النقابي جمال عثمان يروي لـ”درب” قصة عودة شركة طنطا للكتان بعد خصخصتها: هكذا بدأت الأزمة.. وهذا ما فعلناه دفاعًا عن المال العام
أجرت الحوار – إيمان عوف
16 عامًا بين أروقة المحاكم وعلى رصيف مجلس الشعب وأمام الشركة وفي طرقاتها، 16 عامًا هي عمر النزاع الذي شهدته شركة “طنطا للكتان” ورحلة بيعها للمستثمر السعودي عبدالاله الكحكي وعودتها -بجهود عمالها والمحامين الذين تصدّوا للمعركة القانونية- لأحضان الدولة مرة اخري بحكم المحكمة.
“الآن آن الأوان لوقف إهدار المال العام وتنفيذ قرار رئيس الوزراء حبيس الأدراج منذ 8 سنوات، الآن يجب تشكيل مجلس إدارة جديد يكون فيه ممثل عن العاملين بالانتخاب”.. هكذا علّق القيادي العمالي جمال عثمان عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، مشددًا على ضرورة عودة الشركة للنظام الأساسي للقانون 203.
تفاصيل عملية بيع الشركة التي تمت في عهد حكومة عاطف عبيد، ضمن التوجه السائد حينذاك بخصخصة مصانع وشركات الدولة، شابها الكثير من التشكيك، حيث تم البيع للمستثمر السعودي عبد اللاه الكحكي في فبراير 2005 مقابل 83 مليون جنيه فقط تُسدد على ثلاثة أقساط، في وقت أشار فيه عددٌ من العمال والخبراء إلى أن قيمة عملية البيع شملت مساحة الأرض البالغة 75 فدانًا بالإضافة إلى المباني المنشأة على الأرض، ومواد خام قيمتها 30 مليون جنيه، أي أن مساحة أرض الشركة بما عليها من مصانع بينها مصنع الخشب الرفيع، الذى أنشئ عام 1993 بقرض من بنك الاستثمار، بتكلفة 63 مليون جنيه، إلى جانب الأتوبيسات وسيارات نقل وملاكي وجرارات زراعية، كانت تمتلكها الشركة، كل ذلك بيع فقط بـ53 مليون جنيه.
وبعد كفاح ونضال عمالي ومعارك قانونية خاضها محامون حقوقيون، وبتاريخ 14 / 7 / 2021، اعتمد مجلس الوزراء قرارات اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار المنعقدة والصادرة بتاريخ 13 / 7 / 2021، والتي وافقت على مشروع اتفاق تسوية المنازعة القائمة بين الشركة القابضة للصناعات الكيماوية وورثة عبد الاله صالح الكحكي وشركة النوبارية لإنتاج البذور وشركة النيل للاستثمار والتنمية السياحية والعقارية، وذلك بسداد مبلغ 340 مليون جنيه تقوم بسداده وزارة المالية، وتفويض رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية في التوقيع على اتفاقية التسوية.
“درب” حاورت القيادي النقابي جمال عثمان، الذي ارتبط اسمه باسم شركة طنطا للكتان، والذي كان له نصيبًا كبيرًا من التصدي والنضال ضد عملية الخصخصة المجحفة، فإلى نص الحوار…
– ما هي تفاصيل بداية أزمة شركة “طنطا للكتان”؟
بدأت الأزمة عام 2005، عندما فوجيء العمال بإعلان في أحد الجرائد القومية عن بيع سهم الشركة، ودعوة العمال لشراء أسهم 10%، وذلك لأنه وفقا لقانون اللجنة الوزارية للخصخصة لا تسمح بالتملك التام من أجانب، وطلب من العمال وقتها دفع قيمة الأسهم نقدًا، فكان شرطًا تعجيزيًا بالمخالفة لقرارات اللجنة التي أقرت أن يتم خصم قيمة الأسهم من رواتب العاملين بالتقسيط.
وقتها تم التحايل على ذلك وتم التلاعب بالأوراق، واعتبر أن المستثمر السعودي ليس مشترٍ رئيسي وقامت العديد من الشركات منها “نوفاسيد” و”الوادي” وشركات تنمية سياحية وأخرى عقارية، وجميعهم يرأس مجلس إدارتهم عبد الإله الكحكي وشريكه ناصر المغازي، قاموا بشراء الشركة في 2005، وأعلنوا أن الصفقة تمت والشركة تم بيعها.
