“الولاية حقي”| عن مأساة أن تعيشين “ناقصة الأهلية” لمجرد كونك امرأة (حقوق ضائعة بين ازدواجية مجتمع وتعنت قانون)
كتب- محمود هاشم:
أثارت التعديلات المقدمة من الحكومة بشأن قانون الأحوال الشخصية المقدم إلى البرلمان في فبراير الماضي، جدلا واسعا على المستويات الشعبية والحقوقية، خاصة فيما يتعلق بالمرأة، في الوقت الذي رأت منظمات وجمعيات مختصة أن مواد القانون تكرس لعدم المساواة وسياسة التمييز في كثير من القضايا والحقوق.
مؤسسة “المرأة والذاكرة” دشنت حملة موسعة لإقرار حق الولاية للنساء على أنفسهن وأطفالهن في القانون، رافضة ما وصفتها بـ”النصوص التمييزية التي تنفي عن النساء الأهلية القانونية مخالفة للدستور وللواقع المعاش للنساء المصريات في القرن الواحد والعشرين”.
ووفقا للمشروع المقترح، تعد النساء – بغض النظر عن السن أو المستوى التعليمي أو الخبرة العملية والحياتية – ناقصات الأهلية والقدرة التي تؤهلهن لإدارة شؤونهن الخاصة وشؤون أطفالهن، فلا تعترف بولايتهن على أنفسهن وعلى أطفالهن، وتظل خاضعات لسيطرة الذكور في العائلة، بل وصل الأمر إلى استحداث نص يعطي السلطة للولي فسخ زواج من تقع تحت ولايته من النساء الرشيدات بحجة عدم الكفاءة، وفقا للمؤسسة.
وشددت “المرأة والذاكرة” على أننا الآن في أمس الحاجة إلى قانون يحقق العدالة لجميع أفراد الأسرة ويحافظ على المصلحة الفضلى للأطفال، يقر بولاية المرأة الرشيدة على نفسها وأطفالها، وينظم إجراءات الزواج والطلاق والنفقة والحضانة أمام المحكمة على أساس العدل والرحمة وعدم التمييز.
واعتبرت أن المشروع المقترح جاء مخيبا للآمال بسبب انفصاله عن الواقع المعاش للنساء والرجال، وتغاضيه عن المتاعب والمعاناة التي تتكبدها النساء في ظل قوانين مجحفة، وأيضا بسبب تبنيه أفكار وافتراضات قديمة عن أدوار النساء تجاوزها الزمن وتجاوزتها المجتمعات الحديثة.
دعت المؤسسة في حملتها “كل من اصطدمت بتعليمات أو قوانين ظالمة في تعاملها مع مدرسة أطفالها، أو مؤسسات الدولة، أو البنوك، أو المحاكم، لأن ليس لديها حق الولاية على نفسها وأولادها”، إلى مشاركة حكايتها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على الآثار المترتبة على هذا الوضع، لتصحيح المسار من أجل إصدار قانون أحوال شخصية يليق بمصر والمصريين.
تروي رئيسة مجلس أمناء مؤسسة المرأة والذاكرة، ومقررة لجنة الحقوق والحريات المنبثقة عن لجنة الخمسين لتعديل الدستور سابقا، الدكتورة هدى الصدة، قصتها قائلة: “ابني دخل مدرسة كان أحد متطلبات القبول بها شراء أسهم مساهمة في المدرسة على أن يتم استرداد قيمة الأسهم إذا خرج ابنى من المدرسة قبل الثانوية العامة”.
وتضيف: “فعلا حدث أن خرج ابني من المدرسة في السنة الرابعة ابتدائي وذهبت لسحب أوراقه واسترداد قيمة الأسهم وكانت المفاجأة أنني لا أستطيع سحب الأوراق أو قيمة الأسهم وعلى زوجي الحضور شخصيا، هذا مع العلم أن علاقة زوجي بالمدرسة كانت شبه منعدمة، وكل الأوراق والشهادات التي لديهم بها إمضائي، لكن لا يمنحني القانون الولاية التعليمية على أولادي”.
