العيش والحرية: «محنة كورونا».. الخلاص من الخطر يبدأ بالتفكير في مجتمع بديل .. أول الطريق استعادة ما أنتجناه جميعًا من يد القلة
البيان: الأزمة فتحت بابًا واسعًا للتفكير في المستقبل.. والعديد من دول العالم اتخذت إجراءات تضامنية واجتماعية كان التفكير فيها ضرب من الخيال
كل الإجراءات هي لمحات من المستقبل الذي نطمح إليه.. ولن يكون الوصول لهذا المستقبل إلا بانتزاع السلطة السياسية وإدارتها بشكل ديمقراطي كامل لمصلحة الغالبية
المحنة كشفت عن الكوارث التي تسببت فيها عقود من إهمال الخدمات العامة وتقليص الاستثمار بها وتوجيه الإنفاق العام لمشروعات غير ضرورية
كتب – أحمد سلامة
أصدر حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) بيانًا، اليوم الأربعاء، عرض من خلاله عدة مقترحات حول الأزمة السائدة حاليًا بسبب تفشي فيروس كورونا.
وأشاد الحزب في بيانه بالقرارات والإجراءات التي اتخذت من عدة دول من بينها مصر، مشددًا على أنها قرارات جيدة ومطلوبة لكنها تحتاج إلى حزمة أشمل من الإجراءات.. لافتًا في الوقت ذاته إلى أن ما تم اتخاذه من إجراءات هي قرارات “طالما ترفعت النخب الحاكمة عن مناقشتها”.
وقدم بيان الحزب عدة مقترحات من أجل المساهمة في الحد من انتشار فيروس “كورونا” وتأثير ذلك على الصحة العامة والأوضاع الاقتصادية، من بينها ضرورة فتح باب التطوع لمساعدة أجهزة الدولة في مقاومة انتشار العدوى، ووضع كافة المستشفيات بلا استثناء تحت إشراف وزارة الصحة، وفرض رقابة صارمة على الأسواق والصيدليات، وتوفير السلع وإعفاء الفئات الأقل استهلاكاً من دفع فواتير المياه والكهرباء والغاز.. بالإضافة إلى إصدار تشريع عاجل يسن ضريبة على الثروة للأفراد الذين تتخطى ملكيتهم 10 مليون لمرة واحدة لتمويل وزارة الصحة والتموين.
وإلى نص البيان:
يواجه العالم، وفي القلب منه مصر، خطرًا عظيمًا يتمثل في انتشار وباء كورونا (كوفيد-١٩). وفي مواجهة هذا الخطر، يبدو كل ما أنتجناه جماعيًا عبر أجيال من سلع وتكنولوجيا ومعرفة علمية عاجزًا بشكل صارخ، لا عن قصور فيه، ولكن لأنه تم انتزاعه وتخصيصه في يد قلة من البشر، وتسخيره لخدمة مصالحها الضيقة.
إلا أن هذه الأزمة كذلك، وككل أزمة كبرى تضرب حياتنا، قد فتحت أمامنا الباب واسعًا للتفكير في المستقبل بطريقة أخرى تجعلنا نتفادى تلك المحن المدمرة.
وأول الطريق هو استعادة ما أنتجناه جميعًا من يد القلة المستحوذة عليه وتوظيفه لإنقاذ حيواتنا وضمان استمرارها ورفاهيتها.. ولهذا رأينا في الأيام الأخيرة إقدام العديد من دول العالم على إجراءات تضامنية واجتماعية كان مجرد التفكير فيها في الأوقات “العادية” ضرب من الخيال.
كل هذه الإجراءات هي لمحات من المستقبل الذي نطمح إليه، والذي تكفلت الأزمة بالكشف عنه. ولكن، كما علمنا التاريخ، لن يكون الوصول إلى هذا المستقبل إلا بانتزاع السلطة السياسية وإدارتها بشكل ديمقراطي كامل لمصلحة الغالبية العظمى من الناس، منتجي الحياة وصناعها.
ومصر ليست بعيدة عن ذلك كله، بل في قلبه بطبيعة الحال بحكم ثقلها السكاني الكبير. كشفت المحنة عن الكوارث التي تسببت فيها عقود من إهمال الخدمات العامة وتقليص الاستثمار بها وتوجيه الإنفاق العام لمشروعات غير ضرورية. كما كشفت عن هشاشة النمو الذي تغنّت به المؤسسات الدولية المقرضة والمانحة، وهو نمو اعتمد على قطاعات أصبحت كلها في مهب الريح عند أول اختبار حقيقي كالسياحة والقطاع العقاري على سبيل المثال. وكشفت الأزمة كذلك عن واقع التفاوت الاجتماعي الرهيب في الوصول للسلع الأساسية والخدمات الصحية واحتكارها الفعلي ونتائجه الكارثية. وقبل ذلك كله كشفت الأزمة عما تقود إليه السلطوية وغياب مؤسسات حكم محلي منتخب ومسئول أمام ناخبيه من بطء في اتخاذ القرار وغياب للشفافية يجعل الناس فريسة للهلع والشائعات.
