انفجار لبنان بين “نظرية المؤامرة” والاتهامات المتبادلة: حادث متعمد أم إهمال جسيم؟
ترامب يقول إن الحادث “هجوم رهيب”.. ومسؤولون عسكريون أمريكيون ينفون لـ”سي إن إن”: لا نعرف عما يتحدث
مقال لباحث أمريكي: مصدر إسرائيلي سري للغاية أخبرني أن إسرائيل تسببت في الانفجار الهائل
باحثة بمعهد الحوار الاستراتيجي: رأينا مصادر معروفة لنشر التضليل تنشر مزاعم لا أساس لها حول طبيعة ودوافع الانفجار
جماعة كيو أنون الأمريكية: الهجوم مرتبط بـ (حرب بين الحكومة والجهاز المصرفي المركزي).. و”بي بي سي” ترد: الجماعة تتبع نظرية مؤامرة واسعة النطاق
كتب – أحمد سلامة
مازالت أصداء انفجار لبنان تلقي بظلالها على التحليلات العالمية، تثير نظريات وتستبعد نظريات أخرى، اتهامات متبادلة بين أطراف مختلفة، وتصريحات متضاربة ومقالات تُحمّل أطرافًا خارجية وداخلية كامل المسئولية.
سلطات مدينة بيروت قالت إن ما لا يقل عن 300 ألف من سكان العاصمة أصبحوا بلا مأوى، في حين يقدر إجمالي الأضرار المادية التي لحقت بالمنطقة التي شملها الانفجار بنحو 15 مليار دولار، علاوة على مقتل 135 شخصا، وإصابة الآلاف.
محافظ بيروت، مروان عبود، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية أكد أن “نحو نصف بيروت تضرر أو تدمر. إنه وضع كارثي لم تشهده بيروت في تاريخها”.
فيما قال الرئيس اللبناني ميشال عون إن 2750 طنا من نترات الأمونيوم كانت مخزنة بطريقة غير آمنة في مستودع لنحو ست سنوات.
لكن ما قاله عون لم يوقف النظريات التي خرجت من هنا ومن هناك حول أسباب الحادث وما إذا كان جراء إهمال جسيم أو تدبير مخطط.
الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أثناء حديثه للصحفيين في البيت الأبيض يوم الثلاثاء، أبدى تعاطفه ومساعدته لشعب لبنان بعد الانفجار الذي خلف عشرات القتلى وجرح الآلاف، وأشار إلى الحادث على أنه «هجوم رهيب».
حسب شبكة “سي إن إن” فإن المسؤلين اللبنانيين لم يصفوا الانفجار بأنه هجوم، لكن بعد تصريحات ترامب، أثار مسؤولون لبنانيون مخاوف مع دبلوماسيين أمريكيين بشأن استخدام كلمة “هجوم” في هذه المرحلة.
وردا على سؤال عما إذا كان واثقا ما إذا كان الانفجار هجوما وليس حادثا، قال الرئيس الأمريكي إنه «يبدو» كما هو (هجوما)، بناء على ما قاله له “مسؤولون عسكريون أمريكيون”.
وعلى الرغم، من أن مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية نفوا أن يكون سبب الانفجار الضخم الذي وقع يوم الثلاثاء في العاصمة اللبنانية بيروت هجوما وليس حادثا، حيث أكدوا أنهم لا يعرفون عما يتحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. إلا أن ما قاله ترامب لاقى رواجًا ونظريات تؤيده.
في مقال نشره الدكتور تيكون أولام، الباحث الأمريكي اليهودي، عبر مدونته، قال فيه “أخبرني مصدر إسرائيلي سري للغاية، أن إسرائيل تسببت في الانفجار الهائل الذي وقع في ميناء بيروت، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة الآلاف، كما أدى إلى تدمير الميناء نفسه وتسبب في أضرار جسيمة في جميع أنحاء المدينة”.
على صفحات المُدونة يُعرف أولام عن نفسه: “حصلت على بكالوريوس وبكالوريوس في العلوم من كلية اللاهوت اليهودية وجامعة كولومبيا، وعلى ماجستير في الأدب المقارن من جامعة كاليفورنيا، ودرست للحصول على الدكتوراة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. قضيت سنتي الجامعية والدراسات العليا في دراسة الأدب العبري، وشاركت في تأسيس مهرجان الموسيقى اليهودية بمنطقة الخليج”.
