المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: قانون تنظيم البحوث الإكلينيكة يحقق 85% من توصيات المجتمع المدني.. وهذه هي أوجه القصور
كتب – أحمد سلامة
علقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على إقرار البرلمان في 24 من أغسطس الماضي، للنسخة المعدَّلة من قانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية بعد إدخال بعض التعديلات تجاوبًا مع التوصيات المقدمة من رئاسة الجمهورية في أكتوبر عام 2018، مشيرة إلى أن القانون بنسخته الأخيرة يحقق 85% من توصيات المبادرة الصادرة في تقريرها عام 2016.. معتبرة أنه نتاج جيد لتعاون الجهات الرسمية في الدولة مع منظمات المجتمع المدني؛ معتبرة أنه .
واعتبرت المبادرة أنَّ التعديلات التي أُدخلت على القانون المنظِّم للتجارب السريرية إيجابية، ومتماشية مع التوصيات التي تقدمت بها خلال جلسة الاستماع التي شاركت فيها مع أعضاء مجلس الشعب في عام 2018، وكذلك مع التعليق المقدم منها بعد إصدار البرلمان القانون في مايو 2018، وهي التوصيات التي تهدف إلى تفادي أوجه القصور الأساسية التي تنتاب إجراء البحوث الإكلينيكية في مصر.
ورأت المبادرة، وفق بيان أصدرته، أن خطوات إصدار قانون التجارب السريرية مثالًا حيًّا وفعالًا للدور الذي يمكن أن يقوم به المجتمع المدني والحقوقي حين تتاح له فرصة التعاون والشِّراكة مع الجهات التنفيذية والتشريعية، عالميًّا ومحليًّا.
وأوضحت أنه في أبريل 2018 تمت دعوة المبادرة المصرية إلى المشاركة في جلسة استماع عقدتها لجنة الصحة بالبرلمان بهدف التعرف على رأي الجهات المعنية المختلفة حول مشروع قانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية.
وكانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في عام 2016 قد أصدرت، بالتعاون مع العديد من المنظمات البحثية المحلية والدولية، تقريرها “أسئلة أخلاقية حول التجارب السريرية على الدواء في مصر: تحديات محلية وتمويل من الشركات المنتجة”.
ووفقا للمبادرة فقد كان لهذا التقرير ردُّ فعلٍ مجتمعي وإعلامي واسع على النطاق المحلي والدولي، فرغم تأكيد هذا التقرير على قانونية الممارسات التي تقوم بها الشركات الدولية التي تموِّل إجراء التجارب السريرية في مصر، وفقًا للأطر التشريعية المصرية، فإن هذه القوانين كانت غير كافية لحماية المرضى المصريين وشابها العديد من أوجه العَوار التي لا تتماشى مع القوانين المماثلة في الدول الأخرى.
يُذكر أن مصر تحتل المركز الثاني بعد جنوب إفريقيا في قائمة أكثر الدول الإفريقية استضافة للتجارب السريرية للعقاقير تحت رعاية الشركات المنتجة متعددة الجنسيات، بسبب توافر البنية التحتية والباحثين والأطباء الجاذبين للبحث. كما يعد التكوين السكاني وطبيعة المرضى وانخفاض تكلفة إجراء هذه التجارب في مصر محفزات أساسية لإجراء تلك التجارب فيها.
ولكن، الجانب السلبي لذلك، حسب رأي المبادرة، يتمثل في أن النظام الصحي في مصر لا يمكِّن بعض المرضى من الحصول على العلاج الأساسي، ما قد يضطرهم إلى المشاركة في هذه التجارب على الرغم من احتمالية استغلالهم بغرض الحصول على العلاج المجاني، حتى وإن كانت نتائج هذا العلاج غير معروفة.
وأشارت المباردة إلى أن هذا المناخ العام يسهِّل من استغلال المواطنين الأكثر ضعفًا واحتياجًا، لذا، فقد قدم تقرير المبادرة المصرية مجموعة من الاقتراحات إلى السلطات المصرية ومتخذي القرار، تشمل عدة توصيات للقانون الجديد.
ولفتت المبادرة إلى أن هذه التوصيات تأتي تطبيقًا لنص الدستور المصري لعام 2014 في المادة 60، الذي ينص على أن: “جسم الإنسان له حرمة. أي اعتداء، هتك عرض أو تشويه يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. يمنع الاتجار بالأعضاء، ولا يمكن إجراء أي تجربة طبية أو علمية في هذا الشأن دون توثيق الموافقة الحرة للموضوع وفقًا للمبادئ المعمول بها في المجال الطبي على النحو الذي ينظمه القانون”.
ونبهت إلى أنه نظرًا لغياب مثل هذه القوانين، كان من الضروري إنشاء إطار تشريعي موحد قوي معزز بنظام مراقبة فعال ومستقل، من أجل دعم البحث العلمي في مصر مع التأكد من استفادة المواطنين من التجارب السريرية التي تقام في مصر، واحترام حق المريض في استمرار العلاج بعد انتهاء التجربة، والتأكد من إتاحة الفرصة للمرضى وتمكينهم من إعطاء الموافقة المستنيرة طواعية وبعض المعايير الأخلاقية الأساسية الأخرى.
وحسب المبادرة فقد دعا مجلس النواب فريق الباحثين القائمين على البحث ومجموعة متميزة من العلماء والباحثين إلى جلسة استماع بالمجلس في عام 2018 لمناقشة مقترح القانون وعرض أوجه النقد أو الاعتراضات من قِبَل المجتمع المدني، حيث قدمت المبادرة آنذاك تقييمًا لمشروع القانون المقدم بناءً على التوصيات التي تم تقديمها في تقريرها بهدف تلافي أوجه الضعف بالقانون في المسوَّدات التالية وضمان تحقيقه لما نصَّ عليه الدستور المصري والمواثيق الدولية.
