بتسأليني متّْ ليه؟.. عن ميدو زهير الشاعر “اللي داير في البلاد.. يبلع ترابك ريق”
كتب – محمود هاشم
“بتسأليني متّْ ليه؟ كنت بجري عايز أوصل، وأنتي كنتي بلاد بعيدة”، بهذه البساطة والتلقائية رسم ميدو زهير طريقه الخاص لمحطته الأخيرة، لا عقبات لا تبريرات للألم والمصير، فقط هو طول المشوار الذي يكتب علينا أحيانا النهاية في منتصف الرحلة.
كأحد المواهب الواعدة من أبناء جيله، كان زهير يمثل لمحبي الشعر والغناء نقطة ضوء في مستقبل تلقى فيه الكلمة تقديرها ويستشعر المستمعون مدلولاتها فتعرف طريقها إلى قلوبهم دون استئذان، حيث لا مبرر للابتذال من أجل النجاح، فقط “نقاوة الكلمة” ولا غيرها هي ما تبقى بعد كل شيء.
“راح الصبر ورجع الصبر وتعب القلب، ولسه كتير”، آثر الشاعر الشاب الرحيل مبكرا صباح اليوم بهبوط حاد في الدورة المدوية، ليترك غيابه المفاجئ غصَّة في قلوب أحبابه، لا يهون منها سوى ترديدهم كلماته للوطن والحبيبة والمهمشين في الأرض.
تناسب الهدوء والطلة الخفيفة لميدو زهير عكسيا مع الصخب والشهرة الواسعة والمستحقة اللذين حققتهما أغانيه من قبل بداية ثورة 25 يناير حتى أيامه الأخيرة، ليجسد مع الفرق الشابة حينها لونا جديدا من الموسيقى المعبرة عن آمال وتطلعات وهموم جيل من المتطلعين لوطن على قدر حلمهم.
ما تزال كلمات الشاب الأربعيني تتردد على أسماع معظم أبناء جيلنا، فحينما نفكر في “اللي داير في البلاد” نتذكر له “زحمة” و”أزرق” لـ”بلاك تيما”، و”يا بلدي طول الطريق ببلع ترابك ريق” بصوت مريم صالح، وحين يغلبنا الحب نستحضر فرقة وسط البلد بـ”عانقيني”، وغيرها، ليس لمجرد إحياء الذكرى، بل لإعطائه مكانته التي يستحق.
“ولأن بابك كان مقفول دخلت من باب الخروج، فخرجت من باب الدخول”، يصر “الراوي” في جميع أحاديثه على تجاهل قلة حظه بين أوساط جيله: “أنا عشت كويس وشفت وعانيت واستمعت وعرفت وهمت، أما معرفة الناس بي والشهرة والفلوس دي حقوق وهمية تشغل الشخص عن إنسانيته، وتربكه، وتنسيه نفسه وأصحابه الحقيقيين، وتمنعه يعيش حياة سوية حقيقية يحس بمتعتها”.
رحل زهير، لكنه ترك رؤية فنية وإنسانية تليق به وبنا، ليترك شريط كلماته حزنا “عشان ننبسط”، وموتا “علشان يرتاح”.