يضيف تيكون أولام “استهدفت إسرائيل مستودع أسلحة تابع لحزب الله في الميناء وخططت لتدميره بعبوة ناسفة. بشكل مأساوي، لم تقم المخابرات الإسرائيلية ببذل العناية الواجبة تجاه هدفها. لذلك لم يعرفوا (أو إذا كانوا يعرفون، لم يهتموا) أن هناك 2700 طن من نترات الأمونيوم مخزنة في مستودع مجاور. أدى الانفجار في مستودع الأسلحة إلى اشتعال السماد، مما تسبب في الكارثة التي نتجت عن ذلك”.
ويتابع “من غير المعقول بالطبع أن العملاء الإسرائيليين لم يحددوا كل شيء حول هدفهم بما في ذلك ما كان في جواره المباشر. إن المأساة التي خلفتها إسرائيل هي جريمة حرب كبيرة الحجم”.
ويسترسل “على الرغم من أن إسرائيل هاجمت بانتظام مستودعات وقوافل حزب الله وإيران في سوريا ، إلا أنها نادراً ما تنفذ مثل هذه الهجمات الوقحة داخل لبنان. يمثل هذا الهجوم في عاصمة البلاد تصعيدًا أكبر. إن التهور المطلق لهذه العملية أمر مذهل”.
ويشير أولام إلى أن الخلل السياسي الداخلي ساهم في وقوع الانفجار، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن ما حدث يذكرنا بتفجيرات مماثلة دبرها عملاء الموساد في بيروت في الفترة التي سبقت وتلت غزو عام 1982.
ويلفت أولام النظر إلى أن عضو الكنيست السابق في حزب الليكود موشيه فيجلين، غرد عبر صفحته الرسمية مقتبسا من الميشناه “يحتفل” بالكارثة: “لم تكن هناك أيام عظيمة في إسرائيل مثل الخامس عشر من آب (يوم الحادث) ويوم كيبور”.
حول تصريحات ترامب يعود الدكتور أولام فيعلق قائلا “ترامب قال ترامب للصحفيين إن جنرالات أطلعوه على أن الانفجار في ميناء رئيسي في بيروت كان (هجومًا) و (قنبلة) من نوع ما”.
ويضيف “يمكنني أن أخبركم أن التقرير الأولي كان بالضبط ما شاركه الرئيس معكم جميعًا. لقد علمت أنه تم إطلاعه على ذلك. وتناولت التقارير الأولية وقوع انفجار، وهو ما لم يتم استبعاده تماما حتى الآن”.
ويستكمل “ستكون هذه معلومات سرية للغاية، مما يعني أن ترامب كشف مرة أخرى أسرار وأساليب المخابرات الأمريكية، وهو ما لا ينبغي لأي رئيس أن يفعله. إنه يذكرنا بالحلقات السابقة التي شارك فيها مثل هذه المعلومات الحساسة للغاية مع المسؤولين الروس. وهذا هو السبب الذي يجعل مسؤولي المخابرات الأمريكية يفعلون كل ما في وسعهم لإخفاء مثل هذه المعلومات عنه”.
وتقول “بي بي سي” في تقرير نشرته على موقعها إن ” تغريدة – حذفت لاحقا – أشارت إلى أن الانفجار كان (ذريا)، ونشر التغريدة حساب على تويتر يتابعه أكثر من 100 ألف شخص، وحصد الآلاف من المشاركات والإعجابات”.
لكن “بي بي سي” تستدرك قائلة “سارع خبراء الأسلحة إلى نشر تقارير تنفي الانفجار الذري، وأشاروا إلى أن الانفجار لو كان ناجما عن مواد نووية لكان قد ظهر وميض أبيض يعمي البصر، وكذلك ارتفاع في الحرارة كانت ستحرق الناس بشدة، كما أن السحب البيضاء التي تشبه عيش الغراب لا تظهر فقط بسبب القنابل النووية. ووفقا للخبراء، فهي نتيجة لضغط الهواء الرطب، الذي يكثف الماء ويكون السحابة”.
وتستكمل “استمرت الادعاءات التي لا أساس لها في الانتشار، وألقت بمسؤولية الهجوم بـ(القنبلة النووية) على الولايات المتحدة أو إسرائيل أو حزب الله. وتم نشر هذه الإدعاءات على المواقع الإخبارية التابعة لكل طرف. وكذلك نشرتها شخصيات عامة”.
