العيش والحرية: نرفض الدعاية لحل عسكري في أزمة سد النهضة ولا بديل عن اتفاق عادل يفتح الطريق للتعاون والعيش المشترك
الأمر بات مرهونًا ببذل مصر المزيد من الجهود الدبلوماسية وأن تتوقف أثيوبيا عن المقامرة الرديئة وتدرك مخاطر التعنت
تأجيج العداوات بين الشعوب الأفريقية باسم الأمن القومي وغيره لا يمكن اعتباره موقفًا وطنيًا أو ديمقراطيًا بأي حال
كتب – فارس فكري
أصدر حزب العيش والحرية تحت التأسيس رؤية موقف حول أزمة سد النهضة الأثيوبي، مؤكدا رفضه للدعاية للحل العسكري، ويراها دعاية خطيرة وغير مسئولة، ستؤدي إلى توتر إقليمي كبير، وليست حلا للقضية.
وأضاف البيان الذي صدر اليوم الأحد أن الحل هو إيجاد اتفاق ملزم يحمي حقوق الشعبين المصري والسوداني ويسمح في الوقت نفسه لأثيوبيا من استغلال مياه النيل الأزرق.
وإلى نص البيان:
في الأسابيع الأخيرة دخلت أزمة سد النهضة في منعطف خطير. فإعلان فشل وساطة السودان، وإعلان المسئولين الأثيوبيين عن أن أثيوبيا ماضية في ملء السد باتفاق أو بدون اتفاق، رفع حدة التوتر والقلق لحدود غير مسبوقة مما اضطر مصر لإرسال شكوى لمجلس الأمن تطالب بتحمل المسئولية في أمر يمس الأمن والسلام الدوليين.
ويوم الجمعة الماضي، ٢٦ يونيو، عقد اجتماع بناء على دعوة رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، بصفته رئيسًا للاتحاد الأفريقي في دورته الحالية، لرؤساء الدول الأعضاء بهيئة مكتب الاتحاد الأفريقي لمناقشة الأمر، وبدا من تصريحات مصر والسودان أن هناك فرصه لحدوث انفراجة بعد أسابيع من تصاعد التوتر حيث صرحوا أن إثيوبيا تعهدت بعدم ملئ السد بدون الوصول لاتفاق. وفي هذا السياق، نود التأكيد على بعض النقاط التي تشكل محددات عامة للأزمة الراهنة:
١- إن أحد أهم المتغيرات في القضية هو تطور موقف السودان وإعلانها بوضوح القلق من ملء السد بدون اتفاق وخطورة هذا على حياة ملايين السودانيين كما نصت رسالة الحكومة السودانية لمجلس الأمن، وهي رسالة تجاوزت بها السودان حالة الحياد أو التذبذب الذي صبغ موقفها لأعوام لصالح التعبير الواضح عن مخاوفها، الأمر الذي نراه ذو تأثير كبير على قراءة المجتمع الدولي للقضية وموقف دول الاتحاد الأفريقي. إن تطور موقف السودان لا يمكن تفسيره بالجهود الدبلوماسية المصرية وفقط، بل هو كذلك نتيجة محمودة للتغيير في طبيعة السلطة هناك وشراكة قوى مسؤولة ومتحيزة للمواطنين السودانيين في معادلة الحكم بعد ثورتهم العظيمة التي نأمل أن تستكمل مشروعها في بناء دولة ديمقراطية لكل مواطنيها رغم كل التحديات الداخلية والخارجية.
٢- لا تزال أثيوبيا تعاند، وفي بيانها الصادر بعد الاجتماع لم تتعهد بعدم الملء إلا بعد الاتفاق واستخدمت كلمات فضفاضة لوصف الاتفاق وعفت نفسها من أي وعود. نرجو أن تتوقف هذه الألعاب التي تصدر عن حسابات سياسية ضيقة للغاية. وهي فوق ذلك حسابات خاطئة في تقديرنا، فالاستفادة من السد في دعم جهود تنمية حقيقية لأثيوبيا لن يحدث إذا تحول السد إلى موضوع لتوتر مستمر في حوض النيل والقارة الأفريقية بوجه عام بإقدام أثيوبيا على أي إجراءات أحادية.
٣- لعب كل من البنك الدولي والإدارة الأمريكية دورًا في دعم الموقف المصري، ولكن يظل تحمل الاتحاد الأفريقي مسؤوليته هو التطور الأهم في الفترة الأخيرة. فمن ناحية، يعدّ حضور الاتحاد الأفريقي في حسم قضية سد النهضة إحياءًا لإطار عمل إقليمي هام من أجل قضايا التنمية والأمن الأفريقية والدفاع عن مصالح الشعوب الأفريقية التي تعاني الفقر وغياب الأمن والنزاعات الأهلية الناتجة عن أشكال مختلفة من النهب والاستغلال التاريخيين سواء خلال الحقب الاستعمارية أو حقب العولمة النيوليبرالية. كذلك هو إجهاض لمساعي تأجيج النعرات ضد مصر، شعبًا وحكومةً، باعتبارها جسمًا غريبًا عن دول أفريقيا مدعوم من الغرب والخليج لقطع الطريق على حقوق الشعوب الإفريقية في التنمية، وهي الدعاية التي تستغلها النخبة الحاكمة الأثيوبية في هذه القضية لإضعاف الموقف الرسمي المصري. والأمر سيتوقف على قدرة الاتحاد الأفريقي في الوصول لاتفاق عادل وألا يتحول هو نفسه لأداة في أيدي أثيوبيا لكسب الوقت والمناورة.
