العالم يتسابق على الخلاص.. تجارب في أمريكا وفرنسا والصين وروسيا وإيطاليا لانتاج لقاحات لـ كورونا
تجارب سريرية في الصين وأمريكا وروسيا .. وفرنسا تجري تجارب على عقاقير قديمة والنتائج مبشرة
تعاون أمريكي فرنسي لانتاج لقاح .. وألمانيا ترد على محاولة أمريكية : لن نسمح للآخرين بأخذ نتائج معاملنا
محمود حسنين ووكالات
عمل لا يهدأ في مختبرات علمية حول العالم، بهدف إيجاد لقاح يتيح تطويق فيروس كورونا. ومع توالي الأيام، بدأت إشارات إيجابية في بعض المختبرات، فمن يحقق سبق إنقاذ البشرية من واحد من أخطر الفيروسات عبر التاريخ الحديث؟
بعد وصول جائحة كورونا إلى مستويات جد حرجة أدت بالعديد من الدول إلى إعلان حالة الطوارئ وإغلاق الحدود ومنع التجمعات، تحوّل إيجاد لقاح مضاد لهذا الفيروس أمرا حيويا للغاية لأجل إنقاذ العالم من أزمة إنسانية لم تحدث منذ أجيال. مختبرات عديدة أعلنت أنها تسير في الاتجاه الصحيح لإيجاد اللقاح. هذه نظرة على أهم الجهود عبر العالم:
تجارب سريرية صينية وتحالف دوائي
وأقرت الصين إجراء التجارب السريرية على أول لقاح يتم تطويره لمكافحة فيروس كورونا الجديد، بعد أقل من 24 ساعة على تجارب مماثلة في الولايات المتحدة.
وأورد تقرير نشرته صحيفة الشعب اليومية، أن الصين أجازت إجراء التجارب السريرية على أول لقاح تطوره لمحاربة فيروس كورونا.
وأضاف التقرير أن فريق الباحثين الذي يعمل على التجارب، يقوده الدكتور تشين واي، من أكاديمية العلوم الطبية العسكرية في الصين.
وكانت الصحيفة نفسها نشرت تقريرا آخر حول تحالف استراتيجي بين شركة أدوية ألمانية وأخرى صينية لتطوير وتسويق لقاح ضد الفيروس في الصين.
وبحسب التقرير، فقد أعلنت شركة الأدوية الألمانية “بيونتيك”، الاثنين، عن تحالفها الاستراتيجي مع الذراع الصيدلانية لمجموعة “فوسون غروب” الصينية لتطوير وتسويق لقاح ضد مرض “كوفيد-19” في الصين.
وستجري الشركتان الألمانية والصينية تجارب سريرية مشتركة على لقاح أطلق عليه اسم “إم آر إن إيه” من الشركة الألمانية، في الصين، حسب بيان من الشركة الألمانية.
وأضافت الشركة الألمانية أن التعاون سيعزز التقنية الخاصة للقاح الشركة، ويرفع القدرات التطويرية السريرية والتسويقية للشركة الصينية في الصين.
وبموجب الاتفاق، ستقوم شركة “فوسون فارما” الصينية بتسويق اللقاح في الصين بعد الموافقة التنظيمية، بينما تحتفظ الشركة الألمانية “بيونتيك” بحقوق تطوير اللقاح وتسويقه في بقية العالم.
أوروبا تستنفر.. والمانيا لن نسمح بأخذ نتائج معاملنا
عُرفت ألمانيا بقوة مختبراتها العلمية في مجال صناعة الأدوية والعقاقير الطبية، وهو ما دفع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى محاولة جذب شركة CureVac الألمانية لأجل العمل لصالحها، بعد ورود تقارير عن أن الشركة تقترب من تطوير لقاح ضد الفيروس، حسب صحيفة “بيلد أم زونتاغ”.
لكن الرد الألماني كان حازماً، ومن ذلك ما قاله وزير الخارجية، هايكو ماس أن بلاده لن تسمح للآخرين بأخذ نتائج أبحاث العلماء الألمان، وأن هزيمة الفيروس يجب أن تتم بعمل جماعي.
تجارب فرنسية على عقاقير قديمة
وفي مدينة ليون الفرنسية، ينشط مختبر VirPath بقوة لإيجاد عقار يعالج الفيروس. لكن المختبر لا يبحث عن إصدار عقار بمكوّنات جديدة، بقدر ما يقوم بإعادة استعمال أدوية موجودة في السوق ضد الأمراض المعدية، خاصة أن هذه الطريقة سبق لها أن أعطت نتائج في السابق، ما جعل إدارة المختبر تصف الأبحاث الجارية بأنها “طموحة”.
