المتهمون خارج دائرة الإدانة.. هل يحقق القضاء الأمريكي العدالة في قضية الصحفي جمال خاشقجي؟
دويتشه فيله
يعد مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، أحد أبشع جرائم الاغتيال السياسي في السنوات الأخيرة، فحتى الآن لم تتم إدانة مدبري العملية، لكن محكمة أمريكية يمكن أن تغير ذلك.
من المنظور السعودي، قد يعد قرار تعيين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في منصب رئيس الوزراء بدلاً من والده، خطوة ذكية. لأنه أصبح محصنا ضد الملاحقة الجنائية المحتملة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ تعيينه رئيسا للوزراء في نهاية سبتمبر الماضي بموجب مرسوم ملكي.
بعد مقتل المعارض والصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في الثاني من أكتوبر عام 2018، رفعت خطيبته خديجة جنكيز دعوى قضائية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2020 بالتعاون مع منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، التي أسسها خاشقجي، ضد محمد بن سلمان وآخرين متهمين بالتورط في مقتل جمال خاشقجي. كما طالب المدعون بحقوق شخصية تتمثل في تعرض جنكيز لأضرار شخصية وخسارة مالية نتيجة مقتل خطيبها.
وتأمل جنكيز أن تحقق الدعوى المدنية التي رفعتها في الولايات المتحدة الأمريكية العدالة، رغم علمها أن واقع السياسة في عالم يسوده الاضطراب، قد يعني أن يصبح الخارجون عن القانون شركاء مرة أخرى.
بن سلمان يصر على الحصانة تجنباً للاتهامات
يقول محامو بن سلمان إن التعيين في منصب رئيس الوزراء، يمنح حصانة لولي العهد. لذلك يطالبون المحكمة في الولايات المتحدة الأمريكية برفض الدعوى. ومن المتوقع أن تصدر محكمة أمريكية قرارها يوم 17 نوفمبر. لكن حتى الآن، لم تعلن الولايات المتحدة الأمريكية ما إذا كانت ستمنح محمد بن سلمان الحصانة حقاً.
في عام 2020، حاكمت السعودية 5 من المشتبه بمشاركتهم في مقتل خاشقجي، وحكمت عليهم في الأصل بالإعدام. وخُففت الأحكام في النهاية إلى السجن لمدة 20 عامًا. وبحسب تقارير مختلفة، يقال إن المحكوم عليهم يعيشون في مجمع فاخر بالقرب من الرياض. ولم تتم محاكمة نائب رئيس المخابرات العامة السعودية، أحمد العسيري والمستشار السابق لولي العهد، سعود القحطاني.
آخر أمل في تحقيق العدالة
عندما نقلت تركيا محاكمة 26 سعودياً مشتبهاً بهم إلى الرياض، في أبريل الماضي 2022 تلاشى “آخر أمل” في تحقيق العدالة للصحفي السعودي، حسب ما قاله نشطاء حقوقيون منتقدين ذلك. غير أن خطيبته، خديجة جنكيز، تعتقد أن الحقوق لا تضيع طالما أن هناك من يطالب بها.
وقالت الصحفية والخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، البالغة من العمر 40 عاماً خلال محاضرتها الثانية في برلين تحت عنوان: هيلموت شميدت، “إذا قتلت دولة أبرياء، يجب إدانتها”.
لذلك فإن البروفسور إيكارت فورتس، مدير المعهد الألمانى للدراسات الدولية والإقليمية في هامبورغ (GIGA)، لا يعتقد أن مقتل خاشقجي سيتم التحقيق فيه بشكل كامل. ويقول فورتس لـ DW: “أعتقد أن فكرة مثول محمد بن سلمان أمام المحكمة في الولايات المتحدة الأمريكية وإدانته غير واقعية”.
العلاقات المتوترة بين السعودية وأمريكا
العلاقة الحالية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ليست على ما يرام. فقبل أن يتولى جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، كان قد أعلن أنه سيعامل المملكة العربية السعودية على أنها “دولة منبوذة” بسبب قضية اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي.
لكن في يوليو الماضي، تخلى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن عداوتهما أمام أزمة الطاقة العالمية ودشنا حقبة جديدة من التعاون بين البلدين.
