عدوان على مسار العدالة ومخالفة للدستور، الأمر الذي اُستكمل بالتعديلات الدستورية 2019 وبموجبها أصبح رئيس الجمهورية رئيسًا للمجلس الأعلى للقضاء”.
وأوضح البيان أن “هذه القوانين والتشريعات المستمر عملها حتى بعد إلغاء حالة الطوارئ تكرس لحالة طوارئ غير معلنة، وتضمن غياب كافة الضمانات الحقوقية التي كفلها الدستور المصري، ناهيك عن استمرار المحاكمات أمام دوائر الإرهاب والمحاكم العسكرية أو حتى دوائر الجنايات العادية، والتي تستوي في إغفالهما لضمانات المحاكمة العادلة والمستقلة مثلها مثل محكمة أمن الدولة العليا طوارئ”.