وأشار بيان المبادرة إلى أن القانون آنذاك حقق 75% من التوصيات الأساسية المقدمة من المبادرة المصرية وهي نسبة مقبولة تعكس تحقق المقومات الأساسية التي يمكن أن تثري العملية البحثية في مصر، بشكل لا يمثل انتهاكًا لحقوق المصريين ولا يتعارض مع ما نصَّ عليه الدستور.
وتابع البيان “بعد ذلك، قدمت المبادرة المصرية توصيات إضافية حول بعض أوجه القصور بالقانون يأتي على رأسها: ضرورة وضع محاذير واضحة تمنع التجارب السريرية الممولة من الخارج في المراحل الأولى والثانية، ضرورة تهذيب والتقليل من الجانب الأمني والبيروقراطي اللازم للحصول على الموافقات المطلوبة لإجراء التجارب وإرسال العينات إلى الخارج، بالإضافة إلى بعض التعليقات فيما يخص تشكيل المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية والذي اقتصر على الجهات التنفيذية دون تمثيل كافٍ من الباحثين والخبراء والمجتمع المدني”.
واسترسلت المبادرة “في مايو 2018، تم إقرار القانون من مجلس النواب تمهيدًا لاعتماده من رئيس الجمهورية، إلا أن الرئاسة، وفي بادرة كانت الأولى في تاريخ هذا المجلس، أرسلت القانون مرة أخرى إلى مجلس النواب مع طلب بعض التعديلات. وأخيرًا، أعلن مجلس النواب أنه يوافق نهائيًّا على قانون التجارب السريرية في 24 من أغسطس لعام 2020”.
واستكملت “تأتي هذه النسخة من القانون ببعض التعديلات المحورية التي تتماشى مع التوصيات التي قدمتها المبادرة، ومع اعتراضات الرئاسة، بالأخص فيما يتعلق بتشكيل المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية، وإجراء الأبحاث في المراحل الأولى والثانية، وفي عملية الحصول على الموافقات والتي تم قصرها على المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية بشكل موحد، وتحديد مدة الرد خلال 60 يومًا. تم أيضًا تعديل بعض الأدوار والتعريفات خاصة في ظل وجود جهات جديدة، مثل: هيئة الدواء المصرية وهيئة الشراء الموحد”.
وأردفت “يحقق القانون بنسخته الأخيرة 85% من توصيات المبادرة الصادرة في تقريرها عام 2016. لكن تشير المبادرة المصرية إلى بعض أوجه القصور في القانون والتي توصي بتداركها في اللائحة التنفيذية حتى يمكن تطبيق القانون بالشكل الذي يثري من العملية البحثية في مصر ويحمي المشاركين والمرضى من الاستغلال: النص بشكل مفصل على شروط الموافقة المستنيرة التي تمت الإشارة إليها في التعريفات، والتي يجب اتباع التعريف الدولي لها وفقًا لاتفاقية هلسنكي بمكوناتها المختلفة. فعلى سبيل المثال، يجب أن تشمل إعطاء وقت كافٍ لاتخاذ القرار واستشارة آخرين، ضرورة إخطار المريض بالعلاجات البديلة المثبتة التأثير والمتوفرة، ضرورة معرفته بأن الدواء الذي سوف يأخذه تحت الاختبار وأن بعض الأدوية وهمية (placebo)”.
وتابعت “القانون يشير إلى الالتزام بالمواثيق والقوانين المصرية وأن تكون متفقة مع المبادئ الأخلاقية الدولية المتعارف عليها، ولكن لم يتم النص على تلك المراجع بالتحديد رغم كونها المراجع الأساسية للتجارب السريرية في العالم. (إعلان هلسنكي والمبادئ التوجيهية لمجلس المنظمات الدولية للعلوم الطبية)”.
وأضافت “رغم التعديل الذي أُدخل على تكوين المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية، فإنه حتى الآن لا يشمل تمثيلًا للمجتمع المدني أو الجمعيات العاملة في الحق في الصحة، أو روابط المرضى أو غيرهم من المعنيين”.
وأوصت المبادرة بمراعاة هذه النقاط والتوصيات أثناء إعداد اللائحة التنفيذية للقانون والتي تمثل فجوات يمكن تلافيها جميعًا بلائحة القانون. بينما ثمنت إشراك المجتمع في المراحل الأولى من إعداد القانون وتوصي بالاستمرار بل والتوسع في ذلك في القوانين القادمة، حتى يتسنى للمجلس إصدار قوانين يلتف حولها المعنيون، ويجعل منهم شركاء في تنفيذها بالشكل المأمول.
واختتمت المبادرة بالقول “أخيرًا يأتي هذا القانون تتويًجا لعمل شارك فيه مجتمع المعنيين بشكل واسع على مدار أربعة أعوام، ويتبقى إصدار اللائحة التنفيذية له والبدء في تنفيذه بشكل فعلي. يجب أن تكون الأولوية الآن للتطبيق الفعلي لهذا القانون، حتى يحفز العمل البحثي والعلمي في مصر بالشكل الذي يتناسب مع مقومات منظومة البحث العلمي القائمة وقدراتها، مع ضمان حماية حقوق المرضى والمشاركين في البحوث بشكل يتماشى مع المعايير الدولية، وذلك كي لا تتكرر تجربة قانون زرع والتبرع بالأعضاء البشرية والذي لم يوضع حيز التنفيذ حتى يومنا هذا رغم صدوره في عام 2010”.