لكن هناك الآن من جديد عضب شديد في الولايات المتحدة تجاه السعودية، والسبب هو قرار دول “أوبك بلس” خفض انتاجها من النفط بمقدار مليوني برميل يومياً اعتباراً من بداية نوفمبر الحالي. وتعد المملكة العربية السعودية وروسيا القوى الرئيسية في هذا التحالف النفطي.
واعتبرت حكومة جو بايدن هذه الخطوة بمثابة دعم مباشر لروسيا في حربها على أوكرانيا. لأن الزيادة الناتجة في أسعار النفط تجلب لموسكو المزيد من الأموال.
اختفى دون ترك أي أثر له!
غير أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يتخذ موقفاً سياسياً واقعيا، حسب رأي فورتس. فالمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لديهما مصالح مشتركة تجاه إيران، على سبيل المثال. كما تواصل الولايات المتحدة الأمريكية التعامل مع المملكة وتزودها بالأسلحة.
في السابق، كانت لجمال خاشقجي علاقات وثيقة مع العائلة المالكة في السعودية. غير أنه أصبح ينتقد بشكل متزايد سياسات الحكومة، ولا سيما محمد بن سلمان، في عام 2017، انتقل خاشقجي إلى واشنطن.
وفي الثاني من أكتوبر عام 2018، اغتيل في القنصلية السعودية في اسطنبول، حيث كان لديه موعد لتحضير بعض الوثائق للزواج من خطيبته، خديجة جنكيز، وهي مواطنة تركية.
وبحسب المعلومات الرسمية الواردة من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، كان هناك 15 فرداً من الكوماندوز السعودي ينتظرونه في القنصلية. حيث قُتل وقُطعتت جثته وأخفيت دون ترك أي أثر وفق ما تم تداوله!
بعد أن تولى بايدن منصبه، نشرت واشنطن تقريراً لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية يفيد بموافقة ولي العهد السعودي على اغتيال خاشقجي. كما أظهر تقرير للأمم المتحدة أن القيادة السعودية هي المسؤولة عن الاغتيال.
والرياض ترفض ذلك وتؤكد أن الجناة السعوديين تصرفوا من تلقاء أنفسهم. على الرغم من التقريرين، لم يحاسب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، محمد بن سلمان بعد.
يأمل الخبير في شؤون الشرق الأوسط، فورتس، أن تمارس أمريكا ضغوطًا هائلة على محمد بن سلمان، على الأقل وراء الكواليس، ويقول “محمد بن سلمان لن يتخلص أبدا من التهمة التي تلاحقه بالاشتباه في إجازته قتل خاشقجي. وفي هذا الصدد، فهو منبوذ. مثل تلك الزيارات في بداية ولايته، عندما دخل أمريكا مع حاشية كبيرة وتم الترحيب به كمصلح، قد انتهت”.
جنكيز تأسف لأفعال السياسيين
من جهتها، قالت خديجة جنكيز في برلين: “مرت أربع سنوات أدركت خلالها السياسة الواقعية”. وتابعت جنكيز: “أنا الآن على دراية بمفاهيم النظام العالمي والمقايضات خلف الأبواب المغلقة، والمصالح الاقتصادية للدول وتوازن القوى”. وأضافت أنها تشعر “بالأسى على هؤلاء السياسيين. إنه عار عليهم”. لا يستحقون أي احترام.
كما اتهمت خديجة جنكيز ومنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، ولي العهد السعودي بالسعي وراء دوافع سياسية في قتل خاشقجي. الإصلاحات الديمقراطية في العالم العربي التي كان الصحفي يطمح إليها توقفت بهذه الطريقة.
واليوم تبدو الآفاق مظلمة بالنسبة لأولئك الذين يدافعون عن العدالة والحرية. حيث يواصل محمد بن سلمان اعتقال وسجن المعارضين والصحفيين والنشطاء. وقد أحدثت حالة طالبة سعودية شابة، ضجة في الآونة الأخيرة، إذ حُكم عليها بالسجن 34 عاماً بتهمة إعادة نشر تغريدات لناشطات نسويات عن حقوق المرأة على موقع “تويتر”.
وجعلت جنكيز من السفر حول العالم والتحدث نيابة عن أولئك الذين لا صوت لهم، واجبا لها. وقالت لـ DW: “لا يمكنني الصمت”. “كلماتي هي قوتي”. وتابعت أنها لن تتخلى عن النضال من أجل العدالة.