الأدب المقارن بتعريف بسيط “العلم الذي يحاول أن يتخطى الحدود القومية ليعرف ما عند الآخرين، ما هو أصيل من آدابهم، وما أخذوه عن غيرهم”. وبتعريف أشمل هو” دراسة الصلات الأدبية ومواطن التلاقي بين الآداب العالمية في ماضيها وحاضرها، ومعرفة ما تظهره هذه العلاقات من مظاهر تاريخية والتي تعتبر من المؤشرات الدالة على ظاهرة التأثير والتأثر فيما يتعلق بالأجناس والمذاهب الأدبية والتيارات الفكرية أو الأصول العامة والفنية للأدب، وبالتالي دراسة المظاهر الأدبية المتعلقة بالموضوعات، والمواقف، والشخصيات التي تعالج وتحاكي الأدب، ومن ثم دراسة الصلات والروابط الحضارية التي تربط الشعوب والأمم تاريخياً، وفكرياً، وجغرافياً، واجتماعياً من خلال ما يعكسه الأدب عن أحوال تلك الشعوب والأمم”.
والحقيقة التي يجب ألا نجشم أنفسنا في عناء تعليلها أن”لحدود الفاصلة بين أدب وآخر في مجال الدراسة المقارنة هي اللغات، فاختلاف اللغات شرط لقيام الدراسة الأدبية المقارنة. والآثار الأدبية التي تكتب بلغة واحدة تخرج عن مجال درس الأدب المقارن وإن تأثر بعضها ببعض. والموازنة بين أديب وأديب من أبناء اللغة الواحدة لا تدخل في درس الأدب المقارن”.
على ضوء ذلك نستطيع أن نجزم بيقين تام لا يخالجه شك أو تنازعه ريبة أن الموازنات التي تنشر العيوب والمآخذ، وتذيع المحاسن والجمال والتي ألفت في نواحي شتى من نواحي المعمورة بين شعراء عرب راضوا الشعر، وصاغوا القريض، لا تصل إلي الأدب المقارن بصلة، ولا تمت إليه بسبب، فالموازنة بين أبي تمام والبحتري وبين حافظ وشوقي لا تعد ضرباً من ضروب الأدب المقارن لأنها صيغت من لغة واحدة وهي اللغة العربية وكذلك الموازنة بين مقامات بديع الزمان الهمذاني ومقامات الحريري لوحدة اللغة، ولكن يختلف الأمر إذا اختلفت اللغة وتفاوت الأدب، مثل مقامات خميدي التي ألفت في حدود عام 550ه وتأثر فيها مؤلفها بمقامات الهمذاني والحريري، و”ينطبق الأمر كذلك على الأساطير، فشاهنامة الفردوسي وما تضمه من أساطير الفرس، والحديث عن أبطالهم الأسطوريين لا تصلح هي الأخرى مادة للأدب المقارن مع تلك الشاهنامات التي قلدتها وحاكتها. لأنها جميعاً كتبت بلغة واحدة مشتركة بينها.
ولكن المقارنة تصح إذا تأثرت الآداب الأوربية بهذه الشاهنامة. وقد حدث هذا فعلاً، فكانت الشاهنامة مصدراً خصباً لأدباء أوربا من شعراء وكتاب إذ قاموا بترجمتها وتلخيصها ومحاكاة قصصها.
ويرجع الفضل إلي وليم جونز في لفت نظر أوربا بما نشره من مقتطفات منها في كتابه الذي أصدره سنة 1774م بعنوان تعليقات على الآشعار الأسيوية Commentaries on Asiatic Poetry
وقد قام هذا الكتاب بدور كبير في تعريف الأوربيبن بالأدبين العربي والفارسي، وكذلك لا يدخل في دائرة الأدب المقارن تلك الدراسات التي تعقد بين أدباء لم يثبت بالدليل القاطع صلة بينهم تتيح القول بأن أحدهم تأثر بالآخر.
وإذا فرضنا أن شاعراً في الصين عرض لفكرة من الأفكار عرض لها شاعر آخر في ألمانيا ولم يثبت التاريخ أن أحدهما وقف على فكرة الآخر على أي وجه من أوجه الاتصال يرجح أوجه التأثر والمحاكاة فإن هذا لا يدخل في دائرة الأدب المقارن”.