ولكن كذلك، وكما حدث في كل بقاع العالم، فرضت الأزمة على النخبة الحاكمة قرارات وإجراءات طالما ترفعت عن مناقشتها، كتأجيل الاستحقاقات الائتمانية البنكية للأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة لمدة ستة شهور أو إتاحة إجازات مدفوعة الأجر لفئات من العاملين بالدولة، وصرف إعانات عاجلة للعمالة غير المنتظمة وتخصيص حزمة من مائة مليار جنيه مصري لمواجهة الأزمة وتداعياتها. كل ذلك ضروري وجيد، ولكنه غير كاف بحد ذاته، ويجب أن يرتبط بحزمة أشمل من الإجراءات، نطرح منها على سبيل المثال:
١ . وضع كافة المستشفيات الخاصة والأهلية ومستشفيات الجمعيات الدينية والجامعات الخاصة والمستشفيات العسكرية والشرطة والمستشفيات الجامعية تحت إشراف وإدارة وزارة الصحة لاستخدامها كيفما ترى لخدمة خطتها للحجر الصحي، وبالأخص أسرّة العناية المركزة.
٢. وضع الأسواق والصيدليات تحت رقابة صارمة لمنع زيادة الأسعار وضمان تدفق المنتجات للأسواق ووقف أي احتكارات والسلع الهامة في مواجهة الفيروس مثال المستلزمات الطبية وأدوات التطهير، ووضع كافة المصانع الخاصة المنتجة لمستلزمات طبية وحيوية مثل الأقنعة وأدوات التطهير اللازمة تحت إشراف الدولة لحين انتهاء الازمة لضمان عدم رفع أسعار المنتجات، وتنشيط عمل الجمعيات الاستهلاكية وتوفير السلع الأساسية بها يأسعار مخفضة لمواجهة ارتفاع أسعار السوق.
٣. توفير سلع إضافية مثل البقوليات وأدوات النظافة الشخصية والمطهرات على البطاقات التموينية بحيث تغطي احتياجات الأسر وتقليل أعبائها المالية مع احتمال توقف دخل عمال اليومية والتراحيل.
٤. إعفاء الفئات الأقل استهلاكاً من دفع فواتير المياه والكهرباء والغاز لمساعدتهم على تخطي الأزمة بالأخص مع احتمالية توقفهم عن العمل في حالة ضرورة.
٥. منح إجازات مفتوحة للموظفين والعمال العاملين في قطاعات غير حيوية لا تمس الإنتاج الحيوي أو الخدمات الحيوية للمجتمع، ويجب إلزام القطاع الخاص بدفع المرتبات للعاملين كاملة حتى في حالة توقفهم عن العمل لحين انتهاء الأزمة.
٦. منح الأحقية في إجازة مدفوعة الأجر للأمهات بالتوازي مع إجازات المدارس لقدرتهم على التواجد بجانب أطفالهم.
٧. تشريع ضريبة على الثروة للأفراد الذين تتخطى ملكيتهم 10 مليون لمرة واحدة لتمويل وزارة الصحة والتموين لمواجهة الأزمة، ومناقشة القانون في جلسة عاجلة واستثنائية للمجلس.
٨. وضع حد أقصى للتحويلات للخارج قدره ١٠ آلاف دولار شهرياً أو ما يعادله من عملات أخرى في وقت الأزمة لمنع تسرب الأموال للخارج والحفاظ على السيولة الدولارية ووضع القطاع المصرفي تحت رقابة صارمة لسد العجز في تدفق الدولار نتيجة تعطل قطاع السياحة و النقص المتوقع في تحويلات العاملين بالخارج.
٩. فتح باب التطوع لمساعدة أجهزة الدولة في مقاومة انتشار العدوى تحت اشراف وتدريب وزارة الصحة والتضامن الاجتماعي بحيث تتكون مجموعات صغيرة في كل منطقة سكنية للقيام بعمليات تطهير وسائل النقل الجماعية (الميكروباص،والتوك توك) والمساكن والمرافق العامة في كل حي أو منطقة سكنية على أن يتم ذلك بشكل يومي وتقوم الوزارات المختصة بمدهم بالادوات اللازمة لذلك.
١٠. وتذكرنا هذه الأزمة أيضاً بضرورة فتح نقاش مجتمعي وعام لبحث إمكانية توفير نظام تأمين صحي شامل للأسر المصرية كلها دون تمييز ورفع ميزانية وزارة الصحة ورفع مرتبات الأطباء والعاملين بالمستشفيات العامة وبدل العدوى مما يعطي الفرصة لمواجهة تسليع الخدمات الصحية وقدراتنا جميعاً على العيش بصحة وسلامة.
١١. وبديهي أن كل الإجراءات السابقة لن تحقق مبتغاها إلا في سياق من الشفافية التامة يسمح لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بالقيام بدورها في إتاحة المعلومات وتوعية الجمهور، واللامركزية بما يسمح لمؤسسات الحكم المحلي ومنظمات المجتمع المدني بالتحرك بسرعة وكفاءة واستقلالية، وما يقتضيه ذلك من تخفيف التحكم الأمني الشامل في مؤسسات صنع القرار ورقابتها على قنوات تبادل المعلومات.
مرة أخرى، نحن نواجه أزمة تتطلب منا تفكيرًا جريئًا مبدعًا يتجاوز أسر المعتقدات البالية والمصالح الضيقة التي أحكمت خناقها على مصير البشر لعقود، وآن أوان التحرر منها.