وعلى مدار سنة تم الاستغناء عن عشرات العمال بتعويضات ضئيلة للغاية تراوحت بين 20 و 25 ألف جنيه، ثم تم وقف عدد من العمال عن العمل، وبدأت عروض المعاش المبكر اختياريا، وخرج وقتها 100 عامل محالين إلى المعاش الإجباري.
– كيف كانت أوضاع العاملين الموجودين بالشركة في ذلك الوقت؟
عانى العمال من التعنت والتعسف، حيث بدأ تخفيض الانتاج، والغاء الحافز، والتلاعب في مشروع العلاج، واستمرت الإدارة في نقل العمال بطريقة ملفتة لإجبارهم على المعاش المبكر، حيث نقل جميع السيدات من الإدارة إلى المصانع، وهو ما تسبب في إضراب 2008، وبعدها بدأ العمال إضرابا تامًا عن العمل، ثم قامت إدارة الشركة بفصل مجموعات كبيرة من العمال.. ومن هنا بدأت الأزمة تتفاقم وتنقل لمستوى آخر.
– ماذا كان موقف النقابة العامة من الإضراب ومن بيع الشركة؟
للمرة الأولى في تاريخ الحركة النقابية والعمالية في مصر، وافقت النقابة العامة على إضراب عمال طنطا للكتان، وذلك لأن المستثمر السعودي كان مصممًا على عدم التعامل مع أي جهة رسمية سواء الاتحاد العام للعمال، أو وزارة القوى العاملة والوزيرة عائشة عبدالهادي، كما أن تلك الفترة كانت هناك مخالفات بالجملة، ومر شهرين على الإضراب دون أية استجابة من المستثمر، وتم التوصل وقتها لاتفاقية عمل سئية للغاية، حيث اعتبروا أن فترة الاضراب التي استمرت لستة أشهر هي “إجازة” وعلى العمال أن يقوموا بدفع تأميناتهم، وهو أمر مخالف للقانون.
وبعد عودة العمال للعمل لمدة شهر واحد فوجيء الجميع بفصل جميع أعضاء اللجنة النقابية للشركة، وبدأت الأزمة تعود من جديد، واستمر الإضراب لمدة سنة كاملة من 2009 ل2010، ذهبنا وقتها لمجلس الشعب ومجلس الوزراء والقوى العاملة وأصبح الأمر يمثل ضغطا كبيرا على الجميع، وهو ما دفع وزيرة القوى العاملة للتفاوض، إلا أن المستثمر السعودي أصر على عدم التواصل.
– ماذا كان رد وزيرة القوى العاملة على عدم التفاوض معها؟
طلبت من محافظ الغربية والنقابة العامة إرسال خطابات إليها بأن المستثمر السعودي متعنت مع العمال ولا يستجيب لأي تفاوض مع الوزارة، وتوجهت بالملف كاملا للنائب العام، وحصلت على حكم بحبس المستثمر السعودي لمدة عامين، والمفوض العام للشركة عام ومسئول آخر بالشركة لمدة 6شهور.
وبحضور اعلامي كثيف، بعد الحكم بدأ التحرك، ذهبنا وقتها للانتربول وقمنا بعمل تشرة ترقب وصول، وتم إدراج المستثمر السعودي على قوائم الترقب، فقام ناصر الخرافي المستثمر الكويتي بمقابلة الوزيرة عائشة عبدالهادي واشترطت أن يتم وضع حلول وقامت بعقد اتفاق معه.
– ما هو أبرز ما نص عليه ذلك الاتفاق؟
تم توقيع الاتفاق في 30 -6 -2010، بخروج العمال المفصولين والراغبين في الخروج بمكافاة 50 ألف جنيه بغض النظر عن مدة الخدمة، وتنفيد الأحكام القضائية وعودة العمال المفصولين، وأن يخرجوا إذا رغبوا بمكافأة 50 ألفًا، وتم وقتها خروج 600 عامل، وتبقى من 250 لـ 300 عامل، وكنا نتقاضي المرتبات من صندوق الطواريء ثم قمنا بإقامة دعوي قضائية بإعادة الشركة للقطاع العام وعودة العمال.
– ماذا كانت خطوتكم التالية من أجل إعادة “طنطا للكتان” إلى الدولة؟
أقمنا دعوى قضائية أمام مجلس الدولة في شهر مايو 2011، ضد كل من شارك في بيع الشركة بما فيهم مجلس الوزراء ووزارة المالية ووزارة الاستثمار باعتبارهم “شركاء” شركة طنطا للكتان، وصدر الحكم في شهر اكتوبر 2011، بعودة الشركة للدولة وعلى المستثمر وحده تحمل التبعات المالية، وعودة العمال بنفس مراكزهم وأوضاعهم.