وحسب ما نقلته المحطة الجهوية الثالثة بالتلفزيون الفرنسي، فإن المختبر يعمل منذ بداية الأزمة على البحث عن مكوّنات موجودة مسبقاً في حوالي 1500 دواء مستخدم في العالم ككل لعلاج عدة أمراض، كما يقوم المختبر بعمل تحاليل على الجهاز التنفسي للإنسان، وتحديداً على الخلايا التي يصلها فيروس كورونا، وقد طلب المختبر من السلطات الفرنسية أن تتيح له إجراء اختبار إكلينيكي على المرضى في حالات حرجة.
كما أعلنت شركة دوائية فرنسية تعرض دواء بلاكنيل المضاد للملاريا لمعالجة 300 ألف مصاب بفيروس كورونا.
وأوضحت أن الدواء المضادّ للملاريا الذي تنتجه، برهن عن نتائج “واعدة” في معالجة مرضى بفيروس كورونا المستجدّ، وبالتالي فهي مستعدّة لأن تقدّم إلى السلطات الفرنسية ملايين الجرعات منه.
وإيطاليا تدخل السباق
وداخل إيطاليا، بؤرة انتشار الفيروس في أوروبا، تنشط بجد شركتا Takis وEvvivax الخاصتين بتطوير الأدوية والعقارات، على تطوير اللقاح المناسب، وتعمل الشركتان بخطة مشتركة أساسها استخدام تقنيات التلقيح الوراثي القادرة على توليد أجسام مضادة للفيروسات، حسب موقع clinicaltrialsarena المتخصص في متابعة أخبار الأدوية.
فسيفساء التبغ الروسي لمكافحة فيروس كورونا
وكشفت رئيسة قسم علم الفيروسات بكلية البيولوجيا بجامعة موسكو، عن تطوير العلماء الروس مستحضرا من فسيفساء التبغ لمكافحة فيروس كورونا المستجد COVID-19.
وأوضحت أولجا كاربوفا، أن العلماء ابتكروا تكنولوجيا لإنتاج جزيئات كروية تعتمد على فيروس فسيفساء التبغ غير الضار للإنسان. علاوة على ذلك، فإن سطح هذا الجسيم يمكن أن “يلتصق” بأي بروتين، بما في ذلك بروتين فيروس سارس COV-2، الذي تسبب في وباء COVID-19.
وأضافت كاربوفا أن الجسيمات التي تم إنشاؤها هي مناعية وتسبب استجابة قوية في جسم الإنسان دون استخدام مواد إضافية تستخدم في تطوير لقاحات أخرى.
وخلصت للقول: “أخيرا، الجزيئات القائمة على فيروس فسيفساء التبغ قابلة للتحلل تماما، وبعد أداء وظيفتها، يتم التخلص منها من الجسم”.
بدوره، أعلن عميد كلية البيولوجيا، بجامعة موسكو الحكومية، عضو الأكاديمية الروسية للعلوم، ميخائيل كيربيشنيكوف، أنه يمكن إنشاء نموذج أولي للقاح مضاد لفيروس كورونا COVID-19 في غضون 3 أشهر.
وقال لصحيفة “إزفستيا” اليوم، إن التطوير السريع لمثل هذا اللقاح يتطلب مستوى كافيا من التمويل.
التجارب الأمريكية لا تنتهي
تعمل العديد من شركات الأدوية والعقارات في الولايات المتحدة على تطوير اللقاح، ومنها ما أعلن عن خطط مشتركة. وقد بدأ البلد فعليا تجريب لقاح إكلينيكي على أول مشارك، ويتعلق الأمر بتجارب يجريها معهد كايزر الدائم للبحوث الصحية بواشنطن، بتمويل من المعهد الوطني للصحة، حسب ما نشرته الأسوشتيد برس، لكن التجارب لن تنتهي في غضون يوم أو يومين، أو حتى شهر، إذ يقول خبراء الصحة إن أيّ لقاح محتمل لمواجهة الفيروس لن يتم اعتماده إلّا بعد عام أو حتى عام ونصف.
