“العفو الدولية” توثق وفيات داخل السجون الإيرانية نتيجة الحرمان من الرعاية الصحية: متروكون عمدا لمواجهة الموت
القائمة ضمت 92 رجلاً و4 سيدات منذ 2010 أغلبهم شباب.. والمنظمة: حرمان تعسفي من الحياة
“العفو الدولية” تطالب بإصلاح لائحة السجون الإيرانية.. ونقل المحبوسين “ذوي الحالات المرضية” إلى مرافق طبية خارج السجون
كشفت منظمة العفو الدولية عن انتهاكات وصفتها بالمروّعة للحق في الحياة داخل السجون الإيرانية، من خلال حرمان السجناء المرضى عمدًا من الرعاية الصحية المنقذة للحياة ورفض التحقيق وضمان المساءلة عن حالات الوفاة غير القانونية أثناء الاحتجاز.
ووثقت المنظمة، في تقرير جديد، بعنوان: “في غرفة انتظار الموت: الوفيات في الحجز إثر الحرمان المتعمَّد من الرعاية الصحية في السجون الإيرانية، كيف تتسبب سلطات السجن بشكل روتيني في وقوع الوفيات أثناء الاحتجاز أو تساهم في حدوثها، بما في ذلك عن طريق منع أو تأخير وصول السجناء إلى المستشفى في حالات الطوارئ.
وبالاتساق مع الأنماط الراسخة للإفلات الممنهج من العقاب في إيران، حتى الآن، رفضت السلطات إجراء أي تحقيقات مستقلة وشفافة في حالات الوفاة في الحجز التي تتضمن تقارير عن الحرمان من الرعاية الصحية، وتقاعست عن ضمان محاكمة ومعاقبة المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية.
وقالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إنَّ تجاهل السلطات الإيرانية المروّع للحياة البشرية قد حوّل سجون إيران فعليًا إلى غرفة انتظار للموت للسجناء المرضى، حيث تصبح حالات قابلة للعلاج قاتلة بشكل مأساوي”.
وأضافت “حالات الوفاة في الحجز الناتجة عن الحرمان المتعمد من الرعاية الصحية ترقى إلى درجة الحرمان التعسفي من الحياة، وهو انتهاك خطير لحقوق الإنسان بموجب القانون الدولي. وتُشكل وفاة السجين في الحجز أيضًا إعدامًا خارج نطاق القضاء، وهي جريمة بموجب القانون الدولي، إذا كان المسؤولون عنها إما قصدوا التسبب في الوفاة أو كانوا يعرفون بدرجة كافية من اليقين أنَّ الوفاة ستكون النتيجة الحتمية لأفعالهم غير القانونية، ومع ذلك استمروا بارتكابها”.
ويستند التقرير، الذي يفصّل ملابسات وفاة 92 رجلاً و4 سيدات في الحجز في 30 سجنًا في 18 محافظة عبر إيران منذ يناير 2010، إلى توثيق منظمة العفو الدولية لمجموعة مختارة من الحالات التوضيحية، ونتائج تمّ التوصل إليها على امتداد فترة زمنية طويلة تثبت الحرمان المتعمد من الحق في الحصول على الرعاية الصحية الكافية في السجون الإيرانية، ومراجعة شاملة للتقارير التي أعدتها مجموعة حقوقية مستقلة.
وتمثل الحالات الـ96 التي تمت مراجعتها حالات توضيحية لا تفصيلية، حيث من المرجح أنَّ العدد الحقيقي للوفيات في الحجز يفوق هذا العدد بكثير، لأنّ الإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران لا يتمّ في كثير من الأحيان بسبب مخاوف مبررة من الانتقام.
وتستثني هذه القائمة حالات الوفاة في الحجز التي تنطوي على تقارير ذات مصداقية عن التعذيب الجسدي أو استخدام الأسلحة النارية، وهو ما تناولته منظمة العفو الدولية في تقرير منفصل نشر في سبتمبر 2021.
