“المبادرة المصرية”: تطعيم كورونا حق لجميع المصريين مجانا وبدون تمييز.. ودعوات عالمية أن يصبح “منفعة عامة”
المبادرة: الحكومة لم تفصح عن خطة محددة بتوقيت زمني لإتاحة اللقاحات.. ومدى الحصول على كمياتها
تصريحات متضاربة لمسؤولي الصحة بشأن معلومات توفير اللقاح.. ومطالبة بأولوية التطعيم للطواقم الطبية والفئات الأضعف
كتب- محمود هاشم:
رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التحديات التي تواجه عملية توزيع لقاح كورونا في مصر، الذي تبدأ الجهات التنفيذية التطعيم به خلال شهر يناير الجاري، كما أعلنت وزيرة الصحة، بالتزامن مع بدء التطعيم في العديد من الدول، مطالبة بضرورة توزيعه بشكل عادل، بما يضمن حقوق جميع المواطنين في الوصول إليه.
وتتخذ الحكومة إجراءات لتوفير وإتاحة لقاحات كوفيد-19، ومنها مشاركة مصر في التجارب السريرية على لقاحي شركة ساينوفارم، التي أصدرت المبادرة بيانا صحفيا عنها بعنوان: مشاركة مصر في التجارب على لقاحات كورونا خطوة مهمة، لكن وفي إطار متابعة وتقييم هذا الملف رصدت المبادرة عددا من التحديات التي تواجه عملية توزيع اللقاح على المواطنين، كانت تتطلب اتخاذ بعض الإجراءات التي لم تتم حتى الآن، رغم الإعلان أن توزيع اللقاح سيبدأ خلال شهر يناير الجاري.
وأوضحت المبادرة أنه حتى الآن لم يتم الإفصاح عن خطة واضحة محددة بتوقيت زمني لإتاحة اللقاحات للمصريين، فهناك حديث للمسؤولين في مصر عن توفير الحكومة للقاحات، لكنه لا يوضح ما إذا كانت الكميات المعلنة سيتم الحصول عليها عبر عقود ثنائية مع هذه الشركات، أم أنها ستحصل عليها عن طريق آلية كوفاكس، أم أنها مبنية على وعود شفهية حصلت عليها الحكومة، ﻷن كل بديل من هذه البدائل يؤثر على إمكانية توافر اللقاح فعليا في الوقت المعلن.
وأضافت أنه لا توجد طريقة منظمة وموثوقة للإعلان عن المعلومات الخاصة بتوفير اللقاح، فمصدر المعلومات الوحيد حاليا حول الإجراءات التي تتخذها الدولة لتوفير اللقاح هو تصريحات تلفزيونية لمسؤولي وزارة الصحة، أو المسؤولين عن إدارة الأزمة، والتي تأتي أحيانا متضاربة.
على سبيل المثال، صرح وزير المالية، بأنه تم التعاقد على 30 مليون جرعة من لقاح «استرازينيكا» بالإضافة إلى 20 مليون جرعة من لقاح «سينوفارم الصينى»، ليصل إجمالى اللقاحات المتعاقد عليها إلى 50 مليون جرعة، بينما قالت وزيرة الصحة بعدها بعدة أيام، في 2 يناير الحالي، إن اللقاحات التي جرى التعاقد عليها تضم 40 مليون جرعة من لقاح سينوفارم، و20 مليون جرعة من لقاح استرازينيكا قابلة للزيادة، و40 مليون جرعة من تحالف جافي.
كما لم يتم نشر تفاصيل عن تقديرات وزارة الصحة لعدد الأفراد المتوقع حصولهم على اللقاح من بين الفئات ذات الأولوية، ولم تُنشر أيضا خطة توزيعه، رغم أن التوزيع سيبدأ خلال الشهر الجاري. ومن الضروري الآن عرض خطة توزيع اللقاحات وشرحها للمواطنين، بحيث يكون هناك وقت كاف لفهمها واستيعابها، بدلا من البدء مباشرة في التوزيع، بدون تمهيد، فتنتج عن ذلك فوضى.
وفي سياق الإجراءات الحكومية لتوفير اللقاحات للمواطنين، وفي ظل مشكلة عدم عدالة التوزيع عالميا، من المتوقع أن تكون هناك صعوبات وتحديات تواجه الحكومة المصرية في الاتفاق على اللقاحات، وحال مصر في ذلك كحال غيرها من الدول متوسطة ومنخفضة الدخل
وشددت المبادرة على أهمية عدالة توزيع اللقاحات بين المواطنين، والالتزام بالشفافية الكاملة في توضيح الأسس التي سيتم توزيع اللقاح على أساسها، لأن العدالة والشفافية هي الطريق لكسب ثقة المواطنين في الاستجابة لتوجيهات الدولة خلال عملية التطعيم بلقاح كوفيد-19.