تكشف الصدة عن معاناة النساء من أزمة الولاية برواية أخرى قائلة: “اقترحت أمي فتح دفاتر توفير لابني وابنتي القصر وخصصت مبلغ من المال لهذا الغرض وأعطته لي، ذهبت إلى بنك مصر لفتح حسابات توفير وقيل لي أن على الأب الولي الحضور إلى البنك لفتح الحسابات، انزعجت جدا وكلمت صديقة محامية للاستفسار عن موقف البنك العجيب فنصحتني بالتوجه للبنك الأهلي. فعلا ذهبت إلى البنك الأهلي ولم أواجه مشكلة في فتح حسابات لأولادي وأودعت بها المال، لكن كانت المفاجأة أنه بعد إيداع المال، لم يكن لي حق التصرف في إدارة هذا المال الذي أودعته بنفسي وأن زوجي له حق التصرف إلى أن يبلغ الأولاد سن الرشد”.
لا يعد مشروع تعديلات على قانون الأحوال الشخصية جديدا، حيث عرض التعديلات المقترحة على مجلس النواب في العام الماضي، إلا أن تصاعد الاعتراضات على بنودها دفعت المجلس لتأجيل مناقشتها في الدورة التشريعية الحالية، لتجدد الانتقادات مع التعديلات الحكومية المقترحة.
تنتقد الأكاديمية النسوية وإحدى مؤسسات “المرأة والذاكرة” الدكتورة هالة كمال، مشروع التعديلات الحكومية قائلة: “يتعامل القانون معنا – نحن النساء المصريات – بازدواجية لامعقولة، فنحن كاملات الأهلية والمسؤولية في القانون المدني ومسلوبات الأهلية في الأحوال الشخصية. وبدلا من أن يقضي القانون على الأعراف البالية، نجده يدعمها ويؤيدها”.
وتوضح: “فقد تصورت في عام 2005، بعد إقرار عقد الزواج الجديد، أنني سأقوم بتزويج نفسي وأنا في الثلاثينيات من عمري وحاصلة على أعلى الدرجات العلمية وأعمل في الجامعة، اتضح أن ذلك غير مقبول لأني لم يسبق لي الزواج، وبالتالي يقوم الوليّ بتزويجي، وهو ما تم بالفعل، وإن كان إحساسي لم يكن بالمرارة التي كنت سأشعر بها إن لم يكن والدي وقتها على قيد الحياة، فقد قام والدي بهذا الدور، وبالتالي أعفاني من أن يتم تزويجي بولاية أي رجل من عائلتي”.
تشدد هبة صالح على رفضها أي قانون يعتبر المرأة ناقصة الأهلية، متسائلة: “إزاي يبقي عندنا 8 وزيرات، وبعدين يقترح قانون أن أي ذكر من عائلاتهن يقدر يمنعهن من السفر، أي واحدة من دول متقدرش تطلع شهادة ميلاد لطفلها، إحنا ماشيين في اي اتجاه؟ المرأة هتدخل مجلس الدولة وًتبقي وًكيلة نيابة، لكن ممكن أبوها أو أخوها يطلقها من جوزها، لأنه شايف أنهما غير متكافئين”.
المناضلة الحقوقية والنسوية ومدير مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، الدكتورة ماجدة عدلي، عاصرت عشرات القصص عن إشكاليات حرمان الأم من الولاية على أولادها، لمجرد كونها امرأة، حسبما تشرح.
أحد النماذج التي تتحدث عنها ماجدة عدلي، سيدة تعيش في إحدى محافظات الوجه البحري، تتعرض للعنف من الزوج وكذلك بناتها وأولادها، تهرب للقاهرة، تتعذب وبناتها وأولادها بسبب عدم حصولها على الولايات التعليمية، المدارس بمحافظة والحياة بأخرى، تعجز بعد رحلة عذاب من الحصول على الولاية التعليمية.
وتضيف، ضمن مشاركتها في حملة “الولاية حقي”: “هذه رحلة عذاب أخرى فالشقة إيجار جديد ودون عقد، ولا يوجد عداد كهرباء باسم السيدة بالتبعية، فلا يمكن إثبات محل السكن الجديد لنقل الملفات بين المحافظات، بعد حين نجحت في ملفات المدارس وعجزت في ملفات الجامعة”.