ووثقت منظمة العفو الدولية العواقب الوخيمة الناتجة عن الممارسة الشائعة لمسؤولي السجون المتمثلة في حرمان أو تأخير نقل السجناء من ذوي الحالات الصحية الحرجة إلى المستشفى.
كما وثقت المنظمة كيف يحرم مسؤولو السجن السجناء في كثير من الأحيان من الحصول على الرعاية الصحية الكافية، بما في ذلك الفحوصات التشخيصية والفحوصات المنتظمة والعناية ما بعد العمليات الجراحية، طوال فترة سجنهم، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكلهم الصحية، وإلحاق المزيد من الألم والمعاناة بحق السجناء المرضى. ويؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى وفاتهم المبكرة أو يساهم في حدوثها.
في إيران، تفتقر عيادات السجون للمرافق المطلوبة لمعالجة المشاكل الصحية المعقدة. كما أنها غير مزودة بعدد كافٍ من الأطباء العامين المؤهلين، ناهيك عن الأخصائيين الطبيين، الذين يُطلب منهم الزيارة لمدة ساعة أو بضع ساعات فقط خلال الأسبوع و”حسب الحاجة”. نتيجة لذلك، يجب دائمًا نقل السجناء الذين يعانون من حالات طبية طارئة ويحتاجون إلى رعاية طبية متخصصة على الفور إلى مرافق طبية خارجية.
توفي عبد الواحد جمشادزي في السجن الرئيسي في زاهدان في مايو 2016. وكان أطباء السجن قد حذروا من أنه بحاجة إلى دخول المستشفى، لكن المسؤولين رفضوا التجاوب. وقالت مجموعات حقوقية إنَّ الشاب البالغ من العمر 19 عامًا، والذي كان طفلاً وقت القبض عليه، توفي بسبب إهمال علاج الجلطات الدماغية التي نتجت عن الضرب الذي تعرض له أثناء اعتقاله و/أو استجوابه قبل وفاته بعامَين. ورُفضت طلباته المتعددة للعلاج خلال فترة سجنه.
وتوفي في السجن 64 من أصل 96 سجينًا الذين راجعت منظمة العفو الدولية قضاياهم. ومات كثيرون منهم في زنازينهم في السجن، مما يعني أنهم لم يتلقوا حتى إشرافًا طبيًا أساسيًا في ساعاتهم الأخيرة. وتوفي بعضهم أثناء احتجازهم في عيادات سجون سيئة التجهيز تفتقر إلى العاملين الطبيين.
كما توفي ما لا يقل عن 26 سجينًا أثناء نقلهم أو بعد وقت قصير من دخولهم المستشفى، بعد تأخير متعمد من قبل الطاقم الطبي في السجن و/أو مسؤولي السجن، مما أدى إلى الوفاة.
في ست حالات على الأقل، نُقل السجناء في حالة حرجة إلى الحبس الانفرادي أو أجنحة العقاب أو أقسام الحجر الصحي؛ توفي أربعة منهم بمفردهم في السجن بينما سُمح بنقل اثنَيْن في النهاية إلى المستشفى، لكن تبيّن أنَّ نقلهم جاء بعد فوات الأوان.
وفي كثير من الحالات، اتهم الطاقم الطبي في عيادة السجن ومسؤولو السجن السجناء الذين يعانون من حالات طبية طارئة بـ “التمارض” أو “المبالغة” في أعراضهم.
فعلى سبيل المثال، اتُهم نادر علي زهي بـ “التمارض” من قبل رئيس العيادة في السجن الرئيسي في زاهدان. وتوفي في نوفمبر 2017، عن عمر يناهز 22 عامًا. ووفقًا لمجموعات حقوقية، حُرم نادر من الرعاية الصحية المتخصصة لمرضه القلبي واكتفى طاقم العيادة بصرفه بعد إعطائه أدوية مخصصة للجهاز الهضمي.