وتتطلب عملية توزيع اللقاح مراعاة عدد من المبادئ الأساسية، التي تتطلب ضرورة الالتزام بها لضمان التوزيع العادل للقاحات في مصر، بحسب المبادرة، على رأسها: أن يكون اللقاح متاحا لجميع المواطنين، وأن تكون للطواقم الطبية وللمجموعات الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس الأولوية بشكل مطلق، مع التركيز على إنصاف الفئات الأضعف في المجتمع.
كما تتطلب عملية التوزيع التزام الدولة بتقديم اللقاح بشكل مجاني لجميع المواطنين، فالدولة ملزمة بحكم المادة 18 من الدستور بتقديم الخدمة الصحية مجانا، بما يشمل التطعيمات، “فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة”، وألا يكون هناك تمييز بين المواطنين في الوصول للقاح، على أساس القدرة المالية أو على أساس النفوذ، فيجب أن تكون أولوية التوزيع على للفئات الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس، حسب توصيات منظمة الصحة العالمية.
كما دعت المبادرة للالتزام بالقانون الخاص بعمل هيئة الدواء المصرية، قانون رقم 151 لسنة 2019، بحيث تقدم الشركات المنتجة جميع نتائج المراحل المختلفة للتجارب السريرية (بما يشمل المرحلة الثالثة من التجارب السريرية) للهيئة لتقييمها.
وتواجه الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل تحديات كبيرة في الوصول إلى اللقاح. يشير أحد التقارير المنشورة من “تحالف لقاح الشعوب” إلى أن ما يقرب من 70 دولة فقيرة ستتمكن فقط من تطعيم واحد من كل عشرة أشخاص ضد كوفيد-19 خلال العام المقبل، ما لم تتخذ الحكومات وشركات الأدوية إجراءات عاجلة للتأكد من إنتاج جرعات كافية.
على النقيض من ذلك، اشترت الدول الأكثر ثراءً جرعات كافية لتطعيم جميع سكانها تقريبًا ثلاث مرات بحلول نهاية عام 2020. وفقا للتقرير، تظهر البيانات المحدثة أن الدول الغنية، التي تمثل 14 في المائة فقط من سكان العالم، اشترت ما يصل إلى 53 في المائة من جميع اللقاحات الواعدة حتى الآن.
وهناك دعوات تطالب بلقاح لجميع الشعوب، بلا تمييز بين دول غنية و فقيرة، هدف هذه الدعوات المطالبة بالمشاركة المفتوحة للتكنولوجيا بين منتجي اللقاحات لأنها وحدها التي تجعل وصول الجميع إلى اللقاحات ممكنا، و تشجيع شركات الدواء التي تعمل على لقاح كوفيد -19 إلى مشاركة التكنولوجيا والملكية الفكرية بشكل علني، من خلال منظمة الصحة العالمية، بحيث يمكن تصنيع مليارات الجرعات الإضافية وبذلك يمكن للقاحات (الآمنة و الفعالة و ذات الجودة) أن تكون متاحة لكل من يحتاجها.
كما تطالب هذه الدعوات الحكومات ببذل كل ما في وسعها كي تصبح لقاحات كوفيد-19 “منفعة عامة عالمية”، و مجانية للجمهور، وموزعة بشكل عادل وعلى أساس الحاجة و ليس على أساس القدرة الشرائية . ومن الضروري الإشارة إلى أن اللقاحات الحالية لكوفيد اعتمدت، في الكثير من الحالات، على التمويل الحكومي للأبحاث، و مع ذلك تحتفظ الشركات بالحقوق الحصرية، وتحافظ على سرية التكنولوجيا الخاصة بها لزيادة الأرباح. يعني ذلك أن ثمن هذه اللقاحات تم دفعه مرتين، المرة الأولى عن طريق التمويل الحكومي للأبحاث، والثانية عند شراء الحكومات للقاحات من الشركات.
لكن الخوف من عدم تحقق عدالة التوزيع على مستوى العالم دفع منظمة الصحة العالمية في وقت مبكر إلى إطلاق “مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد 19” وتقوم المبادرة على أربع ركائز، الأولى تتعلق بوسائل التشخيص، والثانية تخص العلاج، والثالثة تركز على اللقاحات (معروفة باسم كوفاكس)، والرابعة تتعلق بربط النظم الصحية. وتتولى إدارة كل ركيزة وكالتان أو ثلاث وكالات شريكة.
ويقود الجزء المتعلق باللقاحات– كوفاكس – كل من الائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة، والتحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع ( GAVI)، ومنظمة الصحة العالمية. ويتمثل دور كوفاكس في ضمان تطوير اللقاحات بأسرع ما يمكن، وتصنيعها بالكميات المناسبة، دون المساس بمأمونيتها، وتوزيعها على من هم في أمسّ الحاجة إليها. وتهدف هذه الركيزة، بحلول عام 2021، إلى ضمان توفير ملياريْ جرعة من اللقاحات عن طريق الآلية التي توفرها كوفاكس.
أما البلدان ذات التمويل الذاتي التي تنضم إلى آلية كوفاكس لديها طريقتان يمكنها من خلالهما الحصول على اللقاحات، إما بترتيب شراء ملزم أو بترتيب شراء اختياري.
