العيش والحرية: رفع سعر الخبز المدعم إعلان صريح بالانحياز ضد مصالح غالبية الشعب.. وإمعان في الاستهزاء بمعاناته
كتب – أحمد سلامة
انتقد حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) قرار الحكومة الصادر مؤخرا برفع سعر الخبز المدعم من خمسة قروش إلى عشرين قرشا، بما يعادل 400% من قيمته.
وقال الحزب في بيان أصدره “لم يأت قرار الحكومة اليوم برفع سعر رغيف الخبز المدعم بنسبة ٤٠٠٪ من ٥ قروش إلى ٢٠ قرش بشكل مفاجئ. فقد سبقته موجة تصريحات متناغمة لكافة المسئولين تعرب عن النية لرفع أسعار الخبز، والكهرباء، والوقود، والمشتقات البترولية. وكررت تلك التصريحات الإدعاء بأن الدعم هو المسئول عن عجز الموازنة العامة، وأن ضغط النفقات واجب ضروري لسدّ هذا العجز، وأضافت أن تكلفة رغيف الخبز تتجاوز المائة مليار جنيه في السنة الواحدة وأن الدولة لا يمكنها تحمل هذه التكاليف أكثر من ذلك”.
واضاف “لا جديد في كلام السلطة ولا جديد في ردود المعارضة المصرية الديمقراطية، بل وكل صوت عاقل منحاز للحقيقة. لقد قلناها مرارًا، وكررناها حدّ الملل: المسئول الرئيسي عن عجز الموازنة العامة هو الديون، والتي تلتهم تقريبًا نصف بند المصروفات العامة (٤٧٪ على وجه التحديد)، وكذلك ضعف الحصيلة الضريبية، نتيجة التقاعس المستفز عن فرض ضرائب إضافية على الأغنياء، خصوصًا بعد التأجيل الأخير في تحصيل ضريبة الأرباح الرأسمالية إلى العام القادم، والإعلان عن عدم فرض ضرائب جديدة على الدخل اكتفاءً بالضرائب المباشرة التي تثقل كاهل الفقراء أساسًا مثل ضريبة القيمة المضافة”.
وأوضح البيان “أما دعم الخبز، في المقابل، فلا يشكل أكثر من ٢،٣٪ من النفقات الحكومية، وهي نسبة تافهة بكل المقاييس إذا ما قورنت حتى بدعم المواد البترولية – والذي يستفيد منه قسم معتبر منه أصحاب المصانع – والتي تبلغ حوالي ٤٪. بل إن نسبة الدعم الموجه للمواطن ككل، على كافة السلع والخدمات بما في ذلك الكهرباء، لم تتجاوز ٨.٥ ٪ من النفقات. أي أقل من خمس فاتورة الديون. والمفارقة المضحكة أن وزير التموين قد صرّح بأن رفع سعر الرغيف إلى ٢٠ قرش لن يوفر أكثر من ١٣،٧ مليار جنيه، أي أقل من ٣٠٠ مليون دولار، وهو مبلغ تافه بكل المقاييس…. هذه هي الحقائق وفقًا للبيانات الرسمية نفسها”.
وتساءل بيان العيش والحرية “السؤال هو لماذا تلجأ الحكومة للضغط على فقراء وكادحي البلد بهذا الشكل إذا كانت الحصيلة المتوقعة على هذا القدر من التفاهة؟ ولماذا تصرّ على تجاهل جذر المشكلة وهو الديون، وعلى تجاهل طريق الحلّ الطبيعي المتمثل في تحميل أصحاب الثروات نصيب عادل من المعاناة؟”.
واستدرك “الإجابة في في الانحياز الطبقي الفج، والسافر باختصار. وهو الانحياز الذي أعلن عن نفسه مرارًا، وأكدّ إعلانه اليوم. برفع سعر رغيف الخبز، يرسل النظام الحاكم رسالة واضحة أن لا تغيير في المسار، بل إن النيّة انعقدت على القضاء على كافة أشكال الدعم الموجه للمواطن، ولسان حال النظام يقول بين السطور: إذا نجح تمرير رفع سعر رغيف الخبز، فيمكن زيادة سعر أي سلعة أو خدمة في المستقبل بدون مشاكل. هي رسالة تحدي باختصار بدون مردود مالي يذكر، ولكن مردودها السياسي كبير، فهي ترسيخ واضح في أذهان الناس للمعادلة الجديدة: لا بديل عن السياسية الاقتصادية الحالية، بل إن المستقبل سيشهد المزيد من الاستدانة، والإفقار، وعليكم التكيف مع الأمر!”.