خلال أسابيع من كشف باحثين صينيين عن التركيبة الجينية للفيروس أمام العامة، تمكن فريق من جامعة تكساس في أوستن من إنشاء نموذج طبق الأصل لبروتيناته الخبيثة، وهو الجزء الذي يتشبث بالخلايا البشرية ويلحق الضرر بها، وتصويرها باستخدام مجهرٍ إلكتروني مبرد.
ويشكل هذا النموذج الآن أساسا للقاح محتمل لأنه قد يثير استجابة مناعية في جسم الإنسان دون التسبب في ضرر. وتعمل المعاهد الأميركية للصحة مع “موديرنا”، وهي شركة جديدة نسبيا أطلقت في العام 2010، لصنع لقاح باستخدام المعلومات الوراثية للبروتين لزراعته داخل أنسجة العضلات البشرية بدلا من حقنه فيها. وتخزن هذه المعلومات في مادة عابرة وسيطة تسمى “آر ان إيه مسنجر” تنقل الشيفرة الوراثية من الحمض النووي إلى الخلايا. وقد بدأت تجربة اللقاح البشرية الأولى في 16 مارس بعدما أثبت فعاليته .
وإذا سارت الأمور على ما يرام، فقد يكون اللقاح متاحا في السوق في غضون عام ونصف تقريبا، وجاهزا في حال استمرار تفشي فيروس كورونا حتى موسم الإنفلونزا المقبل، وفقا للعالم الأمريكي أنطوني فاوسي.
وأجريت في مدينة سياتل الأمريكية أولى التجارب السريرية على لقاح ضد فيروس كورونا، بمشاركة 3 متطوعين، هما رجلان يبلغان من العمر 46 و25 عاما، وسيدة عمرها 43 عاما.
وشمّر هؤلاء الثلاثة عن سواعدهم لتلقي اللقاح التجريبي ضد الفيروسات التاجية، مشيرين إلى أنهم أقدموا على هذه الخطوة بهدف محاربة الوباء بدلا من الاكتفاء بغسل الأيدي والعمل من المنزل.
وذكرت تقارير أن المتطوعين تلقوا جرعات متفاوتة من اللقاح الجديد لاختبار قوة الدواء، وسيجري فحصهم للكشف عن الآثار الجانبية المحتملة، وكذلك فحص دمهم لمعرفة قدرة اللقاح على تنشيط عمل أجهزتهم المناعية.
وأدلى المتطوعون الثلاثة بانطباعاتهم عن التجربة الأولى، مشيرين إلى أن اللقاحات لم تكن مؤلمة بدرجة أكبر من اللقاح العادي ضد الإنفلونزا الموسمية، مشيرين في الوقت ذاته إلى أنهم بادروا بالتطوع على أمل حماية أنفسهم، ويعون جيدا أنهم يقومون بدور صغير من بحث سيستمر 18 شهرا قبل الحصول على عينة لقاح ناجحة يمكن نشرها على نطاق واسع.
وتعمل جينيفر هالر، التي تلقت أول لقاح تجريبي ضد الفيروس التاجي، مديرة بشركة صغيرة للتكنولوجيا، وهي أم لابنين قاصرين.
وروت هالر أنها كانت تتناول الطعام بمطعم مكسيكي، حين ردت على مكالمة من رقم مجهول، وحينها سألتها عضو في فريق البحث عما إذا كانت ترغب بالمشاركة في هذه التجربة الأولى، وما إذا كان لديها 15 دقيقة للإجابة عن بعض الأسئلة، وما كان من السيدة إلا أن قطعت عشاءها على الفور ووافقت على العرض.
وقالت المتطوعة بعد تلقيها أول جرعة: “أتمنى أن نتوصل للقاح فعّال سريع وأن نتمكن من إنقاذ الأرواح ليتمكن الجميع من العودة لحياتهم الطبيعية في أسرع وقت”.
وأوضحت جنيفر هالر في مقابلة تلفزيونية إنها ستكون مضطرة إلى تسجيل درجة حرارتها يوميا ورصد الأعراض والآثار الجانبية وستجري عملية لمراقبتها على مدى 14 شهرا.
من جانبها، أوضحت الباحثة في مركز كيزر للأبحاث في ولاية واشنطن، ليزا جاكسون: “نحن فريق فيروس كورونا في الوقت الحالي، وما من شخص إلا ويريد أن يقوم بما بوسعه خلال فترة الطوارئ الحالية”.