وتضيف “ودخلت الجماعات المتشددة والمتطرفة على الخط وشاركت نظريات المؤامرة على فيسبوك و4 شات وريديت وتطبيق تليغرام للمراسلة، وفقا لبحث من معهد الحوار الاستراتيجي”.
وتسترسل “ركزت الرسائل بشكل رئيسي على الادعاءات الكاذبة بأن ما حدث كان هجوما إسرائيليا، إما بقنبلة أو ضربة صاروخية على مستودع أسلحة تابع لحزب الله”.
كلوي كوليفر، من معهد الحوار الاستراتيجي، تقول “رأينا مصادر معروفة لنشر التضليل، منها شبكات جماعات اليمين المتطرف على الإنترنت، تنشر مزاعم لا أساس لها حول طبيعة ودوافع الانفجار”.
نظرية المؤامرة تبنتها جماعات اليمين، بما في ذلك أنصار جماعة كيو أنون في الولايات المتحدة، حيث بدأوا في تبادل ادعاءات روجوها عبر فيسبوك حول الانفجار.. وأشاروا إلى أن الهجوم مرتبط بـ (حرب بين الحكومة والجهاز المصرفي المركزي)، في لبنان.
“بي بي سي” وصفت جماعة كيو أنون بأنها تتبع نظرية مؤامرة واسعة النطاق حيث تقول إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشن حربا سرية ضد النخبة الذين يعبدون الشيطان والمعتدين على الأطفال في الحكومة والاقتصاد ووسائل الإعلام، وتزعم أن ترامب وأنصاره يتعرضون لمؤامرة من تدبير ما يسمى “الدولة العميقة”.
وتضيف “بي بي سي” قائلة “تضمن ذلك نظريات تحاول ربط الانفجار بإسرائيل أو دول أخرى، بينما رفضت السلطات في لبنان وإسرائيل تلميحات تتهم إسرائيل بالوقوف وراء الحادث”.
لكن الدكتور أولام يعود في مقاله، ويمضي في نظريته متسائلا “ألم يكن وزير الدفاع بيني غانتس هو الذي هدد الأسبوع الماضي لبنان نفسه بتدمير البنية التحتية؟ ألم يهدد رئيس الوزراء لبنان أيضا؟ وكيف يبدو تدمير البنية التحتية في لبنان؟ تماما مثل ما شوهد في لبنان يوم الثلاثاء. هز صوت الرعد المدينة ، وتصاعد الدخان الأسود فوقها ، ودمار وخراب ، وسفك دماء مدنيين ، وجرح 4000 على أبواب المستشفيات”.
ويضيف “عادة، لن يراقب الإسرائيليون مثل هذه المجزرة. لقد اعتادوا على المعاناة التي يلحقونها بجيرانهم العرب.. لا يبدو أن لدى إسرائيل أي شعور بالخزي أو ضبط النفس عندما يتعلق الأمر بإلحاق الألم بجيرانها، ولكن بالنظر إلى شعبية نتنياهو المنهارة ، فإن هذا قد يعجل بنهايته”.
وبعيدًا عن الاتهامات المتبادلة وما يتم تداوله، فقد اتخذت الحكومة اللبنانية إجراءات ضد “الإهمال الجسيم” الذي كان سببًا رئيسًا في وقوع الحادث.
ففي جلسة طارئة لمجلس الوزراء اللبناني، عُقدت الأربعاء، أعلنت الحكومة وضع عدد من مسؤولي مرفأ بيروت، الذين يشرفون على التخزين والتأمين منذ عام 2014، قيد الإقامة الجبرية، انتظارا لنتائج التحقيق الجاري في انفجار المرفأ.
ولا يُعرف عدد المسؤولين الذين سيطبق عليهم القرار، كما لا تعرف مستوياتهم الوظيفية، غير أن وزيرة الإعلام منال عبد الصمد قالت إن قرار الإقامة الجبرية سيطبق على جميع مسؤولي المرفأ “الذين تعاملوا مع تخزين نترات الأمونيوم وحراستها ومعالجتها” منذ يونيو 2014.
وسوف تسند مهمة تنفيذ الإقامة الجبرية إلى الجيش اللبناني حتى تحدد المسؤولية وراء الانفجار الضخم الذي وقع في المرفأ الثلاثاء، بحسب ما قالته المصادر.