ففي اتفاق الشراء الإلزامي، تلتزم الدولة بشراء عدد معين من الجرعات من خلال «كوفاكس» نظير مبلغ مقدم منخفض نسبيًا عن الشراء الاختياري، وفي اتفاق الشراء الاختياري فليس ملزمًا للدول المشاركة، إذ يمكنها فسخ التعاقد على الشراء، وهو خيار جذاب بالنسبة للدول التي عقدت اتفاقات توريد ثنائية مع الشركات المنتجة للقاح. في مقابل هذا الخيار الأكثر مرونة تدفع الدول مبلغًا أكبر للتعاقد، بالإضافة إلى مبلغ «ضمان» لا يرد -يحتسب على كل جرعة لقاح- من أجل حماية منظومة «كوفاكس» نفسها من الخسارة بعد إجراء تعاقدات التوريد مع المنتجين.
ورغم الأهداف والنوايا الطيبة لتلك المبادرة، هناك تخوفات من عدم قدرتها على تغطية الكميات المطلوبة للدول الفقيرة، لأنها لم تمنع أو تنظم التعاقدات الثنائية بين الدول الغنية والشركات، كما أنها لم تضع قيوداً على حجم الكميات التي يمكن للدولة أن تشتريها، حيث أن الدول ذات القدرة الشرائية المرتفعة تعاقدت مبكرا مع الشركات المنتجة للحصول على اللقاح بسرعة، وبكميات تكفي بل تزيد عن احتياجاتها، وبالتالي الدول الأغنى تستحوذ على كميات كبيرة في وقت أبكر والدول الأفقر ستنتظر دورها.
وفي سياق السعي لتحقيق العدالة في توزيع اللقاحات على مستوى العالم، قدمت جنوب إفريقيا والهند طلبا مشتركًا إلى مجلس التريبس في منظمة التجارة العالمية، في 2 أكتوبر 2020، يدعو الأعضاء للموافقة على التنازل عن تطبيق وإنفاذ الأقسام 1 و4 و5 و7 من الجزء الثاني من اتفاقية تريبس، في كل ما يتعلق بالوقاية من كوفيد-19 وعلاجه.
هذا الطلب إذا تمت الموافقة عليه، سيسمح للبلدان الأعضاء في منظمة التجارة العالمية باختيار عدم منح براءات الاختراع وغيرها من حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بجميع الأدوية واللقاحات ومستلزمات التشخيص الخاصة بفيروس كورونا، وغيرها من التقنيات اللازمة لمواجهته (كأجهزة التنفس الصناعي مثلا)، طوال مدة الجائحة. هذا من شأنه أن يوفر للبلدان المساحة اللازمة للتعاون في البحث والتطوير (R & D)، والتصنيع، وزيادة الكميات المنتجة عالميا للقاحات كوفيد-19. وقد دعمت مصر طلب الهند وجنوب إفريقيا.
وبحسب منظمة الصحة العامية، تمثل مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19 تعاوناً عالمياً جديداً يُعد الأول من نوعه، لتسريع عملية تطوير الاختبارات والعلاجات واللقاحات الخاصة بكوفيد-19 وإنتاجها وإتاحاتها على نحو عادل.
واستُهلت مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19 في نهاية أبريل 2020، في حدث شارك في استضافته المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، ورئيس فرنسا، ورئيس المفوضية الأوروبية، ومؤسسة بيل وميليندا غيتس، وتجمع هذه المبادرة معاً الحكومات والعلماء والشركات والمجتمع المدني والمؤسسات الخيرية ومنظمات الصحة العالمية ( مؤسسة بيل وميليندا غيتس، والائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة، ومؤسسة وسائل التشخيص الجديدة المبتكرة، والتحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع، والصندوق العالمي، والصندوق العالمي لمكافحة الأيدز والسل والملاريا، ومؤسسة ولكوم الاستئمانية، ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي).
ووحدت هذه المنظمات صفوفها لتسريع القضاء على الجائحة من خلال دعم تطوير الاختبارات والعلاجات واللقاحات التي يحتاجها العالم وتوزيعها على نحو منصف، سعياً إلى الحد من الوفيات والمضاعفات الوخيمة للمرض، واستعادة النشاط المجتمعي والاقتصادي الكامل على الصعيد العالمي على المدى القريب، وتيسير المكافحة الرفيعة المستوى لمرض “كوفيد-19” على المدى المتوسط.
وتنقسم هذه المبادرة إلى أربع ركائز للعمل: وسائل التشخيص والعلاج واللقاحات وتعزيز النُظم الصحية. وتكتسي كل ركيزة أهمية حيوية للجهود الشاملة وتنطوي على الابتكار والتعاون.
ويُعد مسار العمل الخاص بالإتاحة والتخصيص الخاضع لقيادة المنظمة شاملاً لجميع أوجه العمل، ويكتسي أهمية جوهرية لأهداف مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19، ويتعلق بتطوير المبادئ والإطار والآليات اللازمة لضمان التوزيع العادل والمنصف لهذه الأدوات.