٤- إن إعلان المبادئ الذي تم التوافق عليه في 2015 والذي بمقتضاه اعترفت مصر بحق إثيوبيا في بناء السد هو مفتاح هذا التحول الذي قد يفتح بدوره الطريق لتحول حقيقي في علاقة مصر بدول حوض النيل عامة وأثيوبيا خاصة في لحظة تحول كبرى في تاريخ المنطقة وانهيار الأنظمة والأطر الإقليمية القديمة. وهي خطوة جاءت متأخرة حيث إن الدولة المصرية أهملت لعقود علاقاتها الأفريقية وتعالت إداراتها على الأفارقة، بل تبنت أحيانا مواقف ودعاية عنصرية تجاه دول قارة أفريقيا. لكن إعلان المبادئ نفسه، رغم نواياه الطيبة وحمله رسالة أفريقية جديدة، كان يتطلب متابعة وجهود مصرية على مستويات مختلفة لتفعيل هذا التوجه وسبل التعاون المشترك واستثمار أكبر في أطر العمل الأفريقي طوال الخمس سنوات الماضية. فأفريقيا تتغير ونخبها وطبقاتها الحاكمة تشهد تحولات داخلية مهمة وتنويعًا في علاقاتها الخارجية، ويزداد حضور دول كالسودان وإثيوبيا في الخريطة الدولية وتجاذبتها، واعتراف مصر بحقوق إثيوبيا والسودان في الاستفادة من مياه النيل في أغراض التنمية هو فرصة لأن يتحول هذا الحضور لقوة للإرادة الأفريقية المستقلة والعمل المشترك بدلا من أن تتعمق النزاعات والصراعات. وبقدر ما يعتبر إعلان المبادئ إعلان حسن نوايا مصري، فإنه يجب أن يقابل بمسئولية من أثيوبيا وجدية من الاتحاد الأفريقي حتى تتجنب الانزلاق في توترات خطيرة بدلا من فتح طريق جديد لأفريقيا جديدة.
وبناءًا على قراءتنا لتلك المحددات فإننا نرى التالي:
– الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو في إنجاز اتفاق ملزم وعادل لحماية حقوق الشعب المصري والسوداني وفي نفس الوقت يمكّن أثيوبيا من استغلال مياه النيل الأزرق، اتفاق يخلق آلية مستمرة للتشاور وقواعد متفق عليها وملزمة للاستغلال الأنسب والعادل لمياه النيل تحت إشراف الاتحاد الأفريقي. إننا نرى أن هذا الاتفاق يمكن أن يتحول إلى انتصار رمزي كبير للعمل الأفريقي المشترك والاتحاد الأفريقي كآلية إقليمية فاعلة تدعم تعاون الشعوب وتشارك الموارد وتفتح الطريق لشراكات مختلفة تدافع عن حقوق الشعوب الأفريقية ومواردها وأمنها، وتساعد في إتمام التحولات الأفريقية نحو الديمقراطية والرشادة والمساواة وتجاوز واقع النهب والاستبداد والاستغلال.
– نرفض الدعاية التي تتبناها بعض الأصوات السياسية في مصر، والتي لا ترى سوى حل عسكري في مواجهة مشروع السد، وهي دعاية نراها خطيرة وغير مسئولة، فالتدخل العسكري في هذه القضية لن يترتب عليه في تقديرنا غير أوضاع أسوأ وتوتر إقليمي كبير، كما إننا لا نراه حلا للقضية، ولن ينتج عنه سوى تراجع كبير في موقف مصر المدعوم دوليا وشرعنة كبيرة لأي رعونة أو ممارسة عدائية أثيوبية، كما أنه يعمق أزماتنا الداخلية ولن ينتج عنه سوى المزيد من التدهور في أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان بفعل التجييش والتخوين الملازمين حتمًا لتلك الدعوات. إن مصير شعوب حوض النيل، والشعوب الأفريقية عمومًا، واحد وأعدائهم كذلك واضحين من قوى ومؤسسات عالمية ترعى سياسات الإفقار والنهب والتبعية. وبالتالي، فتأجيج العداوات بين الشعوب الأفريقية باسم الأمن القومي وغيره من المصطلحات، لا يمكن اعتباره موقفًا وطنيًا أو ديمقراطيًا بأي حال من الأحوال.
– ورغم إيماننا بأن الاتفاق هو الحل الوحيد المناسب والمتحيز للشعوب وحقها في التنمية، فإن الأمر بات مرهونًا بأن تبذل مصر المزيد من الجهود الدبلوماسية إقليميا وعالميا، وأن تتوقف أثيوبيا عن المقامرة الرديئة وتدرك مخاطر التعنت واللعب والمزايدات ومزايا التعاون وآفاقه، وما يمكن إنجازه باحترام حقوق الشعوب وقيم العيش المشترك، وهو أمر صعب بطبيعة الحال، ولكنه مرهون بأن تفتح المنافذ لتعبير الشعوب – صاحبة الحق الأصيل في مثل هذه الاتفاقات – للتعبير عن إرادتها وتطلعاتها وخياراتها.