“العفو الدولية” تطالب بتحقيق فوري في قتلى تظاهرات السودان: تصعيد عسكري مقصود لترهيب المحتجين
قالت منظمة العفو الدولية إن قوات الأمن السودانية كثفت من استخدامها للقوة المميتة خلال الأسبوعين الماضيين لقمع الاحتجاجات ضد استيلاء الجيش على السلطة الشهر الماضي، ونفذت عشرات من عمليات القتل غير المشروع، وأصابت ما لا يقل عن 50 شخصاً بأعيرة نارية، مطالبة بالتحقيق في الوقائع.
ووفقاً للجنة أطباء السودان، وهي جماعة ترصد الوضع، قُتل 40 شخصاً على الأقل، أغلبهم بالرصاص الحي، خلال مظاهرات في العاصمة الخرطوم منذ 25 أكتوبر عندما أعلن قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ على مستوى البلاد وحل مجلس الوزراء، واعتقل العشرات من السياسيين المدنيين.
وقال ديبروز موتشينا، المدير الإقليمي لبرنامج شرق وجنوب أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن التصعيد في استخدام القوة المميتة من السلطات الأمنية في السودان في الأسبوعين الماضيين كان مدروساً لترهيب وقمع الاحتجاجات في الشوارع ضد استيلاء الجيش على السلطة الشهر الماضي” .
“فقتْل العشرات من المحتجين العزل يدعو إلى إجراء تحقيق فوري ومستقل ومحايد لضمان المساءلة عن عمليات القتل، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي زُعم أن قوات الأمن قد ارتكبتها. ويجب على السلطات التحقيق في عمليات إطلاق النار المميتة للمحتجين العزل، والسماح بمراقبة هذا التحقيق دولياً، ومحاسبة المسؤولين.
أعمال القتل على أيدي قوات الأمن
كثفت قوات الأمن استخدام القوة المميتة لمواجهة الاحتجاجات التي نُظمت في العاصمة الخرطوم يومي 13 و 17 نوفمبر، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 23 شخصاً، وفقا للجنة أطباء السودان.
وقد أكدت البحوث والمقابلات التي أجرتها منظمة العفو الدولية أن ما لا يقل عن تسعة من المحتجين، الذين قُتلوا في 13 و17 نوفمبر/تشرين الثاني، قد لقوا حتفهم متأثرين بجراح أصيبوا بها من طلقات نارية، بما في ذلك أحدهم قُتل بسبب رصاص القناصة. كما أكدت منظمة العفو الدولية أن ما لا يقل عن 50 شخصاً قد أصيبوا بأعيرة نارية خلال الاحتجاجات.
ومنذ أن استولى الجيش على السلطة في السودان الشهر الماضي، استخدمت قوات الأمن الذخيرة الحية، والغاز المسيل للدموع، بشكل متزايد، لتفريق الاحتجاجات الواسعة النطاق. وأسفر اتفاق، تم توقيعه في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، عن إعادة رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك، والذي قال بعد إعادة تعيينه إن السلطات ستجري “تحقيقاً مستقلًا وشفافاً في جميع الانتهاكات” التي ارتكبت منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول.
وقال ديبروز موتشينا: “نظراً للسجل السيء السابق للسلطات السودانية فيما يتعلق بالتحقيق في انتهاكات مماثلة في الماضي، يجب أن يراقب مراقبون دوليون أي تحقيق في هذه الانتهاكات ويساعدون فيه، لضمان تحقيق نتائج موثوقة”.
“فتوقيع اتفاق سياسي لا ينبغي أن يسمح لمرتكبي هذه الانتهاكات بالإفلات من العقاب”.
تصاعد استخدام القوة المميتة ضد المحتجين
أكد البحث الذي أجرته منظمة العفو الدولية أن تسعة من المحتجين الذين قتلوا قد لقوا حتفهم جميعاً من طلقات نارية استهدفت رؤوسهم وأعناقهم وصدورهم في 13 و 17 نوفمبر، بما في ذلك أحدهم قُتل بسبب رصاصات القناصة، فضلاً عن 50 حالة، على الأقل، من الإصابات الناجمة عن أعيرة نارية. وأطلقت النار على أحد هؤلاء المصابين، على الأقل، من قبل قناص. ولم يكن استخدام القوة المميتة مبرراً لأنهم كانوا جميعا عُزّل. كما أثبتت منظمة العفو الدولية أيضاً أن عناصر الأمن داهموا المستشفيات.
في 13 نوفمبر، قتل أربعة محتجين، توفي ثلاثة منهم متأثرين بطلقات نارية، وواحد باختناق من الغاز المسيل للدموع، وفقا للجنة أطباء السودان. وأكدت منظمة العفو الدولية أن واحداً، على الأقل، من هؤلاء المحتجين قُتل برصاص قناص.
كان الشيخ يوسف، طالب المدرسة الثانوية البالغ من العمر 18 عاماً، يسير مع أصدقائه في شارع الأربعين بأم درمان، المدينة التوأم للخرطوم، عندما أخبر أصدقاءه أنه رصد قناصاً على أحد أسطح المنازل. وعندما أشار الشيخ إلى أعلى، أصيب برصاصة جاءت من نفس الاتجاه، على حد قول أحد أفراد أسرته وأصدقائه لمنظمة العفو الدولية.
بحلول الوقت الذي أحضره أصدقاؤه به إلى المستشفى، كان الشيخ قد مات بالفعل. وأكد تشريح الجثة أنه توفي متأثرا بعيار ناري في كتفه، اخترق صدره وقلبه.
قال أحد أقارب الشيخ المقربين له لمنظمة العفو الدولية “أنا مدمّر. أنا على وشك فقدان إيماني بالله. كيف يمكن أن يحدث شيء كهذا؟!”