وقالت المحكمة إن الحكم بلاغ لكل الجهات الرقابية بالتحقيق في وقائع البيع البخس وتشريد ما يقرب من 2000 عامل ووقائع الفساد الذي شاب البيع، واعتبرت أن ذلك إهدار للمال العام، والبيع بالقيمة الدفترية مخصوم منها نسب الاهلاك، وهو ما جعل القيمة التي تم البيع بها تكاد تكون منعدمة، إضافة إلى الإقرار بالبيع لأصول الشركة وفقا لأقرب منطقة لها وهي قيمة لا يمكن أن تقارن إضافة إلى أنه تم البيع بأقل من قيمة أقرب منطقة لطنطا للكتان.
وتقدم وقتها المحامي خالد علي بأكثر من 20 سببا لبطلان العقد، وطالبنا وقتها بعمل مقاصة وإعادة الأموال للمستثمر وإعادة الشركة للدولة.
بدأنا بعد ذلك المطالبة بتنفيذ الحكم وتم تعيين مفوض للشركة فيما طعنت (الشركة القابضة) على الحكم وكل من كان متورطا في صفقة البيع وأقمنا ضده الدعوى.. ثم صدر تقرير المفوضين وبعدها قرار نهائي بات من هيئة قضايا الدولة عام 2013.
– ما هي الإجراءات التي اتخذت لتنفيذ الحكم القضائي؟
في عام 2013 أقمنا دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء بسبب عدم تنفيذ الحكم القضائي بعودة الشركة، وصدر ضده حكم بالحبس.
وبعد ذلك صدر قرار عن حكومة الدكتور حازم الببلاوي بتنفيذ الحكم القضائي، فطالبنا بضرورة تشغيل الشركة وبدء العمل وإعادة العمال ودوران عجلة الانتاج داخل الشركة.
تم بالفعل استلام الشركة، لكن كانت هناك مماطلة في تنفيذ باقي الحكم خاصة ما يتعلق بعودة العمال، ومن هنا بدأنا “الجري وراء تنفيذ الحكم”، منذ عام 2015.. ووصلنا للتفاوض مع الشركة القابضة واتحاد العمال الذين أصروا على عدم عودة العمال وقالوا إن ذلك سيفتح الباب أمام كل الشركات التي قرر القضاء عودتها للقطاع العام.
– كيف انتهى التفاوض الخاص بعودة العمال؟
أقمنا وقتها دعوى أمام القضاء ضد رئيس الشركة القابضة، لكن وردًا على خطوتنا باللجوء إلى القضاء تم نشر إعلان بالجرائد الرسمية حول تنفيذ الحكم الخاص بالشركة بشرط أن يرد العمال ما تقاضوه من تعويضات منذ شهر فبراير 2005.
العمال ردّوا على ذلك بأن ما تقاضوه من معاشات يمكن رده بمستقطعات من الراتب لحين وصولهم إلى سن المعاش.. لكن تم رفض ذلك وانتهى التفاوض إلى أن يعود إلى الشركة ما يقرب من 25 عاملا وأن يتم تعويض الباقين بمبلغ 65 ألف جنيه.
– لماذا تاخر التفاوض مع المستثمر السعودي وانهاء الازمة بالرغم من كل الاحكام القضائية التي صدرت بعودة الشركة للدولة؟
أغلب المسئولين عن التفاوض مع المستثمر كانوا من ضمن لجنة الخصخصة، بل وبعض المتورطين في تلك الصفقة المشبوهة، وتم تشكيل لجنة فض منازعات الاستثمار التي استغرقت أكثر من عام ونصف العام في بحث قضيتنا، ثم توفي المستثمر السعودي وانتقلت الأمر إلى الورثة حيث تم الاتفاق معهم على القرار الصادر مؤخرا بعودة الشركة مقابل 340 مليون جنيه.
– كيف يمكن أن تتحول شركة طنطا للكتان التي صنفت في 2005 بأنها قليلة الربحية لشركة رابحة بعد عودتها للدولة من وجهة نظرك؟
هناك العديد من الإجراءات التي يجب اتخاذها، على رأسها تشكيل مجلس إدارة جديد ويكون به ممثل عن العاملين بالانتخاب، وأن تقوم الجهات التي آلت إليها مبالغ مالية نظير بيع الشركة بردها، عودة الشركة للنظام الأساسي للقانون 203 وما تلاها من قرارات أخرى تخص وزارة المالية فى هذا الصدد.