وفيما كانت المتطوعة تتلقى جرعة اللقاح التجريبية، كان 3 آخرون ينتظرون دورهم حتى يشاركوا، ومن المرتقب أن يبلغ العدد الإجمالي للمشاركين 45، وسيتلقون جرعتين اثنتين في الشهر الواحد.
وهذه الخطوة العلمية هي الأولى من نوعها، وسيتراوح عمر المشاركين المتطوعين بين 18 و55، ويقول الباحثون إنهم لن يتعرضوا لأي أذى.
ولن ينتقل فيروس كورونا المستجد إلى المشاركين في هذه التجارب، لأن الجرعة التي ستخضع للاختبار لا تضم أي أثر لـ(كوفيد 19).
ومن المقرر أن تتواصل هذه التجارب إلى غاية مطلع يونيو 2021، لأجل التأكد من سلامة اللقاح الذي أطلق عليه اسم mRNA-1273.
تعان فرنسي أمريكي
وضمن هذا السباق المحموم، تتعاون حاليا شركة الأدوية الفرنسية سانوفي مع حكومة الولايات المتحدة لاستخدام ما يسمى بـ”منصة الحمض النووي المؤتلف” لإنتاج لقاح محتمل.
وتتيح هذه الطريقة أخذ الحمض النووي للفيروس ودمجه مع الحمض النووي لفيروس غير ضار، ما يحدث وهما قد يثير استجابة مناعية، ويمكن بعد ذلك زيادة المستضدات التي ينتجها.
وهذه التكنولوجيا هي أساس للقاح الأنفلونزا الذي طورته سانوفي ويعتقد أن موقعها جيد في هذا السباق بسبب لقاح سارس الذي ابتكرته ووفر حماية جزئية لدى الحيوانات.
وأفاد ديفيد لوي رئيس قسم تطوير اللقاحات في الشركة، بأن سانوفي تتوقع جهوزية هذا اللقاح المحتمل للاختبارات المخبرية في غضون ستة أشهر وللاختبارات السريرية في غضون عام ونصف العام.
“إينوفيو” شركة أدوية أميركية أخرى، تأمل في “بدء التجارب السريرية البشرية في الولايات المتحدة في نيسان/ أبريل وبعد ذلك بوقت قصير في الصين وكوريا الجنوبية حيث يؤثر تفشي الفيروس على نسبة كبيرة من الأشخاص”، وفق ما جاء في بيان مديرها جيه جوزيف كيم.
حتى إسرائيل
ودخلت معامل الكيان الصهيوني السباق من خلال لقاح ريمديزفير من صنع شركة جلعاد للعلوم والتي تدعي أنه الأقرب ليطرح في الأسواق. وتشير الشركة أن العقار ليس جديدا بل تمّ تطويره لمحاربة الفيروسات الأخرى بما في ذلك إيبولا (ثبت أنه غير فعال) ولم تتم الموافقة عليه بعد لأي وباء. ومع ذلك، فقد ظهرت نتائج مبكرة واعدة في معالجة بعض مرضى فيروس كورونا المستجد في الصين، وفقا للأطباء، والشركة تمضي قدما في التجارب السريرية النهائية في آسيا (المعروفة بـ”المرحلة 3″). كذلك استخدم لمعالجة مريض أميركي واحد على الأقل حتى الآن.
وقال أنطوني فاوسي من المعاهد الوطنية للصحة وأحد كبار الخبراء في الولايات المتحدة الأميركية، إنه قد يكون متاحا في “الأشهر القليلة المقبلة”. فيما أوضح المسؤول في منظمة الصحة العالمية بروس أيلوارد خلال مؤتمر صحافي عقد أخيرا في الصين أن “ثمة عقارا واحدا فقط نعتقد أنه قد يكون له فعالية حقيقية وهو ريمديزفير”.
ويطرأ تغيير على ريمديزفير داخل جسم الإنسان ليصبح مشابها لواحدة من أربع كتل للحمض النووي تسمى نوكليوتيدات. وقال نيومان لوكالة فرانس برس إنه عندما تنسخ الفيروسات نفسها، تقوم بذلك “بسرعة وبشكل عشوائي”، ما يعني أنها قد تدمج هذا اللقاح في بنيتها علما أن الخلايا البشرية التي تكون أكثر سرعة، لا ترتكب الخطأ نفسه.
وإذا اندمج الفيروس مع اللقاح، فإن الدواء يضيف تحولات يمكنها القضاء على الفيروس.