وتستكمل: “البديل التقديم على سكن في المدينة الجامعية بالمحافظة السابقة، للأسف حتى هذا لم ينجح فالمدينة للمغتربات عن المحافظة ومحل الإقامة الرسمي كان في تلك المحافظة التى عاشت بها الأسرة قبل أن تهرب من دائرة العنف، هذه قصة من عشرات القصص التي عايشتها”.
الدكتورة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة نجلاء رزق، أستاذة جامعية لها تاريخ في الحياة الأكاديمية وفي التعليم والبحث على المستويين المحلي والدولي، لكنها تواجه مشاكل مماثلة.
تقول نجلاء، ضمن مشاركتها في الحملة: “من أكتر من ١٥ سنة كنت رئيس لقسم اقتصاد فيه أساتذة رجال منهم أساتذتي من وقت ما كنت تلميذة، وكنت من 10 سنين عميد مشارك لكلية إدارة الأعمال، فيها كم من الأساتذة الأفاضل رجال ونساء، ومع ذلك ما كانش لي الحق أني افتح حساب لأولادي في بعض البنوك في مصر لمجرد أني ست”.
المديرة التنفيذية لمؤسسة المرأة والذاكرة داليا الحمامصي، تكشف عن مشكلة أخرى تواجهها النساء في قضية الولاية، قائلة: “لما ولادي باباهم توفى اكتشفت أن لازم المحكمة تديني حق الوصاية عليهم، ورقة مكتوب فيها أني وصية على (أبنائه) وبقيت في كل تعاملاتهم الرسمية لازم الورقة دي تكون معايا، لأني بدونها ماليش الحق في التصرف، لأن كوني أمهم بس مش كفاية، لأن ولادي لا مكتوبين على بطاقتي ولا باسبوري”.
الأمر يتعدى التعقيدات والقضايا الشائكة، بل يدخل أيضا حتى في أبسط التعاملات، حيث فوجئت دعاء حسن خضر أنها من غير المسموح لها كأم بتعديل اسم ابنها، كما تود أن يظهر في شهادة ميلاده، وأن المسموح لهما بذلك هم الأب وأم الأب فقط.
في السابع من مارس الحالي، أعربت 7 منظمات حقوقية رفضها التام تعديلات قانون الأحوال الشخصية المقترحة من الحكومة، والمعروضة على مجلس النواب تمهيدًا لإقرارها.
وضمت المنظمات، في بيان مشترك، اليوم الأحد، صوتها لأكثر من ٣٠٠ منظمة نسوية وشخصية عامة أعلنت رفض هذه التعديلات، قائلة إنه تم إعداد هذه التعديلات في الظلام، من خلف ظهر المجتمع المدني، خاصة المنظمات النسوية والحقوقية، في “سياسة متعمدة اتبعتها كل الحكومات والمجالس النيابية في السنوات السبع الأخيرة، إزاء كل مشاريع القوانين الحيوية ذا الصلة بتطور المجتمع”.
وأوضحت أن التعديلات المقترحة تعصف بنضال امتد لـ100 عام للحركة النسوية المصرية، حققت خلالها الحركة مكاسب نسبية، يعصف هذا القانون الجديد بجميعها، رغم إعداده في عهد نظام سياسي يدعي الدفاع عن قضايا النساء، ويزعم حرصه على تجديد الخطاب الديني.
وفقًا لمسودة قانون الأحوال الشخصية المقترحة، لا تتمتع المرأة، حتى وإن كانت وزيرة، بولاية تعليمية على أبنائها وفقًا لمسودة قانون الأحوال الشخصية المقترحة، لا تتمتع المرأة، حتى وإن كانت وزيرة، بولاية تعليمية على أبنائها، حيث يتبنى – بحسب المنظمات – “فسلفة إزدرائية بحق المرأة المصرية، إذ يسلب أهليتها القانونية في إبرام عقد الزواج، فيمنح الولي الحق في فسخ العقد قضائيًا دون موافقتها، هذا بالإضافة إلى عدم إقرار مشروع القانون بشهادة المرأة على عقود الزواج، وعدم الاعتراف بولاية الأم على أموال أطفالها القصر واقتصارها على الأب والجد دون غيرهما، حتى وإن كانت الزوجة هي المعيلة للأسرة بأكملها، كذلك استمر المشروع في التمييز ضد المرأة المسيحية، بحرمها من حضانة أبناءها لو تحول زوجها إلى الإسلام”.