في الغالبية العظمى من الحالات، كان السجناء المتوفون من الشباب أو في منتصف العمر – وتراوحت أعمار 23 منهم بين 19 و39 عامًا، بينما كان 26 منهم بين 40 و59 عامًا، مما يثير المزيد من المخاوف من أن أرواحهم قد أُزهقت قبل أوانها بسبب الحرمان من الرعاية الصحية.
تتميز السجون التي تضم أعدادًا كبيرة من الأقليات المقموعة بكثافة خاصة – فقد سُجلت 22 حالة وفاة من أصل 96 في سجن أرومية، محافظة أذربيجان الغربية، حيث ينتمي معظم السجناء إلى الأقليات الكردية والتركية الآذرية. وسُجلت 13 حالة وفاة في السجن الرئيسي في مدينة زاهدان بمحافظة سيستان وبلوشستان، حيث ينتمي معظم السجناء إلى أقلية البلوش المقموعة في إيران.
وتوفي ما لا يقل عن 11 سجينًا بعد حرمانهم من الرعاية الصحية الملائمة لإصابات ناجمة عن حوادث محددة وقعت وقت الاعتقال أو أثناء السجن. وتوفي 85 سجينًا آخرين بعد حرمانهم من الرعاية الصحية المناسبة لحالات الطوارئ الطبية الخطيرة التي تشمل، من بين حالات أخرى، النوبات القلبية والسكتات الدماغية، ومضاعفات أمراض الجهاز الهضمي، ومضاعفات أمراض الجهاز التنفسي، ومشاكل الكلى، وكوفيد-19 أو غيره من الأمراض المعدية، والتي إما ظهرت فجأة أو كانت مرتبطة بالأمراض التي عانوا منها مسبقًا والتي لم يتلقوا رعاية صحية متخصصة مناسبة لها طوال فترة سجنهم.
وكانت قضايا 20 سجينًا ذات طبيعة سياسية. أما الباقون، فقد أدينوا أو وجهت إليهم تهم بارتكاب جرائم غير سياسية.
وشجعت أزمة الإفلات الممنهج من العقاب السائدة في إيران مسؤولي السجون على الاستمرار في الحرمان القاتل من الرعاية الصحية للسجناء.
وتتميز هذه الأزمة ليس برفض السلطات المنهجي للتحقيق فحسب، ولكن أيضًا بترويجها للروايات التي تشيد بجودة الخدمات الصحية المقدمة للسجناء بوصفها “نموذجية” أو “لا تُضاهى” في جميع أنحاء العالم، مما يشير إلى غياب النية بتغيير المسار.
في ضوء هذا السياق، تكرر منظمة العفو الدولية دعوتها لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء آلية تحقيق ومساءلة لجمع وحفظ وتحليل الأدلة على أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي وانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في إيران لتسهيل الإجراءات الجنائية العادلة.
لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح التي كان من الممكن تجنبها نتيجة الحرمان من الرعاية الصحية الحيوية، حثت منظمة العفو الدولية السلطات الإيرانية على التكفُّل، في القانون والممارسة، بأن يُنقل فوراً السجناء الذين يعانون من حالات طبية طارئة إلى مرافق طبية خارج السجون، لحين إجراء تحسينات هيكلية في عيادات السجون.
وبالمثل، دعت إلى نقل السجناء الذين تُشخص إصابتهم بأمراض خطيرة سابقة، أو الذين تظهر عليهم علامات أو أعراض قد تنذر بمشاكل صحية خطيرة، إلى مرافق صحية خارج السجون على وجه السرعة لتلقي الرعاية الصحية الكافية.
كما تدعو منظمة العفو الدولية السلطات الإيرانية إلى إصلاح الأحكام المعيبة بشدة في لوائح السجون الإيرانية، والتي تمنح مديري السجون وموظفي الادعاء سلطة تجاهل أو نقض المشورة الطبية واتخاذ قرارات الرعاية الصحية المتعلقة بنقل السجناء لتلقي العلاج.