وتابع “أما السياسة الاقتصادية الحالية، فلا جديد أيضًا يذكر بشأنها بعد أن جفت حلوق كل صوت مخلص في البلد في التنبيه لمخاطرها. ولكن لنسمي الأمور بمسمياتها دون تعقيد. نحن بصدد نهب لما ينتجه عموم الناس في هذا البلد لمصلحة قلة رأسمالية احتكارية في الداخل، ترتبط مصالحها بقلة رأسمالية في الخارج. والنهب هذا يتخذ أشكالًا متعددة على رأسها الديون، التي نسددها من مدخراتنا القليلة، واستخدام نفس هذه المدخرات في مشاريع عملاقة في البنية الأساسية والقطاع العقاري لخدمة مصالح نفس الأقلية، ومواجهة التضخم الناتج عن هذه السياسات بأدوات مثل تعويم العملة، ورفع أسعار الفائدة التي تعود لتثري نفس الأقلية مرة أخرى المسيطرة على القطاع البنكي والمالي. هذا هو الأمر ببساطة، وحصاد السنوات الماضية نراه في إفقار الغالبية العظمى من المصريين، وتكدس أرباح هذه الأقلية في عدد محدود جدًا من القطاعات على رأسها القطاع المالي، والعقاري، ثم الصناعي كذلك. أما ما أنتجته هذه السياسة من فرص عمل، فهي فرص عمل غير مستدامة، لا تنتج قيمة مضافة تذكر، وأظهرت الأزمة مدى هشاشتها”.
واسترسل “وهذا الطريق، كما تدل التجارب التاريخية، هو طريق ذو اتجاه واحد. الاستدانة فخ لا فكاك منه، وأزماته لا يمكن مواجهتها إلا بالمزيد من الاستدانة، أو ببيع أصول البلد المنتجة، والتي تعتبر ملكًا لعموم الشعب وأجياله القادمة. هذه هي روشتة صندوق النقد الدولي، وغيره من الجهات المقرضة، وهذا هو ما حدث ببيع أرض رأس الحكمة أخيرًا، وقبله بيع عدد من الشركات الرابحة والتي تدرّ موارد دولارية عزيزة، مثل شركات الأسمدة مثلًا”.
وقال “في الواقع، لا فكاك من هذا الطريق إلا بتحرير السلطة السياسية من هيمنة المنتفعين من هذه السياسة، واستعادة الدولة مرة أخرى لتعمل لصالح الأغلبية. عندها فقط يمكن التفكير في طريق بديل يبدأ بالسيطرة على فوضى الاقتراض المباشر وغير المباشر، وتوجيه مدخرات القطاع البنكي تجاه الاستثمار المنتج بدلًا من التربح بالمضاربة على قيمة الجنيه أو إقراض الحكومة، وضغط نفقات الحكومة في مشروعات البنية الأساسية الموجهة لصالح أغنياء الإقليم، وتعديل الهيكل الضريبي المختل باتجاه فرض ضرائب على الثروات والأرباح الرأسمالية والمزيد من الضرائب التصاعدية على الفئات الأعلى دخلًا. وقبل كل ذلك، التصدي بجسارة لعبء الدين الخارجي، وخوض نضال عالمي مع غيرنا من شعوب الجنوب لإسقاط بعضه، وإعادة جدولة البعض الآخر، ومحاولة التحرر من هيمنة الدولار في التبادلات مع هذه الشعوب”.
واختتم البيان “هذا هو طريق المستقبل والذي لا تقدر على اختياره إلا حكومات منتخبة بحق من الأغلبية، وتخضع لمحاسبتها. وهو طريق شاق بلا جدال، ولكن بديله الوحيد هو الجوع والحياة الذليلة لمصلحة أقلية أتخمت من نهبنا…. وهذا ما لايمكن أن يقبل به شعبنا الحرّ حتى ولو بدا صامتًا، وقانعًا إلى حين”.