وهذا يؤكد تقارير متعددة لنشطاء سودانيين عن قناصة أطلقوا النار على المحتجين من فوق أسطح المنازل، ووجهوا رصاصهم نحو رؤوسهم وصدورهم.
“وتظهر عمليات القتل هذه أن هناك خطة متعمدة ومستهدفة من قبل السلطات لقمع الاحتجاجات بأي ثمن”.
“ويلزم إجراء تحقيق مستقل ومحايد لضمان تقديم الجناة إلى العدالة من خلال المحاكم في محاكمات عادلة”.
في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، واصلت قوات الأمن أعمال العنف، فقتلت ما لا يقل عن 15 محتجاً، وفقاً لإحصاء لجنة أطباء السودان. فما بين الساعة 1:45 و 5:15 مساءً يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني، تلقى المستشفى الدولي في الخرطوم بحري ثماني حالات إصابة بالرصاص. ثلاثة أصيبوا بطلقات نارية في الصدر، وثلاثة أصيبوا بطلقات نارية في الرأس، واثنان في العنق. وقال أحد العاملين بالمستشفى، الذي كان في الخدمة آنذاك، لمنظمة العفو الدولية إن جميعهم ماتوا في وقت لاحق.
ونزف محتجون آخرون حتى الموت قبل وصولهم إلى المستشفى. وقُتلت إحدى المحتجات، تبلغ من العمر 25 عاماً، ست النفور بابكر، عندما أصيبت برصاصة في وجهها أثناء هروبها من الشرطة في الخرطوم بحري حوالي الساعة الرابعة مساء. وقال أحد أفراد الأسرة المقربين لها لمنظمة العفو الدولية إن الضحية كانت طالبة تمريض وناشطة متفانية في عملها، و”فتاة متواضعة وشجاعة للغاية كانت دائماً في طليعة الاحتجاجات.” وقال أولئك الذين يعرفونها لمنظمة العفو الدولية إنها كانت تقول إنها تحتج من أجل دولة مدنية وأنها إذا ماتت، “خذوا لي حقي”.
قُتل محتج آخر بالذخيرة الحية في نفس اليوم، مزمل الجنيد، وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 32 عاماً. وقتل بالرصاص في حوالي الساعة الرابعة والنصف مساء في الخرطوم بحري. وأخبر أحد أفراد الأسرة المقربين منظمة العفو الدولية “لم يشهد أحد ما حدث. تلقينا فقط مكالمة تخبرنا بالحضور إلى المستشفى للتعرف على جثة. عندما وصلنا وجدنا جثته وعليها إصابات بأعيرة نارية”.
تتبع أعمال العنف نمطًاً طويل الأمد من استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة والمميتة، بما في ذلك من خلال إطلاق الذخيرة الحية على المتحجين لتفريق المظاهرات في السودان. إلا أن هذا النمط تصاعد بشكل كبير لمواجهة احتجاجات المدنيين العزل منذ استيلاء الجيش على السلطة.
وأضاف ديبروز موتشينا قائلاً: “إن الزيادة في عمليات القتل الأسبوع الماضي تؤكد أن قادة الأمن في السودان يستخفون بالحق في الحياة والتظاهر السلمي، وتظهر ازدراءً للمعايير القانونية التي تحكم استخدام القوة”.
عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفية
وفي الوقت نفسه، واصلت السلطات العسكرية اعتقال السياسيين والنشطاء المدنيين، إضافة إلى العشرات الذين تم اعتقالهم تعسفياً في جميع أنحاء البلاد منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول. ولكن قد تم الإفراج عن بضعة معتقلين منذ توقيع الاتفاق السياسي في 21 نوفمبر/تشرين الثاني.
نور الدين صلاح، عضو بارز في حزب المؤتمر السوداني، قُبض عليه في منتصف ليل 16 نوفمبر/تشرين الثاني عندما اقتحمت مجموعة من رجال الأمن المسلحين منزله في الخرطوم. وأخبر أفراد عائلته منظمةَ العفو الدولية أنهم عصبوا عينيه واقتادوه بعيداً. وجاء الاعتقال بعد ساعات فقط من ظهور صلاح في مقابلة بثتها قناة الجزيرة العربية، انتقد فيها استيلاء الجيش على السلطة. وقالت شقيقته لمنظمة العفو الدولية إنهم يطالبون بمعلومات عن مكان وجوده، والتهم الموجهة إليه.
وأكدت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش في بيان مشترك، في 9 نوفمبر، أن ما لا يقل عن ثمانية معتقلين محتجزون في أماكن غير معلنة، دون السماح لهم بمقابلة عائلاتهم أو محام، في ظروف قد ترقى إلى حد الاختفاء القسري. إلا أنه قد تم الإفراج عن أحدهم.
كما عمدت السلطات أيضاً إلى حجب الإنترنت وتعطيل الاتصالات، منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول، للحد من قدرة الأشخاص على التخطيط للاحتجاجات وتوثيقها. فقد انقطع الإنترنت لأكثر من ثلاثة أسابيع، في حين انقطعت خطوط الهاتف لساعات في 17 نوفمبر/تشرين الثاني. ثم أعيدت الخدمات في 18 نوفمبر/تشرين الثاني.
واختتم ديبروز موشينا قائلاً: “من الواضح أن الجهات الأمنية السودانية تعمل بشعور من الإفلات التام من العقاب”.
“إذا استمرت في مسارها الحالي، فمن الواضح أننا سنفقد المزيد من الأرواح. يجب أن تخضع السلطات للمساءلة، بما في ذلك الأفراد الذين يتحملون أكبر قدر من المسؤولية عن ارتكاب هذه الانتهاكات الجسيمة”.